الموسم العاشورائي 1446 هـ

الشيخ فوزي آل سيف: شاكراً أو كفوراً

الليلة الثانية محرم 1446 هـ
الشيخ فوزي آل سيف
(شاكراً أو كفوراً)
مسجد الخضر بجزيرة تاروت

 

صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله، صلى الله عليك وعلى ابن عمك أمير المؤمنين وعلى أهل بيتك الطاهرين، صلى الله عليك يا سيدي ويا مولاي يا أبا عبد الله الحسين. ما خاب من تمسك بكم وأمن من لجأ إليكم. يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً.

"وجه الصباح علي ليل مظلم

وربيع أيامي علي محرم

والليل يشهد لي بأني ساهر

إن طاب للناس الرقاد فهوموا

من قرحه لو أنها بي لملم

نسفت جوانبه وساخ يلملم

ما خلت أن الدهر من عاداته

تروى الكلاب به ويظمى الضيغم

مثل ابن فاطمة يبيت مشرداً

ويزيد في لذاته يتنعم

يرقى منابر أحمد متآمر

في المسلمين وليس ينكر مسلم

ويضيق الدنيا على ابن محمد

حتى تقاذفه الفضاء الأعظم

خرج الحسين من المدينة خائفاً

كخروج موسى خائفاً يتكتم

وقد انجلى عن مكة وهو ابنها

وبه تشرفت الحطيم وزمزم

لم يدرِ أين يريح بدن ركابه

فكأنما المأوى عليه محرم"

"لكنما الأمر لله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. إّنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين". عطروا مجالسكم بذكر محمد وآل محمد.

 

قالت سيدتنا ومولاتنا الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها): "الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام نعم والاها جمّ عن إلاحصاء عددها". صدقت سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها).

حديثنا في هذه الليلة بعنوان "شاكراً أو كفوراً".

هذا الإنسان طموحاته المادية والمعنوية لا تقف عند حد معين. فإذا رأى شخصاً جميلاً يود أن يكون أجمل منه، وإذا رأى إنساناً ثرياً يتمنى لو أنه أكثر ثراءً منه، ويرى المنزل الجميل الفاره فيدعو الله أن يرزقه بيتاً أفضل من هذا البيت.

وهذه حالة قلّ أن يعرى منها إنسان. أنا أتمنى ما هو أفضل مادياً ومعنوياً، وأنت أيضاً تتمنى وغيرنا يتمنى ذلك. إلى هنا الأمر طبيعي وعادي، وهذه حالة من الحالات التي تكون موجودة عند البشر، بغض النظر عن إيمانه وعدم إيمانه.

غير الطبيعي هو أن قسماً من الناس ينسى النعمة التي هو فيها ويعيش في بحبوحتها، ويتطلع إلى ما ليس موجوداً عنده. فهو في شقاء في الحالين، لا هو قادر على ذلك الشيء المتمنى (لا أصبح من أصحاب المليارديرات)، ولا هو أيضاً مستمتع بما عنده فعلاً من المقدار المالي. لم يصبح صاحب قصر كبير مترامي الأطراف، ولا هو مرتاح ومتنعم في الشقة التي يعيش فيها. لا يكون حاله شاكراً ولا هو في حالة ارتياح ولا تنعم فيما لديه ولا هو حاصل على ذلك الشيء الذي يتمنى.

 

هذا الأمر غير طبيعي، وهذا ناشئ في الغالب من عدم الشكر ومن قلة الحمد التي توجد لدى قسم من الناس بالنسبة إلى النعم الحاضرة عندهم. الآن يمتلك مقداراً من الصحة لكن عنده نواقص، ويتمنى لو لم يكن مريضاً بالسكري كفاكم الله والمؤمنين ومن يسمع. يتمنى لو أنه كان خالياً من جميع الأمراض، ينسى في هذه الأثناء أنه لا توجد لديه مشكلة في القلب، ينسى في هذه الحالة أنه لا توجد لديه مشكلة في العظام أو في الباطنية وأمثال ذلك...

فلا هو حامد على ما عنده من النعم الإلهية بمقدارها الموجود ولا هو حاصل على تلك النعم التي يتوقعها ويتمناها ويطلبها. فهو أولاً في غير راحة نفسية وثانياً هو غير شاكر للموجود. لأنه لا يعتبره شيئاً مهماً، بل يعتبر الشيء الآخر أهم! ما هي قيمته، ماذا يعني 7000 ريال راتب؟ لا بد أن يستلم 20000 وأكثر أو أقل. (سماحة الشيخ هنا يضرب مثالاً للتوضيح، الدقيقة 15.10) فهو غير حامد، غير شاكر لما عنده من النعمة وغير حاصل أيضاً على ما ينتظره ويتوقعه.

هنا تأتي مفارقة الشكر والكفر، الحمد وقلة الثناء على الله (سبحانه وتعالى) ويخير الإنسان "إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً". الطريق له واضح، ولكنه قد يتخذ موقف الشكر وهو الموقف الحسن والطبيعي أو يتخذ موقف الكفران.

 

لاحظوا أن المقابلة في القرآن الكريم هي بين الشكر والكفر "لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد" فقابل بين الشكر والكفر. طبعاً الكفر هنا ليس بمعنى جحود الله (عز وجل) أن يقول الإنسان لا وجود لله، كلا وإنما الكفر كما في تعريفه في اللغة العربية: أساسه التغطية ولذلك يسمى أيضاً الفلاح في اللغة العربية بالكافر لأنه يغطي البذور تحت الأرض.

الكافر العقائدي أيضاً الذي ينكر الله (عز وجل) إنما سميّ كذلك لأنه يغطي حقيقة هي أعظم الحقائق في الكون وهي وجود الله (عز وجل) ووضوح هذا الإله العظيم للقلوب وللأنفس. مع ذلك هذا الإنسان يغطيها ولذلك يعتبر كافراً.

الذي يغطي نعم الله ولا يظهرها ولا يشكرها ولا يبينها جعله القرآن الكريم كافراً بهذا المعنى. لعله الإنسان يقول مرتاحاً: الحمد لله نحن لسنا كذلك، نحن نحمد الله في كثير من الأحيان. لكن بعض الأحيان قد يكون الحمد والشكر بطريقة معينة أقرب إلى الكفر وإنكار النعمة منه إلى الحمد وإلى الشكر.

 

تسأل شخصاً عن أحواله:

" - شلونكم (كيف أحوالكم)؟

   - خلها على الله

   - الحمد لله؛ صحتك شلون (كيف)؟

   - والله رجلي كذا وأنفي كذا وأذني كذا ورأسي كذا وكبدي كذا وفلان كذا وإلى آخره..."

ثم في النهاية يقول الحمد لله أو حتى أحياناً لهجة الإنسان وطريقة الإنسان في الحمد تكون بصيغة التذمر والإنكار (إظهار عدم الرضى).

بينما الحمد الحقيقي فعلاً هو الشعور بالامتنان لنعمة الله عز وجل واستحضار هذه النعمة من غير استحقاق.

(يابا أنت شنو إلك من حق على الله) = ما هو حقك؟ أنا أخاطب نفسي ما هو حقك على الله (عز وجل)؟

لا حق لنا على الله أبداً، يقول إمامنا الحسين (عليه السلام) في "دعاء عرفة" وهو من أعظم الأدعية التي يعدد فيها الإمام (عليه السلام) مناحي وأشكال نعم الله التي هي في الأصل لا تعد، ومع ذلك أنت تلاحظ في كل كلمة من كلماته (صلوات الله وسلامه عليه) في كل كلمة من كلمات الدعاء إشارة إلى نعمة من النعم:

 

أولاً خلق الإنسان: "خلقتني وكنت عن خلقي غنياً"

هل الله يحتاج لي وإلى أمثالي؟ لو لم نخلق كلنا، كل البشر لو لم يخلقوا، أكان ينقص من عظمة الله وملك الله وربوبيته، أكان ينقص منه شيء؟

أنت أيها المتكلم لو أن الله (سبحانه وتعالى) جعلك في عالم العدم ما الذي كان يتغير في الكون؟ ما الذي يحصل؟

الله تفضل عليّ وتفضل عليك وتفضل على غيرنا، ولم يكن لنا حق في ذلك، ولم يكن لنا تأهل في ذلك فأكرمنا بأن خلقنا خلقاً سوياً كاملاً، وكفلنا الأمهات الرواحم حتى نمونا وكبرنا، وبعد ذلك أنعم علينا بسائر النعم.

فأنا وأنت عندما نود أن نحمد الله (سبحانه وتعالى) لابد أن نحمده بالطريقة التي تناسب هذه النعم، وهي نعم عظيمة.

لاحظوا أئمة الهدى والمعصومين (عليهم السلام) نادراً كما رأيت، نادراً أن تبدأ خطبة من خطبهم (صلوات الله عليهم) غير مبدوءة بالحمد.

مثلاً أمير المؤمنين (عليه السلام) لو تبحث فقط في "نهج البلاغة" وتقوم بكتابة "الحمد لله" في خانة البحث، تعجز أن تتبع كلمات الحمد من أمير المؤمنين لله (عز وجل). "الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون ولا يحصي نعماءه العادون" إلى آخر كلماته...

 

فاطمة الزهراء وهي في ذاك الوقت بحسب القرائن التاريخية كانت قد عصرت بين الحائط والباب (سلام الله عليها) مع ذلك عندما تأتي إلى المسجد تبدأ بماذا؟

"الحمد لله" تبدأ بهذه الكلمات التي تشير فيها إلى "عموم النعم التي ابتدأها وسبوغ آلالاء التي أسداها وأنها جمّ عن الإحصاء عددها ونأى عن الحساب أمدها" إلى آخر كلماتها (صلوات الله عليها). وقد افتتحنا بها، في عمق المصيبة تأتي فاطمة بنت الحسين وقد فقدت أباها وإخوانها وأعمالها وقد سُبيت وأُخذت إلى الكوفة، وهي الآن مسبية فإذا بها تنهض وتقول "الحمد لله عدد الرمل والحصى، وزنة العرش إلى الثرى، أحمده على ما كان" هذا في عمق المصيبة بهذا المقدار من الشعور بالامتنان والحمد لله (سبحانه وتعالى).

أنا وأنت لابد عندما نحمد الله (سبحانه وتعالى) فعلاً نستشعر نعمة الله، حمد الله، شكر الله، يا ربّ أنت أعطيتني هذا الراتب، ليس بجهدي وإنما بتوفيقك وبركاتك، هذا رزقي أنت وجهته إلي، فالحمد لله ربّ العالمين.

لا تتصور أنه أنت الذي صنعت هذا! الله أعطاك القوة أعطاك القدرة أعطاك الصحة ويسر لك الأمور حتى وصلت إلى هذا المكان وكان من المحتمل أن لا تصل إلى هذا المكان، لكي تعمل فيه، وكان بالإمكان أن تبقى عاطلاً ولا يصل إليك رزق الله (عزّ وجل) فعندما تتفكر التفت إلى أن هذا الرزق الذي جاء إليك هو من الله (عزّ وجل).

 

سؤال: أنا وأمثالي عندما نستلم الراتب آخر الشهر وتصلنا رسالة إيداعه على الجوال أو غير ذلك، تعلمك أنه وصل لك راتبك، أنا وأمثالي أخرّ ساجداً أقول: "شكراً لله العظيم على نعمه" بالنسبة إلى المؤمنين. لكن إذا لم يشكر، هنا قد ينطبق عليه "لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد".

كان نبينا المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله) يكون في أصحابه وكان ربما ركب الناقة فإذا بهم يرون رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزل من الناقة وخرّ ساجداً إلى الله (عز وجل) وشكر الله وحمده، فيقال له في ذلك فيقول تجددت نعمة من نعم الله عليّ فأحببت أن أؤدي شكراً. يشكل البعض ويقول بإمكان النبيّ أن ينتظر قليلاً وعندما يصل إلى مقصده ينزل عن ظهر الناقة ويشكر الله هناك، أو في المسجد. كلا فالنبيّ يترجّل من على ظهر الناقة ليؤدي شكر هذه النعمة.

وعلى نهجه أيضاً سار إمامنا السجاد (عليه السلام) فقد روي كثيراً هذا المعنى منه. نعم الله لا تحصى وقد أخبر وهو الصادق في كتابه "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" لكن نحن نعنون بعض هذه العناوين حتى لا يكون عند الإنسان دائماً حالة التسخط والتشكي وأنه لا يملك شيئاً وأنه إنسان ضعيف وأنه إنسان فقير وأنه كذا وكذا.

 

أبو هاشم الجعفري من نسل جعفر الطيار داوود ابن القاسم من أصحاب الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام) من خلّص الأصحاب يقول: أصابتني ضيقة شديدة، فجئت إلى الإمام الهادي (عليه السلام) الإمام عرف الموضوع فقال لي: "يا داوود أيّ نعم الله عليك تحصي؟ رزقك الإيمان، فصانك عن الكفر ورزقك العافية، وصانك عن التبذل" فيقول أنا هدأت وقلت لا أشتكي إلى الإمام (عليه السلام) الإمام هو بنفسه قام وأعطاني شيئاً من المساعدة.

أحد آخر يأتي ليشتكي إلى الإمام أنه فقير ولا يملك مالاً وأن الحياة صعبة، فيقول الإمام (عليه السلام) "يا فلان لو أن هؤلاء (أي بني العباس) أعطوك ملكهم على أن تترك ما أنت فيه من ولاية محمد وآله" (لو أعطوك كل هذا الملك لكن بشرط أن تخرج من دين الله وولاية رسول الله وأهل بيته نعطيك هذا بشرط أن تخرج من هذا) "فانتفض كأنما لدغته عقرب قال لا والله، قال أتظن فقيراً من يملك شيئاً يعطى عليه ملك هؤلاء (بني العباس) فلا ينزل" ما هذه الجوهرة والثروة، ما يكون هذا الكنز الذي يمتلكه ولا يستطيع أن يتخلى عنه في مقابل ملك عظيم من أقصى البلاد إلى أدناها؟ فأنت غني، أنت كثير عند الله، أنت ثري عند الله، إذا كانت لديك هذه الأمور ما الذي تملك الآن من نعم الله؟

 

أنا أسرد كفارس سريع وأخاطب نفسي لأركز في ذلك حالة الشكر لله عز وجل.

أولاً: نعمة الخلق:

وقد أشرنا إليها، وجود الإنسان في هذه الحياة نعمة من النعم أنعم الله بها على الناس، أنت واحد منهم، "نعمة الوجود" وهي التي تترتب عليها سائر النعم تكون إنساناً محترماً تتنعم في هذه الدنيا تعبد الله، ثم الله ببركة هذا الوجود وهذه النعمة يجازيك بالجنان.

أيّ نعمة عظيمة هذه، وكان من الممكن أن يكون هذا الإنسان شيئاً غير مذكور "هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً" كان بالإمكان أن يصبح جزءاً من دورة شهرية يُنسى بالكامل، "تقول يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً" يعني لم تكن موجوداً أساساً، أو تكون دفقة من ماء الرجل ضائعة حويم ميتة لكن الله (سبحانه وتعالى) خلقك وخلقني ليبدأ بالنعم علينا بعد نعمة الخلق.

الخلق الكامل للإنسان أعطاك يدين ورجلين وعينين وقلباً وعقلاً وكل هذا من غير مقابل. أحياناً يتعجب الإنسان كأنما مطالب ربه بطلباته.

تذهب تشتري لك بعض الحاجيات، لابد أن تدفع ثمنها مثلاً، لكن الله أعطاك هذا البدن وهذه الأعضاء وهذه الأجزاء كلها مجاناً، ثمنها شكر الله (عز وجل) "فسبّح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً".

في الصلاة دائماً نقول في ذكر الركوع والسجود "سبحان ربي العظيم وبحمده" في الركوع "سبحان ربي الأعلى وبحمده". التسبيح تنزيه لله (عز وجل) أنه ليس بظالم، وليس ببخيل "لا تأخذه سنة ولا نوم" تنزيهه وتقديسه عن النواقص، بحمده صفات الكرم صفات الثناء (السميع، البصير، اللطيف، الخبير، القدير، الرؤوف، الرحيم...) هذه كلها بحمد ربك. فأول شيء هذا الخلق التام والكامل. ثانياً: رزقك الله الدين والإيمان بمحمد وآل محمد.

كم من البشر الآن محرومون من هذه النعمة؟ مليارات، لا نتحدث عن ملايين، بل مليارات من البشر هم لا يعرفون رسول الله ولا يعرفون علياً ولا يعرفون الحسين. هداك الله وأنعم عليك، وتفضل عليك بأن هداك إلى هذا المنهاج وعرفك رسول الله، عرفك أمير المؤمنين وكذلك عرفك المعصومين.

 

هذا هو الذي يقول عنه الإمام لذلك الرجل ملك بني العباس كله يصبح تحت أمرك، وفي المقابل هذه أكثر قيمة، وأعظم قيمة لأن فيها طاعة الله وسعادة الدنيا وجنة "عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين". فهذه نعمة أخرى قد أنعم الله بها عليك، أنعم علينا بأن نعيش في بلد كان مكان تنزل الوحي الإلهي بواسطة جبرائيل على النبي الكريم ورسوله الأمين (صلى الله عليه وآله) في هذه البلاد.

شهد الدين قوامه في هذه البلاد، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجاهد بين يدي الله (عز وجل) ويبلغ ما أنزل إليه وما أرسل به، وعاش هذه الفترة من الزمان من أجل أن يوصل نداء الله في هذه الأرض. لو كان اكتشف العلم شيئاً يحفظ الأصوات السابقة وقد يأتي يوم على هذا النحو أيضاً لا نعلم، عندها ستسمع صوت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصدح هنا وهناك مبلغاً وناصحاً ومتكلم ومحذراً ومبشراً في هذه الأرض حيث الحرمان الشريفان الكعبة المشرفة وقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومسجد رسول الله والبقيع حيث يؤي الأئمة والصالحين ومكان دفن حمزة بن عبد المطلب عند أحد وسائر أصحاب رسول الله المخلصين.

أنت تعيش في هذه البلاد، أي وقت من الأوقات خطر في بالك أن تذهب تجدد العمرة، تأخذ نفسك بسهولة وتذهب إلى حيث بيت الله الحرام وتعتمر وتعبد وتقرأ وتدعو وتطوف، وهذا من نعم الله (عز وجل) العظيمة.

 

ربما سائر المناطق لا يتيسر إليهم هذا الأمر بهذا النحو في بلاد كانت محل دعوة نبي الله إبراهيم "ربّ اجعل هذا البلد آمناً" وبالفعل أنت ترى في عالم اليوم، ترى الحروب وترى الاضطرابات وترى المشاكل وترى القضايا وترى انهيار الاقتصادات وغير ذلك، وأنت تعيش بفضل الله (عز وجل) باختيارك ولا بانتخابك ولا بجهدك، وإنما الله سبحانه وتعالى أكرمك بهذا الشيء فأنت تعيش في هذه البلاد من غير جهد تبذله وإنما هي نعمة الله (عز وجل) عليك.

هذه أليست نعمة تستحق من الإنسان تجاه ربه شكراً وحمداً كبيراً وعظيماً؟ لا ريب أنها تستحق ذلك وفوق ذلك. وعلى الإنسان المؤمن إذا أراد أن يكون قريباً من ربه (سبحانه وتعالى) أن يدأب نفسه في شكر الله ولن يستطيع لو شغل نفسه 24 ساعة بحمد الله والثناء عليه وشكره ومدح آلائه، كما يقول دعاء الإمام الحسين، وأنصح إخواني المؤمنين بمراجعة الدعاء فترة بعد أخرى. كما أنصح إخواني المؤمنين بأن يرجعوا إلى دعاء الجوشن الصغير فهو من الأدعية المهمة التي تبين غيرك في أي أوضاع سيئة يعيش وأنت في أي وضع حسن، أكرمك الله فيه.

دعاء الجوشن الكبير موسوعة توحيدية عقائدية عظيمة تحتوي على ألف صفة من صفات الله (عز وجل). كذلك دعاء الجوشن الصغير يبين فيها أنه كم من الناس يعانون في الحروب، المجاعات، السجون وفي غير ذلك من المصائب والمصاعب وأنا أخلو من ذلك كله فلك الحمد يا رب. ارجعوا إلى هذه الأدعية التي تعلم الإنسان كيف يشكر الله وكيف يحمد الله (سبحانه وتعالى).

 

وأما عما سخره الله (سبحانه وتعالى) لنا من العطاء فحدّث ولا حرجّ. في الحديث القدسي: "يا ابن آدم خلقت الأشياء لأجلك السماوات والأرض والبحار والمحيطات والطعام والشراب" ولو شيء منها يذهب، إذا كان الله (سبحانه وتعالى) "جعل ماءكم غورا" (أي لا يوجد ماء) فمن يأتيكم بماء معين؟

لو جعل الله هذا الماء ينقطع أو حتى لو لم يقطعه وكان غير صالح للشرب والاستخدام، من يأتيكم بماء معين؟

إذا جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة، هل تبقى حضارة أو زراعة تنشأ؟ وهل توجد فاكهة تؤكل؟ لو جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة يتفتت الإنسان من الناحية الصحية وتنتهي حياته.

فحري بالإنسان أولاً أن يشكر الله بلسانه دائماً. اشكر الله، احمد الله من داخل قلبك، من وجدانك، من إحساسك، من داخل ضميرك، لا تقل الحمد لله كأنك تريد التعارف والمحاججة مع الله. قل الحمد لله رب العالمين واستحضرها في داخل قلبك، واجعل نفسك تعيش حالة الحمد وحالة الشكر وحالة الامتنان لله (عز وجل).

 

تلاحظ الحيوانات (حاشا السامعين)، لما تعطي إلى حيوان أي شيء، قطة مثلاً، تعطيها شيئاً من السمك، تنظر إليك بنظرة كلها امتنان، وهذا حيوان أعجم، وأنعمت عليه بنعمة واحدة ليوم واحد، لوجبة واحدة. والله سبحانه وتعالى أنعم علينا من أول يوم نفتح فيه عيوننا في هذه الدنيا إلى آخر يوم ونحن غارقون بنعم الله (عز وجل) ونسبح في بحار كرمه (سبحانه وتعالى).

اشغل نفسك، واشغل نفسي دائماً بحمد الله. من الأذكار المأثورة "الحمد لله من أول الدنيا إلى فنائها، ومن الآخرة إلى بقائها".

الحمد لله على كل نعمة، وأستغفر الله من كل ذنب وأتوب إليه.

ذكر: اذكر الله بالحمد "سبحان الله وبحمده" هذا ورد في بعض المصادر "أن من قال سبحان الله وبحمده في يومه 100 مرة غفر الله ذنبه كله، وأوجب له الجنة". سبحان الله وبحمده، لا تستغرق منك سبع دقائق، بل حتى خمس دقائق، فهذا واحد من الأمور.

الأمر الآخر: شكرها بما يناسبها. شكرها بما يناسبها، وأعني بذلك أنه عندما الله وهب إليك قوة استعملها في طاعة الله، وفي معونة الغير. وهبّ لك جمالاً وشباباً، استعمل هذا في طاعة الله.

لا تأتي امرأة وتقول: أنعم الله عليّ بالجمال وأنا أريد أُبين الجمال هذا ونعمة الله لخلقه، لا هذا على خلاف أمر الله وإرادته. وهكذا اجتناب المحارم مما يجعل الإنسان شاكراً لله (عز وجل) مطيعاً له اعملوا آل داوود شكراً، يعني بطاعة الله وباجتناب محارمه.

 

أئمة الهدى (صلوات الله وسلامه عليهم) علمونا طريقة الحمد والشكر، فلا تجد دعاء إلا وفيه حمد الله (سبحانه وتعالى)، ولا خطبة إلا وهي كذلك. وأما الأذكار فحدث ولا حرج لكي يعلمونا كيف نقوم بحق الله ولن نستطيع، كيف نقوم بمحاولة أداء شيء من حق الله واجبه تجاه النعم التي أنعم الله بها علينا. ولذلك بالنسبة لهم هم يطيعون الله حتى لو كان في ذلك هلاكهم الظاهري وموتهم وسفك دمائهم لأنهم يعتقدون أن الله المنعم العطوف اللطيف يستحق دمائهم، وهي أعظم شيء في الدنيا، وشخصياتهم وهي أكبر شيء خلقه الله (عز وجل). ولكن نعم الله، عبادة الله، طاعة الله تستحق هذا الثمن الكبير. لذلك يقول الإمام الحسين "وخير لي مصرع أنا لاقيه" هذا أحسن شيء اختاره الله لي، وهذا أحسن شيء. فخرج من مدينة جده في السابع من شهر رجب سنة 60 للهجرة لكي يبدأ هذه المسيرة التي ما انتهت في كربلاء 61 وإنما هي باقية ببقاء الدهر. وهذا من مظاهر بقائها، هذا المجلس، وعشرات الآلاف أو مئات الآلاف من المجالس في أرجاء المعمورة هي من شواهد بقاء نهضة الحسين (عليه السلام).

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد