السيد محمد باقر الحكيم ..
ويمكن أن نجد معالم هذا الإطار وأبعاده في النقاط التالية:
النقطة الأولى:
الإيمان بالله الواحد، والوحي الإلهي، واليوم الآخر، والكتب والرسالات، حيث يمثل هذا الإيمان الأساس المشترك لهذه الديانات كلها. وبالرغم من الإشارات القرآنية إلى وجود الانحراف عن هذا الأصل في بعض هذه الديانات ـ بحيث عبر عنه القرآن الكريم بـ(الكفر) ـ ولكن يبدو أن تقويم القرآن الكريم لهذا الكفر والشرك لم يكن بالدرجة التي تؤدي إلى القطيعة والانفصال، ولعل ذلك ـ والله أعلم ـ ينطلق من: أن هذا النوع من الكفر والشرك ليس بالدرجة العالية من الانحراف؛ لأنه كفر وشرك يرتبط بتصور الذات الإلهية تصوراً منحرفاً، أو الغلو في فهم بعض أفراد الأنبياء والصعود بدرجاتهم إلى مستوى يجعلهم يمثلون امتداداً لله الواحد نفسه، كما يبدو ذلك في تصور بعض طوائف النصارى للمسيح وأمه، بحيث تصبح الذات الإلهية ذات أبعاد ثلاثة، أو مراحل ثلاثة تشبه المراحل التي يمر بها بعض الموجودات البشرية أو المادية مثل: (الأب، والابن، وروح القدس): ] لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة[ ([49]). ] وقالت اليهود عزير ابن الله[ ([50]). ] وقالت النصارى المسيح ابن الله[ ([51]).
ويبدو أن القرآن الكريم لم يستخدم كلمة (الشرك) و(المشركين) من أهل الكتاب، بل وضع (الذين أشركوا) في مقابل أهل الكتاب، بالرغم من انتقاد القرآن الشديد لأهل الكتاب أحياناً، ووضعهم إلى صف المشركين في إدانتهم والمصير الذي سوف ينتهون إليه أحيانا أخرى.
]إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية[ ([52]). كما أنه قرنهم في أول السورة.
]ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم[ ([53]).
ويبدو من سياق الآيات في بعض الموارد من الآية السابقة وغيرها ومن التصريح في بعض الموارد الأخرى وجود الفرق بين أهل الكتاب أنفسهم من اليهود والنصارى، حيث اصطف اليهود إلى جانب، فكانوا أشد الناس عداوة وإيذاءً للمسلمين، شأنهم في ذلك شأن المشركين على خلاف النصارى الذين فيهم القسيسون والرهبان.
]لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون * وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين[ ([54]).
]ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلاّ ما دمت عليه قائماً ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون[([55]).
]ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلاّ أنفسهم وما يشعرون[ ([56]).
وبعد أن يستعرض القرآن الكريم مواقف طوائف أهل الكتاب وانحرافاتهم وما يجب على المسلمين من مواقف تجاههم يختم هذا المقطع بقوله تعالى:
]ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله اناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين * وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين[([57]).
وانطلاقاً من هذا التصور نجد القرآن الكريم يدعو أهل الكتاب إلى كلمة التوحيد باعتبارها الكلمة الجامعة، والتي تمثل القاسم المشترك بينهم وبين المسلمين.
] قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم إلاّ نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون[ ([58]).
كما نلاحظ القرآن الكريم يضع أهل الكتاب بأصنافهم المتعددة في صفٍ واحدٍ مع المسلمين في النهايات؛ وذلك انطلاقاً من هذه الرؤية الواقعية، والتمييز بين بعضهم والبعض الآخر، ويضع قضية الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح أساساً لذلك.
] إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون[ ([59]).
النقطة الثانية:
التأكيد على وحدة الرسل والرسالات. فالأنبياء وما جاءوا به من الوحي إنما هو مصدر واحد، وهو: الله سبحانه وتعالى، وهم يتحملون مسؤولية من نوع واحد، وهي: مسؤولية إبلاغ رسالات الله، وإصلاح البشر، ودعوتهم إلى الخير والهدى والصلاح، وتحذيرهم من الشر والضلال والفساد، وكذلك قيامهم بين الناس بالعدل والقسط، وحل الاختلاف بالحق من خلال الحكم الإلهي، لا بالهوى والميول والرغبات. وقد أكد القرآن الكريم هذه الوحدة بأساليب متعددة.
فتارة: يصرح بها من خلال استعراض مسيرة الأنبياء ودعواتهم، ويختم ذلك بقوله تعالى إن هذه أمتكم واحدة وأنا ربكم فاعبدون[ ([60]) بعد أن استعرض القرآن الكريم الإشارة إلى أعمال مجموعة من الرسل، وبعد استعراض مسيرة مجموعة من الرسل، حيث جاء قوله تعالى: ] يا أيها الرسل كلوا من الطيبات وأعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم * وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون[ ([61]).
وأخرى بأسلوب تأكيد وحدة مضمون دعوة الأنبياء المتعددين عند استعراض رسالتهم إلى أقوامهم، كما نلاحظ ذلك في عدة سور قرآنية: كالشعراء وغيرها.
وثالثة: بالإشارة إلى أن العقيدة الإسلامية الصحيحة هي عدم التفريق بين الرسل، والإيمان بهم جميعاً مع احترامهم، والإنكار على من يفرق بين هؤلاء الرسل؛ لأنهم جميعاً هم رسل الله تعالى: ] آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير[ ([62]).
]قولوا آمنا بالله وما أنزل الينا وما أنزل إلى إبراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون[ ([63]).
وكذلك الآيات الشريفة في سورة النساء من (150 ـ 164) خصوصاً قوله تعالى: ]لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك...[ إلى آخر الآيات.
ورابعة: من خلال التركيز في الحديث على الأنبياء المعروفين لدى أوساط أهل الكتاب وقصصهم: كادم ونوح وإبراهيم ويعقوب ويوسف وموسى وداود وسليمان وزكريا وعيسى وغيرهم.
النقطة الثالثة:
الدعوة إلى تطبيق الأحكام الإلهية المشتركة الثابتة في التوراة والإنجيل؛ ليتضح مدى التقارب والوحدة بين هذه الأديان، خصوصاً وأن هذه التشريعات بعضها يكمل البعض الآخر، حيث نجد القرآن الكريم يتناول هذا الموضوع بأساليب متعددة:
أ ـ الإشارة إلى الأحكام التي كانت ثابتة في الديانات السابقة، كما تم ذلك في الصوم والقصاص و...
] يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون[ ([64]).
ب ـ المطالبة بالرجوع إلى التوراة والإنجيل في فصل الاختلاف التي تواجه أهل الكتاب، وتشخيص الأحكام، والمقارنة بينها وبين ما هو موجود في التوراة والإنجيل.
] كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلاّ ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين[ ([65]).
] قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم...[ ([66]).
] وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين * إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله...[ ([67]).
] وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون[ ([68]).
ج ـ أسلوب الدعوة للرجوع إلى أهل الذكر والمعرفة من علماء أهل الكتاب: لتبين الحقائق التي جاء بها الإسلام بعد تذكيرهم بها.
] وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالاً نوحي إليهم فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ ([69]).
] وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالا نوحي إليهم فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ ([70]).
ــــــــــــــــــــــــــــ
[49] ـ المائدة: 73.
[50] ـ التوبة: 30.
[51] ـ التوبة: 30.
[52] ـ البينة: 6.
[53] ـ البقرة: 105.
[54] ـ المائدة: 82 ـ 83.
[55] ـ آل عمران: 75 ـ 69.
[56] ـ آل عمران: 75 ـ 69.
[57] ـ آل عمران: 113 ـ 115.
[58] ـ آل عمران: 64.
[59] ـ البقرة: 62. ولاحظ مثلها في اللفظ والمعنى الآية: 69 من سورة المائدة مع اختلاف بسيط.
[60] ـ الأنبياء: 92.
[61] ـ المؤمنون: 51 ـ 52.
[62] ـ البقرة: 285.
[63] ـ البقر’ 136.
[64] ـ البقرة: 183.
[65] ـ آل عمران: 93.
[66] ـ المائدة 68.
[67] ـ 43 ـ 44.
[68] ـ المائدة: 47.
[69] ـ النحل: 43.
[70] ـ الأنبياء 7.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان