ربى حسين ..
لأول مرة إذًا، سيمتلك المستضعفون مؤسّساتهم الثقافيّة، معلنين بذلك الخروج عن النّزعة الفرديّة الّتي حكمتهم طيلة قرون متمادية. سيعملون من اليوم على ترسيخ عقلية المؤسسات الّتي تهتم بالتخطيط البعيد المدى والاستخدام الأمثل للطاقات والإيمان القوي بالإبداع. بهذه الكلمات قدّم السّيد عباس نور الدّين لكتابه "مبادئ العمل الثّقافي"، الّذي يهدف إلى تفعيل الحوار الهادئ والمنطقي لبلورة المبادئ الأساسية في البرامج والأنشطة التعليمية، وجعلها منطلقًا للأعمال الجماعية التي تشترك فيها أفضل الطاقات العلمية.
انطلاق التّحرّكات الثّقافيّة
يذكر الكاتب في الفصل الأوّل من الكتاب كيف كانت بداية التّحرّكات الثّقافيّة والفكريّة، وكيف شهد القرن العشرين على الحرب الباردة الّتي لاقت اهتمامًا كبيرًا بالأسلحة الّلينة والّتي كان أهمّها الثّقافيّة. وفي ظل هذه التّحوّلات الكبرى انطلقت التّيارات الفكريّة من متن الجامعات والمعاهد العلميّة لتصنع المزيد من الأدمغة التي تعمل على التّأثير الفكري على الآخرين. أمّا الثقافة النّهائية لأيّ مجتمع فليست سوى حصيلة تفاعل العناصر المكوّنة داخل هذه الثّقافة، وفيما بينها وبين عناصر أخرى تحتك بها من خارج المجتمع فتستبدل عناصر وتثبت أخرى، إلّا أنّ المعيار في تحوّل أيّ مبدأ أو قيمة أو عقيدة إلى عنصر داخل الثّقافة يكون في صيرورته واقعًا معاشًا تتبناه الأغلبيّة في المجتمع المذكور. هذه الأغلبيّة الّتي تسير بالمجتمع نحو أيّة نقطة على سلّم التّكامل والانحطاط الاجتماعي.
المعرفة والدّين الإسلامي
ومن ثمّ أتى على عرض مجموعة من المفاهيم والمصطلحات الأساسيّة المهمّة كالإسلام، المنهج، الثّقافة، المعرفة، والفكر. يتناول الكتاب تفاسير واستنباطات خاصة بعلماء ينتمون إلى الإسلام. ومعرفة الدّين الإسلامي يمكن أن تسعفنا في تحديد الحد الأقصى في سلم الرّقي والانحطاط الاجتماعي. هذا الدّين الّذي حدد هويّته على أساس رسالته إلى البشريّة وموقعيّته بين الأمم، وهي المعبّر عنها " كنتم خير أمّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر". فإذا لم يعد هذا المجتمع حاملًا لهذه الرّسالة، فإنه سيتخبّط في علاقة قلقة مع تراثه، تؤدّي في نهاية المطاف إلى لجّة النّزاعات والتّشتّت.
المسؤوليّة تجاه المعرفة
للعلم منزلة رفيعة في الإسلام، فقد روي عن رسول اللّه (ص) أنّه قال: "العلم نقطة كثرها الجاهلون". ويتطرق الكاتب في هذا الفصل إلى المسؤولية الشّرعية أيضًا تجاه العلم، إلّا أنّ عدم وضوح قضيّة "العلم الواضح"، قد أدّى إلى مشاكل ومصائب في المجتمع الإسلامي. ويؤكد لنا أنّ لو اتّجهت الجهود العلميّة الّتي يقوم بها طلاب العلم والعلماء بالإتجاه الصّحيح؛ لوفّروا على الأمة الإسلاميّة الكثير الكثير من الجهود، وتقدّموا بها نحو الرّقي الحقيقي. ومن أهم وظائف العلماء تنبيه النّاس وتذكيرهم بالقضايا الأساسيّة في الحياة كالمسائل الاعتقاديّة، المعنويّة، والعمليّة. كما أنّ العلم يلعب دورًا رياديًّا في قضيّة المواجهة والدّفاع في الميادين الجهادية كافة.
بين التعليم والعمل النقابي
ومن ثم انتقل الكاتب إلى البحث في قضية التعليم والعمل الثقافي، معتبرًا أنّه لا يمكن الاقتصار على الإطلاق الدّلالي الذي قد يستفاد من جملة من الرّوايات الواردة في فضيلة العلم والتّعليم، فإن نشر العلوم والمعارف يخضع لاعتبارات عديدة، جلها يتعلق بدور العلم في حياة الإنسان والمجتمع وأهدافه الّتي تحدّدها الأهداف والغاية الكبرى للدين. وكما أشار الإمام الصّادق (ع) بوصيّته لعنوان البصري "اطلب العلم واطلب معه العبوديّة"، من هنا، ومهما كانت المعرفة الحاصلة مقدّسة وعظيمة، تبقى الغاية هي عبوديّة اللّه. كما أنّ مقتضى العبوديّة وأداء التّكليف الإلهي الّذي يحرّك المؤمن العالم ضمن الأولويّات الّتي حدّدتها الشريعة، والّتي يمكن التّعرّف إليها من خلال تلمّس روح الدّين وتعاليمه. وينبغي أن تتجه جميع الطاقات نحو إرساء قواعد العدالة الاجتماعية ووحدة المجتمع وقلع الفتن، بما يضمن تحقيق الغايات والأهداف العظيمة للعبادات، وعليه؛ لا تكون الحركة التّعليميّة منفصلة عن الأهداف الكبرى للدين الإلهي المتمثلة بعمارة الأرض وتغييرها لتحقيق الجنة الموعودة.
تغيّر الثّقافة
تتغيّر ثقافة شعب ما وتتبدّل بتغيّر عناصرها، وذلك في عمليّات التّفاعل الدّاخلي والخارجي، الّذي يكون محكومًا بالدّرجة الأولى لطبيعة النّظام العالمي ومقتضياته الجغرافيّة والتّقنيّة والأمنية والاقتصاديّة. فلبنان الذي مثل نقطة استراتيجيّة في النّظام العالمي السّابق؛ كان عرضة لعملية تفاعل أكبر مقارنة بجيرانه في العمق الإسلامي. ونظرًا لتركيبته الدّاخليّة الطّائفيّة والعائليّة، فقد اتّسع نطاق التّغيير في ثقافته بشكلٍ هائل.
وعليه، عندما يكون المجتمع مثقّفاً ويقرأ ستحلّ جميع عقده، و"لكانَت حياتنا أفضل بكثير"، فالعلم هو طريق تسلّح المجتمع بالقوّة من خلال السّيطرة على جميع مجالات الحياة مثل الاقتصاد، والتّجارة، والزّراعة، والتّكنولوجيا، وغيرها. عندها سيغدو بلد ما مكتفيًا بذاته وبأفراد مجتمعه الذينَ يعيشون فيه، وبالتّالي من المهِم أن يكونَ للعلم دورٌ فِي توجيه جميعِ مجالات الحياة ليكونَ المجتمع مبنيًّا على قواعد ثابِتَة ومدروسة، فالمجتمع الذي لا يُبنَى على العلم هو مجتمع آيلٌ للسّقوط.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان