قرآنيات

حجية الدلالة القرآنية

 

السيد رياض الطباطبائي الحكيم .. 

 ليس القرآن مبهماً متعذر الفهم على الأمة، بل يحق للعالم بل وأحياناً العامي أن يعتمد على ما يفهمه منه.

وتشهد لذلك مجموعة من الشواهد القرآنية التي استدل بها الأصوليون على حجية ظهورات القرآن فضلاً عن صريحه:

 

أولاً: آيات الدعوة إلى التأمل والتمعن  في الكتاب الكريم:

أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا .

أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا.

إلى سوى ذلك من الآيات التي تشهد بأن القرآن الكريم نزل لكي يفهمه الناس.

 

ثانياً: ورود نصوص كثيرة تدعو المسلمين إلى الرجوع إلى القرآن والعمل به ما يكشف عن إمكانية فهمه، ولو بواسطة العلماء:

١-حديث الثقلين: وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي، كتاب الله حبل ممدود بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا بماذا تخلفوني فيهما.

٢-قول أمير المؤمنين عليه السلام: جعله الله ريا لعطش العلماء، وربيعا لقلوب الفقهاء، ومحاج لطرق الصلحاء، ودواء ليس بعده داء، ونورا ليس معه ظلمة وحبلا وثيقا عروته، ومعقلا منيعا ذروته، وعزا لمن تولاه، وسلما لمن دخله، وهدى لمن ائتم به، وعذرا لمن انتحله، وبرهانا لمن تكلم به، وشاهدا لمن خاصم به، وفلجا لمن حاج به ، وحاملا لمن حمله، ومطية لمن أعمله، وآية لمن توسم، وجنة لمن استلام . وعلما لمن وعى، وحديثا لمن روى، وحكما لمن قضى.

٣- قوله أيضاً : كتاب ربكم فيكم مبينا حلاله وحرامه وفرائضه وفضائله وناسخه ومنسوخه. ورخصه وعزائمه.

وخاصه وعامه. وعبره وأمثاله. ومرسله ومحدوده. ومحكمه ومتشابهه مفسرا مجمله ومبينا غوامضه.

 

ثانياً: النصوص الذي يوجه فيها أهل البيت عليهم السلام أصحابهم إلى القرآن:

منها خبر عبد الأعلى مولى آل سام، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام عثرت فانقطع ظفري فجعلت على أصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل.

قال الله تعالى: ما جعل عليكم في الدين من حرج، امسح عليه.

 

رابعاً: نصوص عرض الأحاديث على الكتاب:

منها : ما رواه الكليني عن هشام بن الحكم وغيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «خطب النبي (صلى الله عليه وآله) بمنى فقال: أيها الناس، ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله».

ومنها: خبر أيوب بن راشد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف.

يستفاد من هذه النصوص أن القرآن الكريم ليس كتاب رموز وألغاز بحيث لا يحق للناس الرجوع إليه لتعذر فهمه، وإنما هو كتاب هداية يفترض بهم التمعن به والاهتداء بهديه والاحتكام إليه، وعرض نصوص السنة عليه، ما يؤكد إمكانية فهمه.

نعم قد يبدو من بعض النصوص أنه لا يمكن الاعتماد على فهم الإنسان للقرآن إلا بعد الرجوع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وأئمة أهل البيت عليهم السلام من بعده:

منها: صحيحة منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن الله أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه - إلى أن قال: - وقلت للناس: أليس تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان الحجة من الله على خلقه؟ قالوا: بلى، قلت فحين مضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كان الحجة لله على خلقه؟ قالوا: القرآن، فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجئ والقدري والزنديق الذي لا يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته، فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم، فما قال فيه من شئ كان حقا - إلى أن قال: - فأشهد أن عليا (عليه السلام) كان قيم القرآن، وكانت طاعته مفترضة، وكان الحجة على الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأن ما قال في القرآن فهو حق، فقال: رحمك الله.

ومنها: خبر عبيدة السلماني، عن علي (عليه السلام) قال: اتقوا الله ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون - إلى أن قال:

قالوا: فما نصنع بما قد خبرنا به في المصحف؟ فقال: يسأل عن ذلك علماء آل محمد (عليهم السلام).

لكن التأمل الدقيق يوضح أنها لا تفيد عدم الاعتماد على ما يفهمه الإنسان من القرآن، بل يعتمد ذلك على نمط الآيات ومستوى الفهم.

 

فالآيات على أصناف ثلاثة:

١- الواضحات التي يفهمها كل من يعرف العربية، كآيات تمجيد الله تعالى والثناء عليه والأمر بالمعروف والدعوة إلى الفضائل، والنهي عن المنكر وذم الرذائل.

وهذه يقرأها الجميع ويفهمونها.

 

٢-ما يفهمه أهل العلم والتخصص.

وقد تحمل آية واحدة معنى سطحياً يفهمه العامة ومعنى أعمق يختص به العلماء كآيات التوحيد والصفات، ومفهوم الحكمة وحبط العمل والهداية وغيرها.

ومن جملة ما يعينهم على سبر أغوارها ، ويقرّبهم من الفهم الصحيح لها، الرجوع إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام والأنس بمنطقهم والتثقف بعلومهم، لأنهم قرين القرآن وعديله كما ورد في حديث الثقلين.

 

٣- الآيات الغامضة التي ترمز إلى معانٍ دقيقة كالقضاء والقدر، أو إلى الغيبيات كعالم ما بعد الموت، أو آيات الأحكام القابلة للنسخ والتخصيص، والآيات متعارضة الظاهر.

وهذه لا بد فيها من مراجعة الرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام، فهم المطّلعون على أسرار الكتاب العزيز والمحيطون بحدود التشريع، فقد وردت النصوص في كونهم الراسخين في العلم والعارفين بالتأويل والنسخ:

منها: خبر زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: تفسير القرآن على سبعة أوجه :منه ما كان، ومنه ما لم يكن بعد، تعرفه الأئمة (عليهم السلام).

ومنها: خبر إسماعيل بن جابر عن الصادق عليه السلام: ثم سألوه (عليه السلام) عن تفسير المحكم من كتاب الله، فقال: أما المحكم الذي لم ينسخه شئ فقوله عز وجل: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) ، وإنما هلك الناس في المتشابه لأنهم لم يقفوا على معناه، ولم يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بآرائهم، واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء، ونبذوا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وراء ظهورهم.

 

حيث يبدو من الحديث اختصاص الأوصياء بالمتشابه الذي هلك به الناس.

ومنها: ما عن أمير المؤمنين عليه السلام في احتجاجه على زنديق سأله عن آيات متشابهات:  ثم إن الله قسم كلامه ثلاثة أقسام: فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل، وقسما لا يعرفه إلا من صفا ذهنه، ولطف حسه وصح تمييزه، ممن شرح الله صدره للإسلام، وقسما لا يعلمه إلا الله وملائكته والراسخون في العلم.

فاتضح إمكان وصول العالم البصير بلغة القرآن والحديث إلى الاستنارة بما سوى الصنف الثالث من آيات الكتاب العزيز.

أما الصنف الثالث فبعضه مبين في الروايات، والتي اعتماد توخي المعتبر منها .

( مستخلص من كتاب علوم القرآن).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد