ورّام بن أبي فراس المالكي الأشتري* ..
اِعلم أنّ الجنازة عبرةٌ للبصير وفيها تنبيهٌ وتذكير. وأهلُ الغفلةِ لا تزيدهم مشاهدتها إلّا قساوة؛ لأنّهم يظنّون أنّهم أبداً إلى جنازة غيرهم ينظرون، ولا يحسبون أنّهم لا محالة على الجنائز يُحملون، أو يحسبون ذلك ولكنهم لا يقدّرون أنه عن قريب، ولا يتفكّرون أنّ المحمولين على الجنائز كلّهم هكذا كانوا يحسبون، فبطل حسابُهم وانقرض على القرب زمانهم.
فلا ينبغي أن ينظر عبدٌ إلى الجنازة إلّا ويقدّر نفسه محمولاً عليها عن قريب، فلعلّه يُحمَلُ في غدٍ أو بعد غد. ورُوي أنّ بعضهم كان إذا رأى جنازةً، قال: «امضوا فإنّا على الأثر». وكان آخرُ يقول: «اغْدوا، فإنّا رائحون. موعظةٌ بليغة وغَفلةٌ شنيعة، يذهبُ الأولُ، والآخرُ لا عقلَ له».
وينبغي لمَن شاهد جنازةً أن لا يحدّث نفسه بشيءٍ سوى ما هو مفعولٌ به، وما هو صائرٌ إليه، ونحن لا نرى في أيّامنا جماعة يحضرون الجنائز إلّا وأكثرهم يضحكون ويلهون، ولا يتكلّمون إلّا في ميراث الميت وما خلّف لورثته.. ولا يتفكّر أقرانُه وأقاربُه إلا في الحيلة التي بها يتناول بعضَ ما خلَّفَه، ولا يتفكّر أحدٌ منهم - إلّا مَن شاء الله تعالى - في جنازة نفسه وفي حاله إذا صار إليها.
ولا سبب لهذه الغَفْلة إلّا قسوةُ القلب وكَثرةُ المعاصي والذنوب، حتّى نسينا اللهَ واليومَ الآخر والأهوالَ التي بين أيدينا، فصِرنا نَلهو ونغفل ونشتغل بما لا يعنينا، فنسألُ الله تعالى اليقظة من هذه الغفلة، فإنّ أحسن أحوال الحاضرين على الجنائز بكاؤهم على الميت، ولو عَقلوا لَبكوا على أنفسهم، لا على الميت.
... وعدَّ نفْسَه من أهل القبور
قال رجلٌ: «يا رسول الله، صلّى الله عليك، مَن أزهدُ الناس؟
قال: مَن لمْ ينسَ القبرَ والبِلى، وترَكَ فضلَ زينةِ الدّنيا، وآثَرَ ما يَبقى على ما يَفنى، ولمْ يعدّ غداً من أيّامه، وعدَّ نفسَه من أهل القبور» .
وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «ما رأيتُ منظراً إلّا والقبرُ أفظعُ منه».
وكان جعفر بن محمّدٍ عليهما السّلام ربّما يأتي القبور ليلاً، ويقول: «يا أهلَ القبورِ، ما لي إذا دعوتُكُم لا تُجيبون؟
ثمّ يقول: حِيلَ واللهِ بينَهم وبين الجواب»، ثمّ يستقبل القبلة إلى طلوع الفجر.
وقال أبو ذرّ: «ألَا أخبرُكُم بِيَومِ فقري؟ يوم أُوضَع في قبري».
فالبصير، هو الذي ينظر إلى قبور غيره فيرى مكانه بين أظهُرهم، ويعلم أنّه لاحقٌ بهم لا محالة، وليتحقّق أنّه لو عُرض عليهم يومٌ واحدٌ من أيام عمره الذي هو مضيِّعٌ له، لكان ذلك اليوم أحبّ إليهم من الدنيا بحذافيرها، لأنّهم عرفوا قدْر الأعمال وانكشفت لهم حقائق الأمور؛ فإنّما حسرتهم يومٌ واحدٌ من العمر ليَتدارك المقصِّر فيتخلّص من العقاب، وليَستزيد الموفَّق فيُضاعف له الثواب، فإنّهم إنّما عرفوا قدْر العمر بعد انقطاعه، فحسرتُهم في ساعةٍ من الحياة وأنت قادرٌ على تلك الساعة، ولعلّك تقدر على أمثالها وأنت مضيِّعٌ لها. رُوي أن أحدَ الصّالحين رأى بعض إخوانه الموتى في عالم الرؤيا، فبادره بالقول: «الحمدُ الله، أراكَ عدتَ إلى الحياة». فأجابه: «أنْ أقدر على قولها مرّةً واحدة، أحبُّ إليّ من الدنيا وما فيها».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة شعائر
* (تنبيه الخواطر: 1/291 - 295، بتصرّف بسيط ضرورة التحرير)
الشيخ محمد الريشهري
الدكتور محمد حسين علي الصغير
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد جواد البلاغي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد عبد الأعلى السبزواري
محمود حيدر
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
العقيدة، المعنى والدور
المرتدون في زمن النبي (ص)
طبيعة الفهم الاستشراقي للقرآن (1)
حين تصبح المرأة المثيرة هي القدوة، ما الذي جرى وكيف تُصنع الهوية؟
الحب في اللّه
العرفان الإسلامي
جمعية العطاء تختتم مشروعها (إشارة وتواصل) بعد 9 أسابيع
الرؤية القرآنية عن الحرب في ضوء النظام التكويني (2)
قول الإماميّة بعدم النّقيصة في القرآن
معنى كون اللَّه سميعًا بصيرًا