عنوان الخطبة: الولاية العلوية
الخطيب: الشيخ عبد الله النمر
المكان: مسجد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) – حي الدانة، سيهات
التاريخ: يوم الجمعة 21 مارس 2025م (الموافق 20 رمضان 1446 ه)
مضمون الخطبة باختصار:
تناولت هذه الخطبة مقام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من منظور قرآني ونبوي، مبيّنةً أبعاد الولاية التكوينية له، وموقعه في قسمة الجنة والنار، واستعرضت بعض الروايات الواردة في فضله عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام). كما سلطت الضوء على العلاقة بين الولاية والخلافة، ودور الإمام علي (عليه السلام) كمظهر للصفات الإلهية في الأرض، موضحة أثر إقصائه عن موقع القيادة على مسيرة البشرية وانحرافها عن النور الإلهي.
أعوذُ باللهِ السميعِ العليِّ العظيمِ من الشيطانِ الغويِّ الرجيم. بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم. الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنا وحبيبِ قلوبِنا أبي القاسم محمد، وعلى آلِ بيتهِ الطيبينَ الطاهرينَ المعصومينَ الميامين.
اللهم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمد، كما صلّيتَ وباركتَ على إبراهيم وآلِ إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد. اللهم ارحم محمدًا وآل محمد، كما رحمتَ إبراهيم وآلَ إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد. اللهم سلِّم على محمدٍ وآل محمد، كما سلَّمتَ على نوحٍ في العالمين. اللهم امنن على محمدٍ وآل محمد، كما مننتَ على موسى وهارون. اللهم صلِّ على محمدٍ وآل محمد، كما شرَّفتنا به، وكما هديتنا به، وابعثه مقامًا محمودًا يغبطه به الأولون والآخرون. السلامُ على محمدٍ وآله، كلما طلعتْ شمسٌ وغربت، وكلما طرفتْ عينٌ وبرقت، وكلما ذُكر السلام، وكلما سبَّح اللهَ ملكٌ أو قَدَّس.
السلامُ على محمدٍ وآله في الأولين، والسلامُ على محمدٍ وآله في الآخرين، والسلامُ على محمدٍ وآله في الدنيا والآخرة. اللهم صلِّ على محمدٍ وآل محمد، وصلِّ على عليٍّ أميرِ المؤمنين. السلامُ على اسمِه الرضيِّ ووجهِه العليِّ وصراطِه السويِّ، السلامُ على المهذَّبِ الصفي، السلامُ على أبي الحسنِ عليِّ بنِ أبي طالب، ورحمةُ اللهِ وبركاته. السلامُ على خالصِ الأخلاءِ، السلامُ على المخصوصِ بسيّدةِ النساء، السلامُ على المولودِ في الكعبة، المُزوَّجِ في السماء، السلامُ على أسدِ اللهِ في الوغى، السلامُ على من شُرِّفتْ به مكةُ ومنى، السلامُ على صاحبِ الحوضِ وحاملِ اللواء، السلامُ على خامسِ أهلِ الكساء.
اللهم صلِّ وسلِّم على محمدٍ وآل محمدٍ المرضيين بأفضلِ صلواتك، وبارك عليهم بأفضلِ بركاتك، والسلام عليه وعليهم، وعلى أرواحهم وأجسادهم، ورحمةُ اللهِ وبركاته.
السلامُ عليكم أيها المؤمنون جميعًا ورحمةُ اللهِ وبركاته.
قال عزَّ من قال في محكمِ كتابه الكريم:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾
﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾
[المائدة: 54 – 55]
الوقوف بين قمّةٍ كهذه القمّة العلويّة من الصعوبة والمتعة واللذّة بمكان، فبين مَن يتأمّل في هذا التلألؤ الإلهيّ العظيم، فيتلمّس بعض هذه الأنوار، وبين مَن يدرس السلوك الذي جرى على يديه في هذه الأرض ليبحث عن سرِّ هذا الموجود، هذا المخلوق الذي جاء كمليارات الموجودات من البشر وترك هذا الأثر العظيم، مما يُحوجنا إلى لمساتٍ بمقدار ما تستطيع به القدرة البشريّة أن تستوعب من هذه الأنوار الإلهيّة، لأنه كما رُوي عنهم (عليهم السلام): «لا يعرفك إلّا الله وأنا». ونتلمّس بعض جوانب هذه الشخصيّة، شخصيّة علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام).
نلاحظ أنّ هذه المسألة تحتاج إلى تدقيق. فأولًا، ننظر في مقامه السامي: كيف نُدرك مقام هذا الإنسان؟ مرّةً نبحث عمّا جرى على يديه، وما خطّه (عليه أفضل الصلاة والسلام) في حياتِه ومسلكه، في كلِّ الآفاق، وفي كلِّ الأبعاد، فنجد أنّ المفكّرين الذين تأمّلوا في هذه الشخصيّة بُهِروا بها وأُعجِبوا بها. فهناك من كتب تحت عنوان "صوت العدالة الإنسانيّة"، وهناك من أبرز فيه نور الولاية الإلهيّة، وهناك من تأمّل في رمزيّة الشجاعة، وهناك من رأى فيه نبراس القيادة والعدالة والحكم.
فإذًا، هناك آفاق كثيرة، ولن يسع المقامُ الحديث عنها جميعًا، لأن هناك مجلّدات وكُتبًا كُتبت في حقّ أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام) لإبراز هذه الآفاق من مقامه (عليه السلام). ولكننا لا نُعوِّل فقط على هذا السبيل وهذا الطريق في البحث عن شخصيّة أمير المؤمنين، وإنما ننتقل إلى طريقٍ آخر، وهو ما ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حقّ أمير المؤمنين، وهذا أيضًا مجالٌ واسعٌ وطويلٌ وعريض. وكما تعلمون، فإنّ العلماء كتبوا وسجّلوا تحت عنوان "فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)" الكثير من الكتب، واستوعبوا بعض ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
حتى إنّ بعضهم كان يقول في وصف كلامه عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "ماذا أقول في رجلٍ أخفى أعداؤه فضائلَه حسدًا، وأخفى محبّوه فضائلَه خوفًا، ومع ذلك ظهر من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين".
فكيف نَجمع في هذه اللحظات المختصرة ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ ومع ذلك، نُشير إشاراتٍ سريعة وفهرسة لبعض ما ورد عنه (صلى الله عليه وآله) من روايات في مقامه (عليه أفضل الصلاة والسلام). فهناك روايات كثيرة في هذا المجال، نعم، روايات تُشير إلى مقامه (عليه السلام) إشاراتٍ سريعة، ونقف عند بعض الروايات بشكلٍ خاص:
فمن الروايات التي لعلها طرقت أسماعكم وسمعتم بها فيما يرتبط بهذا المعنى:
رواية: "أنتَ منّي بمنزلة هارون من موسى".
رواية: "لأُعطينّ الراية غدًا رجلًا يحبّ اللهَ ورسولَه، ويحبّه اللهُ ورسولُه".
رواية: "الطير، أنّه سيدخل عليكم رجلٌ من أهل الجنّة يأكل معي هذه الطير".
وروايات لا نستطيع إحصاءها في هذه العُجالة، وكلّها تكشف عن مقامه (عليه أفضل الصلاة والسلام). ولكن ما يمكن أن يُبرز عمق هذه المقامات – أو لنقل: باطن هذه المقامات –، هو ما يجب أن نتلمّسه في هذه الرواية: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعليّ (عليه السلام): "إن فيك شبهًا من عيسى بن مريم. ولولا أن تقول فيك طائفةٌ من أُمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلتُ فيك قولًا لا تمرّ بملأ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون به البركة".
علينا اليوم أن نلتمس البركة من بعض آثاره (عليه أفضل الصلاة والسلام). وهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: "لا أقول هذا القول الذي يجعل من الناس يُؤلِّهونك ويتبرّكون بتراب أقدامك، ولكن لو قلت، لقلت فيك قولًا..."
الرواية تقول إنّ هناك من لم يُعجبه هذا الكلام، وإنّ عُيون قريش قالت: "ما رضي أن يضرب لابن عمّه مثلًا إلّا بعيسى بن مريم!"
ثمّ هناك روايةٌ أخرى عن الإمام الرضا (عليه أفضل الصلاة والسلام)، ولعلّنا وقفنا عليها في مرّاتٍ سابقة، ولكنّها تُبرز أيضًا هذا الأفق في عمق أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهي عن الإمام الرضا (عليه السلام) عندما سأله المأمون يومًا، فقال له: "يا أبا الحسن، أخبرني عن جدّك أمير المؤمنين، بأيّ وجهٍ هو قسيمُ الجنّة والنار؟"
أصل أنّ أمير المؤمنين هو قسيم الجنّة والنار هذا متّسالمٌ عليه عند العامّة والخاصّة، والمحبّ والمبغض.
ولكن هذا الحاكم يسأل: ماذا تعني أنه قسيمُ الجنّة والنار؟
فقال له الإمام الرضا (عليه السلام): "يا أمير المؤمنين، أَلَم تروِ..."
لاحظوا هذا السلوك من الإمام الرضا (عليه السلام)، فهو يُدلِّل المأمون بعض الشيء، فيقول له:
أولًا: "يا أمير المؤمنين"، وثانيًا: "أنت رويتَ"، وثالثًا: "عن أبيك، عن آبائه، عن عبد الله بن عباس..."
أخذه إلى سلسلة عباسية مألوفة.
ماذا رووا؟ قال: "سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: حبُّ عليٍّ إيمان، وبُغضه كفر".
فقال المأمون: "بلى، أنا أروي هكذا رواية".
فقال الرضا (عليه السلام): "فقسمةُ الجنّة والنار، إذا كانت على حبّه وبُغضه، فهو قسيمُ الجنّة والنار".
أي: هذا هو معنى أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قسيم الجنة والنار، أنه علامة فارقة، من أحبّه فهو من أهل الجنّة، ومن أبغضه فهو من أهل النار.
فقال المأمون: "لا أبقاني اللهُ بعدك يا أبا الحسن، أشهدُ أنك ورثتَ علمَ رسول الله".
ارتضى المأمون هذا الجواب، وشعر أنه كافٍ ووافٍ.
قال أبو الصلت – راوي هذه الرواية –: "لمّا صُرِفَ الرضا (عليه السلام) إلى منزله، أتيتُه، يعني اختليتُ به، فقلتُ له: يا ابن رسول الله، ما أحسنَ ما أجبتَ به أمير المؤمنين!"
فقال له الإمام الرضا (عليه السلام): "يا أبا الصلت، إنما كلمتُه حيثُ هو".
يعني: أجبتُه بما يُناسب مقامه العقليّ ومزاجه السياسيّ والدينيّ. الكلام صحيح، ولكنه السقف الأول من المعنى، هو الظاهر الأول من المعنى، وهو مصيب، ولكنّه ليس عمق المعنى.
ما هو عمق المعنى؟
قال له الإمام الرضا (عليه السلام): "يا أبا الصلت، إنما كلمته حيثُ هو، ولقد سمعتُ أبي يحدّث عن آبائه، عن عليّ (عليه السلام)، أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي، أنت قسيم الجنّة والنار يوم القيامة، تقول للنار: هذا لي، وهذا لكِ".
تقول للنار: هذا لي، أي: دعيه، لا تَمسّيه، وهذا لكِ، أي: خذيه. هو يقرّر، هو يُقسّم، هو يتولّى التقسيم. هو ليس مجرّد إشارة، بل هو فاعل، مؤثّر، مُقرِّر.
والملائكة؟ الملائكة خَدَمٌ مُطيعون.
يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب: "فإنّ الملائكة قدّامُنا، يا علي، الذين يحملون العرش، ومن حوله، يُسبّحون بحمد ربّهم، ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا".
إذًا، مقامهم مقام الولاية، وهذا ما نُريد أن نفهمه: ماذا يعني أن: "من كنتُ مولاه، فهذا عليٌّ مولاه؟"
الولايةُ التكوينية والخلافةُ الإلهية لعليٍّ (عليه السلام)
الولايةُ هي مرتبةٌ من مراتبِ الحركةِ التكوينيّة، ونحن كلُّنا نعلم أنَّ اللهَ جلَّ وعلا خلقَ هذا الكون، وجعل محمّدًا (صلى الله عليه وآله) خليفتَه، جعلَه خليفةً له.
هذا الاستخلاف هو سرُّ الوجود، هو سرُّ الكون، هو سرُّ الخليقة كلِّها، أنَّ الرسول (صلى الله عليه وآله) هو خليفةُ اللهِ في أرضه.
من حيثُ التجسيد، هو الذي استطاع (صلى الله عليه وآله) أن يُجسِّد الصفات الإلهيّة كما لم تُجسّد في هذا الكون قط.
هذا التجسيدُ هو غرضُ الاستخلاف، أن يُظهرَ اللهُ كمالَهُ وجمالَهُ وجلالَهُ من خلال هذا الموجود المحمديّ الخالص.
وهذا الاستخلافُ يحتاجُ إلى ولاية، فهناك خلافة، وهناك ولاية. الولاية لعليِّ بن أبي طالب، وهذا ما نصَّ عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما قال: "شاركني عليٌّ في ثلاث، ولم أشاركه في ثلاث".
وهذا من باب تبيين مشاركاتٍ عظيمة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذه الرواية: "أُعطيتُ ثلاثًا، وعليٌّ مشاركٌ فيها، وأُعطيَ عليٌّ ثلاثًا، ولم أُشاركه فيها".
فقيل له: يا رسول الله، وما هذه الثلاث التي شاركك فيها عليٌّ؟
لاحظوا إخوتي، المشاركة الآن في هذه الدنيا قد تخفى، بمعنى أننا نقول إنّ عليًّا وليُّ الله، ولكن لا نستبصر معنى الولاية العلويّة.
الولاية العلوية تعني أنَّ له حقّ الطاعة، وأنَّ له حقَّ التشريع، وأنَّ له حقَّ القيادة، وأنَّه هو الذي يأخذ بأيدينا إلى سبيل الحقّ والفضيلة، وأنَّه هو سبيل الصلاح.
ولكن، قد يُنازَع في هذا كما نُوزِع فيه، وقد تُوضَع العقبات أمامه، وقد وُضِعتْ بالفعل.
كما أن الرسالة المحمديّة نعتقد أنها من الله، وأنّ النبوّة حقيقة غيبية سماوية، وليست أمرًا ماديًّا ملموسًا، نؤمن أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يتلقّى من الله المعارف والتوجيهات، كذلك عليٌّ (عليه السلام) في ولايته: له علاقة سماوية، غيبيّة، تكوينيّة.
في الدنيا قد تخفى علينا، لكن في الآخرة سوف تظهر الحقائق بتمامها.
قالوا: يا رسول الله، وما هذه الثلاث التي شاركك فيها عليٌّ؟
قال (صلى الله عليه وآله): "لي لواءُ الحمد، وعليٌّ حامله، والكوثرُ لي، وعليٌّ ساقيه، وليَ الجنّةُ والنار، وعليٌّ قسيمُهما".
لاحظوا: لواءُ الحمد والكوثر هما نعمٌ إلهيّةٌ جاريةٌ على البشريّةِ كلّها، وهي بيدِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، ولكن التفعيل والتمكين بيدِ عليّ بن أبي طالب، يُعطي ويمنع بلا حساب، عليٌّ هو المنفّذ، القائمُ على الأمر.
فالمعنى الذي ذكرناه من أن رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) هو الآمر، وعليًّا هو المنفّذ، هو عينُ الولايةِ التكوينيّة.
فنحن عندما نشهد أن عليًّا وليُّ الله، نؤمن ونعتقد أنَّ هذا الشخص قد بلغ من الكمال، بحيث أصبح متّصلًا بالسماء، وأنَّ له في هذه الدنيا آثارًا، وأنَّ له الولاية في هذه المرحلة الوجوديّة.
وإن لم نؤمن بذلك، فسوف نراه، وسوف نحسّه يومَ القيامة، من خلال هذه التدابير التي تجري على يدِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وعلى يدِ أميرِ المؤمنين.
وأما الثلاث التي أُعطيها أميرُ المؤمنين (عليه السلام) ولم يُشاركه فيها أحد، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أُعطي عليٌّ ابنَ عمٍّ مثلي، ولم أُعطَ مثلَه".
يعني: له ابنُ عمٍّ مثل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا يوجد أحدٌ غيره له هذا النسب وهذه القرابة، فلا أحد له ابنُ عمٍّ رسول مثل محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)، ولم يُعطَ أحدٌ مثل ما أُعطي عليٌّ.
"وأُعطي عليٌّ زوجتَه فاطمة، ولم أُعطَ مثلَها".
أي: لا يوجد من أُعطيَ زوجةً مثل فاطمة الزهراء (عليها السلام)، سيدة نساء العالمين، بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد اختصّ بها أمير المؤمنين.
"وأُعطي عليٌّ ولدَيه الحسنَ والحسين، ولم أُعطَ مثلَهما".
الرواية الأخيرة التي أودّ أن أضعها بين أيديكم هي ما كان (عليه السلام) يكرّرها:
"سلوني قبل أن تفقدوني، فواللهِ إني لأعلمُ بطرقِ السماءِ منّي بطرقِ الأرض. سلوني، فإنّ عندي علمَ الأولين والآخرين. سلوني قبل أن تفقدوني. أما والله لو ثُنِيَتْ لي الوسادةُ، فجلستُ عليها، لأفتيتُ أهلَ التوراةِ بتوراتهم، وأهلَ الإنجيلِ بإنجيلهم، وأهلَ الزبورِ بزبورهم، وأهلَ الفرقانِ بفرقانهم. فوالذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لو سألتموني عن آيةٍ آيةٍ، في ليلٍ أُنزلتْ أم في نهار، في سفر أم في حضر، ناسخِها ومنسوخِها، محكمِها ومتشابهِها، تأويلِها وتنزيلِها، لأخبرتُكم بها".
ثم يقول (عليه السلام): "سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي نفسي بيده، لا تسألوني عن شيءٍ فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تهدي مئة وتُضلّ مئة، إلّا أنبأتُكم بناعقها الذي يصيحُ باسمها، وقائدِها وسائقِها، ومناخِ ركابها، ومحطِّ رحالها، ومن يُقتل من أهلها قَتلًا، ومن يموت منهم موتًا".
"ولو قد فُقِدتُموني – أي فقدتموني – ونزلت بكم كراهةُ الأمور، وحواجبُ الخطوب، لطرق كثيرٌ من السائلين، وفشل كثيرٌ من المسؤولين".
"سلوني قبل أن تفقدوني، فإنّي لا أُسأل عن شيءٍ دون العرش، إلّا أجبتُ فيه".
ثم يختم (عليه السلام) بقوله: "لا يقولها بعدي إلّا مدَّعٍ، أو كذّابٌ مفترٍ".
هو هذا وليُّ الله، الذي وهبه اللهُ الولايةَ تكوينًا، أوجده وليًّا. وهذا هو معنى قولِ رسول الله (صلى الله عليه وآله): "من كنتُ مولاه، فهذا عليٌّ مولاه".
الولايةُ لأمير المؤمنين (عليه السلام) هي مقامٌ سماويٌّ غيبيٌّ نعتقد به، وهي حقيقةٌ واقعيّةٌ تكوينيّة. من آمن بها أثمر في الدنيا، ومن لم يؤمن بها، فسوف يراها ويحسّها في الآخرة.
ونحن – إن شاء الله – نؤمن بها، ونطمع أن لا تُفوتنا شربةً من الكوثر بيده (عليه أفضل الصلاة والسلام)، وأن لا يحرمنا هذا الإيمان وهذا التعلّق بالولاية.
لكن كلّنا حسرةٌ وألم، أنّه قد مُنعنا من هذه المعارف وهذه العلوم وهذه المنن، وهذه الأنوار التي جرت على يده (عليه السلام).
هو (عليه السلام) يقول: "أما إنّ ها هنا لعلمًا جمًّا، لو وجدتُ له حملةً..."
لم تكن الإنسانيّة مهيّأةً لاستقبال هذه المنن والعطايا والأنوار، فجُعلتْ محبوسةً في عقر داره، سنواتٍ طويلة. وحتى حين بَسَطَ يده بعضَ الشيء، مُنِعَ وحورِب، ولم تُثنَ له الوسادة كما يقول (عليه السلام).
وهذا ما يوجب في الحقيقة الحسرة.
لو أنّه (عليه السلام) أُعطيَ الزمام، لعشنا النعيم، وأكلنا من فوقنا ومن تحت أرجلنا، أكلنا نورًا، وعلمًا، وهدايةً، وصلاحًا، وتوفيقًا.
ما تعيشه الإنسانيّة اليوم من مرارة، وما نعيشه نحن من ألم، كلّه بسبب تلك الضربة التي نزلت على رأس أمير المؤمنين (عليه السلام).
إنّها ليست ضربةً عابرة، إنّها انحرافٌ تكوينيٌّ في مسار هذا الكون كلّه. إنّها خللٌ في الحركة الإنسانيّة التي أراد اللهُ أن تنعم، وتستنير، وتهتدي بولاية عليّ بن أبي طالب.
ولكن، إن فاتنا هذا النعيم والخير في الدنيا، فنحن نطمع – إن شاء الله – أن لا تفوتنا شربةٌ من الكوثر بيده الكريمة (عليه أفضل الصلاة والسلام).
وذلك بفضل إيماننا، وتعلّقنا، وإدراكنا لمعنى هذه الولاية.
وأنّ عليّ بن أبي طالب ليس مجرّد شخص كان يمكن أن يكون حاكمًا فأُزيح، بل كانت تلك الإزاحة حرمانًا تكوينيًّا للأمّة من نورٍ سماويٍّ إلهيّ.
نعم، هذه المزاحمة التي حصلت له (عليه السلام) آلمتنا، وأورثتنا الجوع العلمي، والضياع المعرفي، والفراغ الروحي، والحرمان الاجتماعي.
لكن، كلّ هذا – إن شاء الله – يُعوَّض، بيده الكريمة، عندما يأتي حاملًا اللواء يوم القيامة، ويسقينا من الكوثر، إن شاء الله.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلّى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد عادل العلوي
الشيخ محمد صنقور
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
الشيخ جعفر السبحاني
السيد جعفر مرتضى
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ حسين الخشن
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
حبيب المعاتيق
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
التعددية الدينية
زيادة الذاكرة
الضمائر في سورة الشمس
متى وكيف تستخدم الميلاتونين المنوم ليساعدك على النوم؟
تراتيل الفجر، تزفّ حافظَينِ للقرآن الكريم
في رحاب العيد
لنبدأ انطلاقة جديدة مع الله
المنطقة تحتفل بعيد الفطر، صلاة ودعاء وأضواء وتواصل
من أعمال وداع شهر رمضان المبارك
العيد الامتحان الصعب للحمية