مقالات

الإمام زين العابدين (ع) يخلّد شهادة أبيه في ضمير الأمة

الشيخ علي الكوراني 

 

مضافاً إلى عناصر القوة الذاتية التي أوجبت بقاء ثورة الإمام الحسين «عليه السلام» حيويةً فاعلةً في ضمير أجيال الأمة، فقد كان من اللازم لتخليدها دور الإمام زين العابدين «عليه السلام» ودور السيدة زينب «عليها السلام ». وقد أدى الإمام «عليه السلام» دوره في تخليد كربلاء على أحسن وجه، كصلاته وصيامه، لأنه كان يعيش إمامة أبيه ونهضته «عليه السلام» عبادةً لربه كبقية عباداته! فمن الأساليب التي استعملها الإمام «عليه السلام»:

 

1 - كان كل عمره يعيش حزن كربلاء: (عن الصادق «عليه السلام» أنه قال: إن زين العابدين «عليه السلام» بكى على أبيه أربعين سنة صائماً نهاره وقائماً ليله، فإذا حضر الإفطار وجاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه فيقول كل يا مولاي، فيقول قتل ابن رسول الله جائعاً! قتل ابن رسول الله عطشاناً! فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبتلَّ طعامه من دموعه، ثم يمزج شرابه بدموعه! فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل!

 

وحدَّث مولىً له: أنه برز يوماً إلى الصحراء، قال فتبعته فوجدته قد سجد على حجارة خشنة، فوقفت وأنا أسمع شهيقه وبكاءه، وأحصيت عليه ألف مرة يقول: لا إله إلا الله حقاً حقاً، لا إله إلا تعبداً ورقاً، لا إله إلا الله إيماناً وتصديقاً وصدقاً. ثم رفع رأسه من سجوده وإنَّ لحيته ووجهه قد غُمرا بالماء من دموع عينيه، فقلت: يا سيدي أما آن لحزنك أن ينقضي ولبكائك أن يقل؟ فقال لي: ويحك إن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم كان نبياً ابن نبي، له اثنا عشر ابناً فغيَّبَ الله واحداً منهم، فشابَ رأسه من الحزن واحدَوْدَبَ ظهره من الغمِّ، وذهب بصره من البكاء، وابنه حيٌّ في دار الدنيا. وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين، فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي)! (اللهوف / 115، وينابيع المودة: 3 / 93، والعوالم / 446، ولواعج الأشجان / 242، وبحار الأنوار: 45 / 147).

 

وفي تاريخ دمشق: 41 / 386: (سئل علي بن الحسين عن كثرة بكائه فقال: لا تلوموني فإن يعقوب «عليه السلام» فَقَدَ سبطاً من ولده فبكى حتى ابيضت عيناه من الحزن ولم يعلم أنه مات، وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلاً من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة، فترون حزنهم يذهب من قلبي؟ أبداً)!

 

2 - تبنى الإمام مجالس العزاء على أبيه الحسين «صلى الله عليه وآله»: (ففي المحاسن: 2 / 420، عن عمر بن علي بن الحسين قال: لما قتل الحسين بن علي «عليه السلام» لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح وكن لا يشتكين من حر ولا برد، وكان علي بن الحسين «عليه السلام » يعمل لهن الطعام للمأتم). والوسائل : 3 / 238.

 

3 - وكان يشرح ظلامة أهل البيت «عليهم السلام» كلما رأى مناسبة: فقد رأيت خطبه في الكوفة والشام، وحديثه مع الصحابي سهل بن ساعدة وغيره. وعن المنهال بن عمرو قال: (دخلت على علي بن حسين فقلت: كيف أصبحت أصلحك الله؟ فقال: ما كنت أرى شيخاً من أهل المصر مثلك لا يدري كيف أصبحنا! فأما إذا لم تدر أو تعلم فأنا أخبرك: أصبحنا في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون، إذ كانوا يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم! وأصبح شيخنا وسيدنا يتقرب إلى عدونا بشتمه وبسبه على المنابر! وأصبحت قريش تعدُّ أن لها الفضل على العرب لأن محمداً منها، لا يُعَدُّ لها فضل إلا به وأصبحت العرب مقرة لهم بذلك، وأصحبت العرب تَعُدُّ لها الفضل على العجم لأن محمداً منها، لا يعدُّ لها فضل إلا به، وأصبحت العجم مقرة لهم بذلك! فلئن كانت العرب صدقت أن لها الفضل على العجم، وصدقت أن لها الفضل على العرب لأن محمداً منها، إنَّ لنا أهل البيت الفضل على قريش لأن محمداً منّا، فأصبحوا يأخذون بحقنا ولا يعرفون لنا حقاً! فهكذا أصبحنا إذا لم تعلم كيف أصبحنا)! (تاريخ دمشق : 41 / 396).

 

4 - وكان يشيد بأصحاب الحسين «عليه السلام» لتخليد ذكراهم: ففي أمالي الصدوق / 547: (عن ثابت بن أبي صفية قال: نظر سيد العابدين علي بن الحسين إلى عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب «عليه السلام» فاستعبر ثم قال: ما من يوم أشد على رسول الله «صلى الله عليه وآله» من يوم أحد، قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله «صلى الله عليه وآله»، وبعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب.

 

ثم قال «عليه السلام» : ولا يوم كيوم الحسين! ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهم من هذه الأمة كل يتقرب إلى الله عز وجل بدمه، وهو بالله يذكرهم فلا يتعظون حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً! ثم قال «عليه السلام»: رحم الله العباس فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه، فأبدله الله عز وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب. وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة).

 

وفي كامل الزيارات / 213: (كان علي بن الحسين «عليه السلام» ميل إلى ولد عقيل، فقيل له: ما بالك تميل إلى بني عمك هؤلاء دون آل جعفر؟ فقال: إني أذكر يومهم مع أبي عبد الله الحسين بن علي فأرق لهم).

 

5 - وكان يزور قبر الحسين «عليه السلام» في كربلاء ويدعو إلى زيارته: وقد جعل طريق قافلة الأسرى على كربلاء في عودته من الشام، وزاروا قبر الحسين «عليه السلام» وأقاموا عنده المأتم في زيارة الأربعين.

 

وعندما ترجع إلى كتاب كامل الزيارات، وهو من أقدم الكتب في موضوعه وأوثقها، تجد عدداً من الروايات عن الإمام زين العابدين «عليه السلام» يؤكد فيها «عليه السلام» على زيارة قبر النبي «صلى الله عليه وآله» وأمير المؤمنين «عليه السلام»، ويوجه المسلمين إلى إقامة العزاء على الإمام الحسين «عليه السلام» والبكاء عليه، وزيارة قبره، ويشرح لهم فضل أرض كربلاء والفرات. فعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: (بكى علي بن الحسين على أبيه الحسين بن علي«عليه السلام»  عشرين سنة أو أربعين سنة، وما وضع بين يديه طعاماً إلا بكى على الحسين حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين! قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة لذلك...

 

أشرف مولى لعلي بن الحسين وهو في سقيفة له ساجد يبكي فقال له: يا مولاي يا علي بن الحسين أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فرفع رأسه إليه وقال: ويلك، شكى يعقوب إلى ربه في أقل مما رأيت حتى قال: يا أسفًا على يوسف! إنه فقد ابناً واحداً وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبحون حولي)!

 

وقال الإمام زين العابدين «عليه السلام»: (قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: من زار قبري بعد موتي كان كمن هاجر إليَّ في حياتي، فإن لم تستطيعوا فابعثوا إلي السلام، فإنه يبلغني). وقال (أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي «عليه السلام»  دمعة حتى تسيل على خده، بوأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً).

 

وقال «عليه السلام»: (من أحب أن يصافحه مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي فليزر قبر أبي عبد الله الحسين بن علي في النصف من شعبان، فإن أرواح النبيين «عليهم السلام» يستأذنون الله في زيارته فيؤذن لهم، منهم خمسة أولوا العزم من الرسل، قلنا: من هم، قال: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد «صلى الله عليه وآله». قلنا له: ما معنى أولي العزم، قال: بعثوا إلى شرق الأرض وغربها، جنها وإنسها).

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد