قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

سورة المسد

محتوى السورة:

 

هذه السورة نزلت في أوائل الدعوة العلنية. وهي السورة الوحيدة التي تحمل هجوماً شديداً بالاسم على أحد أعداء الإسلام والنبي صلى الله عليه وآله آنذاك وهو أبو لهب. ومن السورة يتضح أنّه كان يحمل عداء خاصاً للنّبي ويمارس هو وزوجه كل أنواع الأذى بحقّه. القرآن يصرّح بأنّهما أهل جهنم، وليس لهما طريق للنجاة، وتحققت هذه النبوءة القرآنية، وكلاهما مات على الكفر.

 

فضيلة تلاوة السورة:

 

في حديث أبي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: «من قرأها رجوت أن لا يجمع اللَّه بينه وبين أبي لهب في دار واحدة». إنّ هذه الفضيلة نصيب من بقراءتها يفصل مسيرته عن مسيرة أبي لهب، لا من يقرأها بلسانه ويعمل عمل أبي لهب في أفعاله.

 

تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)

 

سبب النّزول

 

سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: صعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ذات يوم الصفا فقال: «يا صباحاه»! فأقبلت إليه قريش، فقالوا له: ما لك؟ فقال: «أرأيتم لو أخبرتكم أنّ العدوّ مصبحكم أو ممسيكم، أما كنتم تصدّقوني». قالوا: بلى. قال: «فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد». فقال أبو لهب: تبّاً لك! ألهذا دعوتنا جميعاً؟ فأنزل اللَّه هذه السورة.

 

ويروى عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما نزلت هذه السورة، أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب، ولها ولولة وفي يدها فهر، وهي تقول: مذمّماً أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا.

 

والنبي صلى الله عليه وآله جالس في المسجد ومعه أبو بكر. فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول اللَّه! قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله «إنّها لن تراني». وقرأ قرآناً فاعتصم به، كما قال: «وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بِالْأَخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا» [ الإسراء: 45 ] فوقفت على أبي بكر، ولم تر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقالت: يا أبا بكر! أخبرت أنّ صاحبك هجاني. فقال: لا وربّ البيت ما هجاك. فولّت وهي تقول: قريش تعلم أنّي بنت سيّدها.

 

التّفسير

 

هذه السورة - كما ذكرنا في سبب نزولها - ترد على بذاءات أبي لهب عم النبي صلى الله عليه وآله وابن عبد المطلب. وكان من ألد أعداء الإسلام، وحين صدح النبي صلى الله عليه وآله بدعوته وأعلنها على قريش وأنذرهم بالعذاب الإلهي قال: تبّاً لك ألهذا دعوتنا جميعاً؟! والقرآن يرد على هذا الإنسان البذيء ويقول له: «تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ».

 

في المجمع: قال طارق المحاربي: بينا أنا بسوق ذي المجاز إذا أنا بشاب يقول: «يا أيّها الناس! قولوا لا إله إلّا اللَّه تفلحوا». وإذا برجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه وعرقوبيه، ويقول: يا أيّها الناس! إنّه كذاب فلا تصدّقوه. فقلت: من هذا؟ فقالوا: هو محمّد، يزعم أنّه نبي، وهذا عمّه أبو لهب يزعم أنّه كذاب «1».

 

وفي رواية أخرى: وكان من عظيم خطر أبي لهب ضد الدعوة الإسلامية أنّه كلّما جاء وفد إلى النبي صلى الله عليه وآله يسألون عنه عمّه أبالهب - اعتباراً بكبره وقرابته وأهميته - كان يقول لهم: إنّه ساحر، فيرجعون ولا يلقونه، فأتاه وفد فقالوا: لا ننصرف حتى نراه، فقال: إنّا لم نزل نعالجه من الجنون فتباً له وتعساً «2».

 

من هذه الروايات نفهم بوضوح أنّ أبا لهب كان يتتبع النبي صلى الله عليه وآله غالباً كالظلّ، وما كان يرى سبيلًا لإيذائه إلّا سلكه، وكان يقذعه بأفظع الألفاظ، ومن هنا كان أشدّ أعداء الرسول والرسالة، ولذلك جاءت هذه السورة لتردّ على أبي لهب وامرأته بصراحة وقوّة.

 

«مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ»، فليس بإمكان أمواله أن تدرأ عنه العذاب الإلهي «سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ».

 

من الآية الأولى نفهم أنّه كان ثرياً ينفق أمواله في محاربة النبي صلى الله عليه وآله. وأبو لهب ناره ذات لهب يصلاها يوم القيامة، وقيل: يصلاها في الدنيا قبل الآخرة. و«لهب» جاءت بصيغة النكرة لتدل على عظمة لهب تلك النار. لا أبا لهب ولا أي واحد من الكافرين والمنحرفين تغنيه أمواله ومكانته الاجتماعية من عذاب اللَّه، كما يقول سبحانه: «يَوْمَ لَايَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ» «3». بل لم تغنه في الدنيا من سوء المصير.

 

في تفسير مجمع البيان: قال عكرمة، قال أبو رافع مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: كنت غلاماً للعباس بن عبد المطلب، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، وأسلمت أم الفضل وأسلمت وكان العباس يهاب قومه ويكره أن يخالفهم وكان يكتم إسلامه وكان ذا مال كثير متفرق في قومه، وكان أبو لهب عدوّ اللَّه قد تخلف عن بدر وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة، وكذلك صنعوا لم يتخلف رجل إلّا بعث مكانه رجلًا.

 

فلما جاء الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش كبته اللَّه وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوّة وعزّاً، قال: وكنت رجلًا ضعيفاً وكنت أعمل القداح أنحتها في حجرة زمز ، فواللَّه إنّي لجالس فيها أنحت القداح وعندي أم الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر، إذ أقبل الفاسق أبو لهب، يجرّ رجليه حتى جلس على طنب الحجرة، فكان ظهره إلى ظهري فبينا هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان ابن حرث بن عبد المطلب، وقد قدم. فقال أبو لهب، هلم إليّ يا ابن أخي فعندك الخبر. فجلس إليه والناس قيام عليه، فقال: يا ابن أخي! أخبرني كيف كان أمر الناس؟ قال: لا شيء واللَّه إن كان إلّ اأن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاؤوا وأيم اللَّه مع ذلك ما لمت الناس لقينا رجالًا بيضاً على خيل بلق، بين السماء والأرض، ما تليق شيئاً، ولا يقوم لها شيء.

 

قال أبو رافع: فرفعت طرف الحجرة بيدي، ثم قلت: تلك الملائكة. قال: فرفع أبو لهب يده وضرب وجهي ضربة شديدة، فثاورته واحتملني فضرب بي الأرض، ثم برك علي يضربني وكنت رجلًا ضعيفاً، فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة، فأخذته فضربته ضربة فلقت رأسه شجة منكرة، وقالت: تستضعفه إن غاب عنه سيده فقام مولياً ذليلًا، فواللَّه ما عاش إلّا سبع ليال حتى رماه اللَّه بالعدسة، فقتله.

 

ولقد تركه أبناه ليلتين أو ثلاثاً ما يدفناه حتى أنتن في بيته وكانت قريش تتقي العدسة كما يتقي الناس الطاعون، حتى قال لهما رجل من قريش: ويحكما ألا تستحيان إنّ أباكما قد أنتن في بيته لا تغيبانه؟ فقالا: إنّا نخشي هذه القرحة. قال: فانطلقا فأنّا معكما، فما غسلوه إلّا قذفاً بالماء عليه من بعيد ما يسمونه، ثم احتملوه فدفنوه بأعلى مكة إلى جدار، وقذفوا عليه بالحجارة، حتى واروه.

 

«وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ». الآيتان تتحدثان عن أم جميل امرأة أبي لهب، وأخت أبي سفيان، وعمّة معاوية، وتصفانها بأنّها تحمل الحطب كثيراً، وفي عنقها حبل من ليف. ولماذا وصفها القرآن بأنّها حمالة الحطب؟ قيل: لأنّها كانت تأخذ الحطب المملوء بالشوك وتضعه على طريق رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لتدمي قدماه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مجمع البيان 10 / 559.

(2) تفسير الفرقان 30 / 503.

(3) سورة الشعراء / 88 و 89.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد