مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد صنقور
عن الكاتب :
عالم دين بحراني ورئيس مركز الهدى للدراسات الإسلامية

الآثار المعنوية للصوم (1)

 

الشيخ محمد صنقور
ما هو المراد من الآثار المعنوية للصوم؟
الآثار هي عبارة عن المعطيات التي تتصل بالروح والعقل والنفس، فكل ما يؤثر في تسامي الروح، وكلُّ ما يسهم في تصفية العقل، وفي تزكية النفس، فهو أثر معنويّ. وذلك في مقابل الآثار الماديَّة للصوم، كالآثار الصِّحية، والآثار السلوكية المرتبطة بنظام المجتمع، أو المرتبطة بالسلوك الشخصيّ، إذ من الواضح أنَّ أثر الصوم لا ينحصر في الآثار المعنوية، بل يتَّسع ليشمل آثاراً صحية، وآثاراً اجتماعية، وآثاراً تتصل بالسلوك الشخصي.
هذا هو المراد من الأثر المعنوي، أو الآثار المعنوية للصوم، والتي قلنا أنها الآثار المرتبطة بالروح والعقل والنفس.


الفرق بين الآثار المعنوية، والآداب المعنوية للصوم: 
أ-الآداب وسيلة للحصول على الآثار
المراد من الآداب المعنوية للصوم هو الأعمال التي جعلها الشارع وسائلَ لتحصيل الآثار المعنوية، فهي معبَرٌ وطريق لتحصيل الآثار، هي آداب يلتزمها المكلف مُتلقَّاةٌ من قِبَل الشَّارع، لا مبتكرة، وإنما هي مُتلقَّاةٌ من قِبَل الشارع المقدس، هذه الأعمال وهذه الآداب يُنتج التزامها الآثار المعنوية والتي هي مصب حديثنا إن شاء الله.
فالآثار المعنوية هي الحكمة، كما ورد في الروايات الشريفة أن: (يا ربِّ وما ميراث الصوم؟ قال: الصوم يُورث الحكمة والحكمة تُورث المعرفة، والمعرفة تُورث اليقين، فإذا استيقن العبد لا يبالي كيف أصبح، بعسرٍ أم بيسر…)(۱)، ومن الآثار المعنوية التقوى، كما تشير إليها الآية المباركة: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾(۲)، ومن آثار الصوم المعنوية سكون القلب، كما ورد في الروايات الشريفة: (أن من ثمرات الصوم سكون القلب)، وكذلك من آثار الصوم المعنوية تثبيت الإخلاص، هذه هي أهم، أو أبرز الآثار المعنويَّة للصوم.
أما الآداب المعنوية للصوم فهي تختلف -كما قلنا-، إذ أنَّ الآداب وسائل لتحصيل الآثار. الآداب المعنوية، مثل: الاستغفار، تلاوة القرآن، الدعاء والمناجاة، التدبُّر، محاسبة النفس، مراقبتها، الصَّدقة على الفقراء والمساكين. هذه آدابٌ إذا التزمها المكلف حاز على الآثار المعنوية.
عملية الإمساك والصوم لله -جلَّ وعلا- هي إحدى الآداب، أي أنها إحدى الأعمال التي جُعلت كوسيلة من قِبَل الشارع المقدس لتحصيل الآثار المعنوية. وبهذا البيان يتَّضح الفرق بين الآداب المعنوية والآثار المعنوية للصوم.
ب-الآداب اختياريَّة، أما الآثار فغير اختياريَّة
واتضح أيضا مما بيناه أنَّ الآداب المعنوية للصوم أعمال اختيارية يقوم بها المكلف بمحض اختياره وليس للشارع فيها إلَّا دور البيان، الشارع وظيفته بيان الآداب والمكلف بالخيار بين أن يلتزم بهذه الآداب، أو لا يلتزم، أو يلتزم ببعضها ويترك البعض الآخر.
وبمقدار ما يلتزم به من آداب، بمقدار ما يتحصَّل عليه من آثار، فالآداب المعنوية أفعال اختيارية يفعلها المكلَّف أو لا يفعلها، إذ أنَّ الاختيار -كما ذكر العلماء- هو أنَّ لك أن تفعل، ولك أن لاتفعل، والاستغفار لك أن تفعله، ولك أن لا تفعله، وكذلك التدبُّر، وكذلك الصَّدقة، وكذلك تلاوة كتاب الله تعالى، والمناجاة، والدعاء، وقيام الليل، وما إلى ذلك من أفعال، فهي أفعال اختيارية كشف عنها الشَّارع، وبيَّنها، وشرَّعها واعتبرها على عُهدَة المكلَّف، أما العهدة الإلزامية -لكن الإلزام الذي لا يتنافى مع الاختيار-، أو بنحو التحبيب والحثّ الذي لا يبلغ حدَّ الإلزام.
أما الآثار المعنوية فليست اختيارية، بل هي مكافئات إلهية، ومعطيات تنشأ عن الالتزام بهذه الآثار، هي وعدٌ إلهيّ مفاده: إنْ التزم المكلَّف بهذه الآداب كافئتُه بهذه الآثار. فإذا صام المكلف الصوم الخاص الذي نريده منه عندئذٍ أكافأه بأن أجعل في قلبه الحكمة، بأن أرزقه سكون القلب وهدوء الفؤاد، بأن أهبه التقوى والإخلاص وأقرِّبه. هذه كلها أمورٌ ليس للمكلف أن يتحصَّلها، هي منحٌ ومكافئات من الله -جلَّ وعلا- للمكلَّف، إلَّا أنَّ هذه المكافئات ليست مكافئات مجَّانية، هي مكافئات يتحصَّل عليها بواسطة الالتزام بهذه الآداب، فالآداب هي طريق تحصيل هذه الآثار، فمن أراد أن يتحصَّل على أثر الصوم-وهو الحكمة، وسكون القلب، والتقوى- فليلتزم بالآداب المعنوية.
هذا ما اردنا إثارته كمقدَّمة للبحث. وهناك نقطة نريد الإشارة إليها قبل بيان ماهي العلاقة بين هذه الآثار وبين الصوم، وهي:

 

أهمية التعرف على الآثار المعنوية للصوم:
التعرُّف على هذه الآثار هو الطريق لتحصيلها، من الصعب التوصُّل إلى هذه الآثار لمن يجهلها، لماذا؟ قلنا إنَّ هذه الآثار ليست مكافئات مجَّانية، وإنما هي مكافئات يُتحصَّل عليها بواسطة الالتزام بالآداب، والالتزام بالآداب لا يتَّفق للمكلَّف التزامه إن لم يعرف ما هي المعطيات والمردودات التي تترتَّب عن هذه الآداب، وبتعبير أدقَّ: كلُّ إنسان عندما يريد الإقدام على الفعل لابدَّ أن يتصوَّره أولاً، فإذا تصوَّره، وأدرك فائدته في المرحلة الثانية، ثمَّ حصل عنده الإذعان والتصديق بهذه الفائدة، انعقد عندئذ العزم لديه على تحصيل هذه الفائدة، وانعقاد العزم على هذه الفائدة هو الذي يجعله يلتزم بهذه الآداب، وبتعبير أدق بالوسائل والطرق التي تبلغ به هذا الشيئ الذي أدرك فائدته، وأدرك مردوداته.
إذن لابدَّ أن نعرف هذه الآثار، وليست معرفةً تصوُّريةً -كما قلنا- إنَّ تصوّر الفعل وحده غير كافٍ في عقد العزم على تحصيله، لاينعقد العزم على تحصيل الشيئ بمجرد تصوره، التصورات التي تنقدح في الأذهان كثيرةٌ جدًّا وأمَّا ما يُقدِم عليه المُكلَّف من أفعال فهي أقلُّ بكثيرٍ من التصوُّرات التي تنقدح في ذهنه، فإذن يختار الإنسان من تصوّراته مجموعةً من التصوّرات، لماذا يختارها؟ لأنه يُدرك فائدتها، ويُذعن بترتُّب فوائد ومردوداتٍ على تطبيقها فتنقدح الرَّغبة في النَّفس لتحصيلها، وعندها ينعقد العزم.
إذن لابدَّ من معرفة هذه الآثار حتى يحصل التصديق بفائدتها، وإذا حصل التصديق بفائدتها حصلت الرَّغبة في تحصيلها، وإذا حصلت الرَّغبة انعقد العزم على تحصيلها، وإذا انعقد العزم بحَثَ الإنسانُ عن الوسائل المُحصِّلة لهذه الآثار، من هنا تكمن أهمية استيعاب هذه الآثار -وليس تصورها، لابد من استيعابها- واستيعاب ما يترتَّب عليها من فوائد ومردودات، هذه مسألة أحببنا إثارتها، لأهميتها في دخول هذا البحث الذي سوف ندخل فيه الآن ان شاء الله.
ــــــــــــــــ
۱- بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ۷۴ ص ۲۷٫
۲ – سورة البقرة آية رقم ۱۸۳٫

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد