السيد محمد باقر الحكيم
إن من البديهيات الإسلامية أن القرآن الكريم لم يكن كتاباً علمياً جاء به الرسول الأعظم من أجل تفسير مجموعة من النظريات العلمية، وإنما هو كتاب استهدف منه الإسلام بصورة رئيسية تغيير المجتمع الجاهلي وبناء الأمة الإسلامية على أساس المفاهيم والأفكار الجديدة التي جاء بها الدين الجديد، وهو من أجل تحقيق هذه الغاية، والوصول إلى هذا الهدف الرئيسي جاء منجماً متفرقاً من أجل أن يعالج القضايا في حينها، ويضع الحلول للمشاكل في أوقاتها المناسبة، مراعياً في ذلك كل ما تفرضه عملية التغيير والبناء من تدريج وأناة، وليحقق الانقلاب في كل الجوانب الاجتماعية والإنسانية منطلقاً مع المحتوى الداخلي للفرد المسلم ليشمل البنيات الفوقية للمجتمع.
وعلى هذا الأساس لم يكن شعور المسلمين بشكل عام تجاه المحتوى القرآني ذلك الشعور الذي يجعلهم ينظرون إلى القرآن الكريم كما ينظرون إلى الكتب العلمية التي تحتاج إلى الدرس والتمحيص. وإنما هو شعور ساذج بسيط لأن القرآن كان يسير معهم في حياتهم الاعتيادية بما زخرت به من ألوان مختلفة فيعالج أزماتهم الروحية، والسياسية ويتعرض بالنقد للأفكار والمفاهيم الجاهلية، ويناقش أهل الكتاب في انحرافاتهم العقيدية والاجتماعية، ويضع الحلول الآنية للمشاكل التي تعتريهم، ويربط بين كل من هذه الأمور بعرض مفاهيم الدين الجديد عن الكون والمجتمع والأخلاق.
كل ذلك قام به القرآن الكريم ولكن بشكل تدريجي يسمح لعامة المسلمين أن ينظروا إليه كأحداث تشكل جزءاً من حياتهم الاجتماعية وقد كان المسلمون يفهمون القرآن من خلال هذه النظرة الساذجة إليه وعلى أساس ما لديهم من خبرة عامة، وهي تعني جميع المعلومات التي تحصل لدى الإنسان في مجرى حياته الاعتيادية وهذه الخبرة العامة التي كان المسلمون يفهمون النص القرآني بموجبها ذات عناصر مختلفة يمكن أن نلخصها بالأمور التالية :
أ - الثقافة اللغوية العامة، فالقرآن نزل باللغة العربية التي كانت تمثل لغة المسلمين في ذلك العصر لأن الوجود الإسلامي حينذاك لم يكن قد انفتح على الشعوب الأخرى، وهذه الثقافة اللغوية كانت تمنح المسلمين فهماً إجمالياً للقرآن من ناحية لغوية.
ب - تفاعل المسلمين مع الأحداث الإسلامية وأسباب النزول. ذلك أن القرآن - كما نعرف - نزل في كثير من الأوقات بسبب حوادث معينة أثارت نزول الوحي. والمسلمون بحكم ارتباطهم بهذه الحوادث واطلاعهم على ظروفها الخاصة المحيطة بها كانوا يتعرفون بشكل إجمالي أيضاً على محتوى النص القرآني ومعطياته وأهدافه.
ج - الفهم المشترك للعادات والتقاليد العربية، فنحن نعرف أن القرآن الكريم حارب بعض العادات والتقاليد العربية وندد بها، والعرب بحكم ظروفهم الاجتماعية كانوا على اطلاع بما تعنيه هذه العادات وبالتالي على المفهوم الجديد عنها فمن الطبيعي أن يفهموا قوله تعالى «إنما النسيء زيادة في الكفر» وقوله تعالى «وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها» وقوله «إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام...») لأنهم يعرفون «النسيء» «وإتيان البيوت من ظهورها» «والأنصاب والأزلام» كأمور كانت قائمة في المجتمع الجاهلي، وكانوا يعيشونها.
د - دور الرسول (ص) في التفسير، فقد كان الرسول الأعظم يباشر التفسير أحياناً في مجرى الحياة الاعتيادية للمسلمين، فكان يجيب على الأسئلة التي تثور في أذهان المسلمين عن القرآن ومعانيه ويشرح النص القرآني في المناسبات التي يفرضها الموقف القيادي الذي كان يضطلع به الرسول من موعظة أو توجيه أو حث على العمل في سبيل اللّه والإسلام.
وهذه العناصر في الحقيقة تمثل ما كان عليه المسلمون من فهم ساذج للقرآن، لأنها عناصر كانت تعيش مع المسلمين في مجرى حياتهم الاعتيادية دون أن تكلفهم مجهوداً ذهنياً، أو عناء علمياً، ولدينا عدة نصوص، تؤكد هذا الفهم الساذج للقرآن الذي كان عليه المسلمون في هذه المرحلة من حياتهم الفكرية فنحن نجد عمر بن الخطاب في مرحلة متأخرة عن هذا الوقت يجد في فهم كلمة «أباً» تكلفاً ونجد عدي بن حاتم يقع في حيرة حين يحاول أن يفهم (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) ويشاركه في هذه الحيرة جماعة من المسلمين، ولا ترتفع حيرتهم إلا بعد أن يراجعوا الرسول (ص) ونجد ابن عباس لا يعرف معنى «فاطر» حتى يطلع عليه من قبل إعرابي.
فهذه الأحداث على ضآلتها تعكس لنا المرحلة التي كان يعيشها المسلمون عصر نزول القرآن.
ولعل من الدلائل على هذا الفهم الساذج للقرآن من قبل المسلمين ما نلاحظه في القراءات المتعددة للقرآن، الشيء الذي قد يكون ناتجاً عن سذاجة بعض القراء من الصحابة في ضبط الكلمة القرآنية، وقراءتها بالشكل الذي يتفق مع بعض الاتجاهات اللغوية التي عاصرت نزول القرآن ثم تداولها المسلمون على أساس أنها قراءة إسلامية تَمُتُّ بالنَّسَبِ إلى شخص النبي (ص).
ومن الممكن أن يكون أحد العوامل التي كان لها تأثير فعال في هذا الفهم الساذج للقرآن هو حياة الرسول الأعظم (ص) المثقلة بالأعمال والأحداث، وبالتالي تأثر حياة المسلمين بشكل عام من جراء ذلك، وقد أشار الإمام علي (ع) في حديثه المتقدم الذي رواه ثقة الإسلام الكليني إلى هذه الظاهرة العامة التي كانت تشمل الصحابة حيث قال: ورجل سمع من رسول اللّه فلم يحفظه على وجه ووهم فيه، ولم يتعمد كذباً... رجل ثالث سمع من رسول اللّه شيئاً أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم أو سمعه ينهى عن شيء ثم أمر به وهو لا يعلم فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ... ولسنا بحاجة لأن نؤكد هنا أن هذا الفهم الساذج للقرآن الكريم من قبل عامة المسلمين لم يكن يتنافى مع الدور القيادي الذي يضطلع به الرسول الأعظم بعد أن عرفنا أن حياته (ص) كانت مثقلة بالأعمال والأحداث الأمر الذي لم يكن يتيح له الفرصة الكافية للقيام بدور المفسر لعامة المسلمين.
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع
أمسية للشّاعرة فاطمة المسكين بعنوان: (تأمّلات في مفهوم الجمال بين الشّعر والفلسفةِ)