مقالات

كتاب الدّين والضّمير، تهافت وردّ

الشيخ محمد جواد مغنية 

 

تسيطر على عقول أبنائنا فكرة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وهي أن الدين صلاح الضمير وكفى، أي لا تسرق، لا تكذب، لا تعتدِ على أحد، أما الصوم والصلاة، أما تمجيد الحق والخضوع للّه فمراسم وأشكال لا داعي إليها!

 

وقد وضع محمود الشرقاوي كتابًا أسماه «الدين والضمير» لهذه «*» الغاية، ننقل منه بعض الفقرات ليتبين للقراء أنه لا هدف لأرباب هذه الدعوة إلا انتشار الفوضى والفساد، والقضاء على الدين والأخلاق.

 

قال في ص 76: «هذه الآية الكريمة» «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» تقرر أن اللّه يحب الذي يتكرر منه الذنب والخطيئة ثم تتكرر منه التوبة». وقال في ص 77: «ثم نجد ذلك الحديث الذي يحتوي دلالة ليس بعدها دلالة، وهو حديث قدسي يتلخص في أن عبدًا أذنب فاستغفر اللّه، فغفر له، ثم عاد، فاستغفر، فغفر اللّه له: تكرر ذلك منه مرة بعد مرة. فقال اللّه له: اعمل ما شئت فقد غفرت لك».

 

وقال أيضًا في ص 100: «جاء في الحديث أن من مات على التوحيد لم يشرك باللّه غيره دخل الجنة، وإن زنى وسرق». وقال في ص 104: «روى أبو هريرة عن رسول اللّه أنه قال: والذي نفس محمد بيده لو لم تذنبوا لذهب اللّه بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون اللّه فيغفر لهم... ولعلنا نوشك أن نقول: إن هذا الحديث لا يهون الذنوب فقط، بل كأنه يحض ويحرض، وهو واضح في جعل الخطيئة والتوبة من مبررات الحياة الإنسانية، ومن أسباب إبقاء اللّه عليها».

 

ثم تتلاحق أقوال المؤلف في هذا الباب حتى ينتهي إلى ص 118 فيقول ما نصه بالحرف الواحد: «ونحن عندما نجعل المقاييس هذه أساسًا لفهم العقيدة وتقدير الخلق، نقتحم ميدانًا جديدًا من ميادين الإدراك السليم لتاريخنا العربي والإسلامي، ونضع قواعد قد تكون صارمة قاسية، ولكنها صحيحة، مستنيرة، واعية مجردة من التأثير والعواطف والانقياد، وهي في نفس الوقت مفيدة إلى أبعد غاية في تربية نفوسنا، كما هي مفيدة إلى أبعد غاية أيضًا في فهم تاريخنا فهمًا سليمًا».

 

ولا نريد أن نطيل الكلام مع صاحب هذا القول، بل نوجه إليه الأسئلة التالية:

 

أولًا - إنك دعوت إلى تقويم الأخلاق والعمل الصالح، وقلت: إنه الغاية الأولى والأخيرة من وجود الأديان. فهل الزنى والسرقة، وتكرار الذنب والخطيئة من الأخلاق الكريمة والأعمال الصالحات؟! ثم إذا اتخذنا من حب اللّه للجريمة وتكرارها، وتحريضه على دوامها والإبقاء عليها أساسًا لفهم العقيدة وتقدير الأخلاق، فهل تكون عقيدتنا، والحال هذه، صحيحة مستنيرة، واعية مجردة، وتكون أخلاقنا قوية كريمة؟ وتاريخنا العربي والإسلامي سليمًا مفيدًا إلى أبعد الغايات؟!

 

ثانيًا - إذا كانت الغاية من التوبة هي تكرار الذنوب ودوامها والإبقاء عليها، لأنها من مبررات الحياة الإنسانية، فلماذا لم يأمر اللّه بها، ويحرض عليها بدون التوبة ما دامت الجريمة محبوبة ومطلوبة بذاتها عند اللّه؟! لماذا التوبة والضحك على الذقون؟! والحقيقة أن اللّه سبحانه قد قبل من التائب بقلب طاهر نقي، كي لا يقنط، فيستزيد من الذنب، ويقول أنا الغريق فلا أخشى من البلل. فالغاية إذن من التوبة استصلاح الفاسد لا المزيد من الفساد، والحد من الذنب لا تكراره والإبقاء عليه.

 

ثالثًا - لماذا أخذت أيها المؤلف بالحديث الذي أباح الزنى والسرقة، وتجاهلت قول اللّه سبحانه: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ، إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ»؟ كيف تشبثت بهذا الحديث الضعيف الذي لا نشك بأن واضعه من كبار الزناة واللصوص، وأعرضت عن قول اللّه تعالى، مع أن المذاهب الإسلامية بكاملها لا تقبل حديثًا يخالف صريح القرآن «1»؟!

 

أما حديث أبي هريرة، من أن الناس إذا لم يقطعوا ما أمر اللّه به أن يوصل، ويفسدوا في الأرض يستبدل قومًا غيرهم يسفكون الدماء ويزنون ويسرقون، أما هذا الحديث فإنه يعطي مهمة الشيطان للأنبياء، ومهمة الأنبياء للشيطان، فيحمل هو راية الهدى والحق ويبسط العدل، ويقيم الحدود، أما الأنبياء فيفرقون بين المرء وزوجه ويلقون بين الناس العداوة والبغضاء، ويصدونهم عن ذكر اللّه وعن الصلاة.

 

هذا هو كتاب الشرقاوي «الدين والضمير». وهذي هي طهارة النفس وتزكية الضمير عنده، وبهذا المنطق يحاول إقناعنا بأن الصلاة والصيام وهم، وإذا دل هذا التهافت والتناقض على شيء فإنما يدل على واحد من اثنين لا ثالث لهما: إما أنه ليس للمؤلف هدف معين، ولا خطة مرسومة، وإما أن تكون غايته هدم الدين والأخلاق وانتشار الفساد والفوضى، ولكنه لم يجرؤ على إعلانها والجهر بها، فتستر باسم تربية الضمير، وعمل على الهدم في الخفاء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) اقتطفنا هذه الفقرات مما كتبناه حول كتاب (الدين والضمير) لأن المقام لا يتسع لأكثر منها

(1). من أغرب ما قرأت أن مستشرقًا يدعى «لامانس» يرى أن كل ما يوافق القرآن فهو دس وافتراء على الرسول!.. مع أن المسلمين كافة يعكسون القول ويرون الحديث شارحًا ومفسرًا للقرآن الكريم.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد