مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطبطبائي
عن الكاتب :
مفسر للقرآن،علامة، فيلسوف عارف، مفكر عظيم

الإسلام والأديان الأخرى

لقد بعث اللّه (سبحانه) الرسول الأكرم (صلّى اللّه عليه وآله) الشخصية السماوية الفذّة.... كي يكون قائدًا للبشرية ومرشدًا للعالمين. بعثه (سبحانه) بالقرآن كلام اللّه الأحد، الجامع لكليات التعاليم العلمية والعملية والمعجزة الباقية إلى الأبد، كي يكون برنامجًا لحياة مئات الملايين من المسلمين ودليلًا للبشرية جمعاء.

 

لقد أضحت البعثة ونزول القرآن (الإسلام) عاملين من أهم عوامل التحوّل والتكامل في حياة البشر، بل كانا العنصر الأهم الذي ترك آثارًا عميقة على كافة أرجاء المجتمع البشري بما أفضيا إليه من تحولات طوال أربعة عشر قرنًا على مستوى عقيدة وسلوك الملايين من بني الإنسان.

 

صحيح أنّ الإسلام أقلّ عمرًا مما سواه، حيث مرّ على عمر الوثنية البرهمية وهي تعيش في الوسط البشري، ما يقارب الثلاثين قرنًا أو أكث ، وعلى البوذية ما يقارب الخمسة وعشرين قرنًا أو أكثر، فيما ناهزت المسيحية العشرين قرنًا من عمرها؛ وصحيح أنّ اتباع هذه الاتجاهات والمذاهب أكبر عددًا من المسلمين، بيد أنّ الصحيح أيضًا أن مراجعة الكتاب المقدّس للبرهمية (كتاب ألفيدا) وسائر المتون الأخرى لهذا الاتجاه تكشف بوضوح أنّ كلّ أو معظم التعاليم الدينية لهذا المذهب هي تعاليم سلبية غير إيجابية، في نفس الوقت الذي تقتصر فيه على عدد قليل من أتباع هذا الاتجاه. أما الأكثرية فقد ظلّت بعيدة عن المعطيات المعنوية للمذهب ومحرومة من الاستفادة من كتابه المقدّس، حتى أضحى المجتمع البرهمي مجتمعًا غير فاعل خارج دائرته، يفتقر إلى خاصية الفعل والتأثّر بالآخرين.

 

أما البوذية فهي لا تقل شيئًا في طابعها السلبي عن البرهمية، وكذلك المسيحية التي ظلّت تفتقر - كما يتبيّن من الأناجيل الأربعة وغيرها من النصوص الدينية الأصلية - إلى نظام تشريعي عملي وقوانين اجتماعية، فضلًا عما تضمره من سوء ظن للفلسفة العقلانية بشكل عام.

 

إنّ قصة فداء السيد المسيح وغفران ذنوب جميع البشر، أو المسيحيين على الأقل لا تنسجم مطلقًا مع الروح الإيجابية التي تنطوي عليها التعاليم الدينية.

 

وبالنسبة للمذاهب والاتجاهات الدينية الأخر ، كالصابئة والمنوية فهي إمّا أنهّا فقدت لياقتها وأهليتها بشكل كلّي أو أنها تحولت - كاليهودية - إلى دين أقلية خاصّة، وعجزت بالتالي عن استقطاب الأكثرية وجذبها.

 

وهكذا تبقى الساحة البشرية مفتوحة على الإسلام وحد ، الدين الذي لاقى قبول واحترام الملايين من البشر لما تتسم به عقائده من طابع برهاني استدلالي ولما يحمله من قوانين وتشريع إيجابي يعمّ المجالين الفردي والاجتماعي.

 

كان للإسلام الدوام ولا يزال الملايين من الذين يحتذون في كل مناشط حياتهم تعاليمه الإيجابية ويطبقون أحكامه.

 

ومن الواضح أنّ الأسلوب المنظّم الإيجابي الذي ينطوي عليه سلوك إنسان واحد يمكن أن يكون مؤثرًا على آلاف البشر الآخرين سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فكيف إذا ارتبطت الحالة بمجتمع (إسلامي) وسيع! من هنا نتفهم عدم غفلة الاتجاهات الأخرى المعادية وسعيها الدائب (كما تعترف بنفسها) في الكيد لإطفاء شعلة النور التي يأبى اللّه لها الانطفاء «1». يقول تعالى (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) «2».

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يعلل هندريك وليام وان في كتابه «قصة البشر» أسباب تقدم الإسلام وغلبة المسلمين للمسيحيين في الحروب الصليبية وغيرها، بقوله: «جاء عن نبي الإسلام أنّ من يقتل وهو يجاهد الكفار فسيذهب إلى الجنة مباشرة. لذلك رأينا مجاهدي الإسلام يضحون برجولة بأنفسهم في ميادين القتال وهم يفضلون القتل على العيش في هذه الدنيا الفانية وعلى حياة تحفّها المتاعب والآلام. من هذه الزاوية بالذات نستطيع تفسير غلبة المسلمين للمسيحيين في الحروب الصليبية، فأتباع الدين العيسوي يخشون عالـمًا مجهولًا يلاقيهم هو عالم ما بعد المو ، ويظهرون تعلقًا بالدنيا وارتباطًا بملذاتها أنسًا بنعم هذه الدنيا الزائلة.

وفي الواقع هذا ما يفسّر لنا أيضًا - وفي الوقت الحاضر بالذات - إقدام الجنود المسلمين على مواجهة مدافع الأجانب بأجسامهم دون أن يعبئوا بشيء، الأمر الذي يجعل المسلمين أعداء خطرين جدًّا» المصدر، الترجمة الفارسية، ص: 138 - 139، ترجمة جمال زاده.

(2) الصف: 8

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد