لقاءات

منتدى الغدير الثقافي: مؤسسة الأجيال وصانع الأثر

 

نظمية الدرويش .. 

النهضة حالة غير مرئية تتخذ من الزمن حيّزًا ومن المجتمع ميدانًا تفعل فيه فعل الشمس ببذرة مغمورة بالتراب. والنهضة الثقافية الشعرية في شرقي المملكة لها شمس رعت الشعراء وقوّت عودهم حتى أثمروا جميعًا، فأنتجت صحراء القطيف حديقة غناء بالشعر والأدب. 
هو منتدى الغدير الثقافي في القطيف الذي كان له الرؤية والدور البارزان على الساحة الثقافية. شكل منتدى الغدير في بداياته جسرًا ثقافيًّا لكل المنتديات التي نبتت لاحقًا ومرجعًا ثقافيًّا وأبًا لكل الجيل الشعري اللاحق. 


قصة منتدى 

يبدأ الشاعر وأحد مؤسسي المنتدى الأستاذ شفيق العبادي حديثه معنا ممهدًا للظروف التي جعلت من منتدى الغدير ما هو عليه اليوم فيقول: "لعل للظرف الزمني لنشأة منتدى الغدير الأدبي بالقطيف واشتغالات أعضائه المؤسسين حينها دور في رسم ملامحه المستقبلية إن على مستوى هيكلته، أو على مستوى عمقه الثقافي ودوره المتوخى ثقافيًّا".
المنتدى الذي دشن أواخر 1406هـ الموافق 1986م ارتبط بأهمية التاريخ الذي سجل في ذاكرة السجال الفكري والثقافي الكبير للمدرستين التقليدية والحداثية، والذي كان ملعبه صفحات الملاحق وأروقة الأندية الثقافية. وفي هذا السياق يقول الشاعر شفيق العبادي: "إن ذلك انعكس على جلسات النقاش الأسبوعية حيث ترك تأثرها لا شك في عمق وتكوين التفكير الفردي لأعضائه ومن ثم لهوية المنتدى". وفي حين تطورت الجلسات لاحقًا لتشكل مروحة قناعات أخذت المنتدى لمياه جديدة ضمنت سر بقائه واستمرار عطائه، يمثل لنا العبادي بالموزاييك الجميل الذي يشكله وجود الصوت الحداثي متمثلًا بالشاعر والناقد محسن الشبركة، يقابله صوت مهتم بالحرث في تربة التراث وإعادة استصلاحها، ويتمثل بالشاعرين والكاتبين الأستاذ حبيب محمود والأستاذ عبدالخالق الجنبي، إلى جانب ذلك يوجد الصوت المتأمل والمبحر في مياه الفكر والفلسفة متمثلًا بالشاعر جمال رسول، ولا ينسى الشاعر شفيق العبادي أيضًا الشاعر والكاتب الجميل الأستاذ محمد السويكت.
 يعلق العبادي في هذه السياق بالقول: "كل هذه الأصوات وغيرها رفدت المنتدى وشكلت جذواته التي عبرت به حيث كان الناظم لنبضها الأخوين الأستاذ الشاعر عبدالله البيك ومحمد البيك."
العامل الثاني الذي يعتبره العبادي عاملًا من عوامل المنتدى الناجحة هو أن أغلب الأعضاء تقريبًا في ذلك التاريخ كانوا على مدارج الجامعات، ما يعني أن المنتدى كان على هيئة ورشة جمالية غير خاضعة لتأطير مؤسساتي، وإن كانت هناك لائحة ولكنها تعنى بتوزيع أعضاء المنتدى، وما لذلك من قوة دفع شارك فيها كافة الأعضاء، الأعضاء الذين لم تطلهم عوامل التعرية التي طالت الكثير ممن احتشد بهم المنتدى بداية انطلاقته حتى توقفه مؤقتًا لالتقاط الأنفاس وذلك سنة 1420 هـ. 

شفيق العبادي


عن هذه الفترة يقول العبادي: "كانت هذه الفترة زاخرة بالأنشطة الثقافية من أمسيات شعرية ومحاضرات أدبية وإدارة وتحكيم مسابقات شعرية وتكريم مبدعين وعلى رأسهم الشاعر الرائد / أحمد الكوفي في 19/12/1415 هـ وهي سابقة في تكريم شاعر في حياته".
بعد استئناف المنتدى لنشاطه مرة أخرى بعدما أجبرت الظروف العملية والكتابية البعض من التفرغ لها كليًّا وإعادة صياغة قناعات البعض الآخر لتشكيل منتديات موازية، والتحاق أعضاء جدد،لم تفتر وتيرة المنتدى ولم ينحن خطه البياني إن لم يكن العكس وهو الأصح. "أما ما يميز هذه الفترة دخول وسائل التواصل لاعبًا مهما في معادلة أي اشتغال إبداعي".
يخلص العبادي إلى الأهمية التي يشكلها منتدى الغدير بالظروف المصاحبة لنشأته من كسره لنسق أو سياق جعله استثناء عما كان سائدًا، فكانت أبرز سمات المنتديات التي سبقته نخبويتها وتدويرها الثقافي خلاف ما كان عليه منتدى الغدير. يضيف العبادي: "ذلك أعطى إضافة لدوره أسماء بارزة أخدت مكانتها وساهمت في تشكيل حراك ثقافي حقيقي ليس على المستوى المحلي وحسب بل الخليجي والعربي منهم الشاعر والروائي والصحفي /حبيب محمود والكاتب والشاعر، والمؤرخ /عبدالخالق الجنبي ، والشاعر والكاتب /محمد الماجد، والشاعر والناقد / محسن الشبركة ، والشاعر/ قاسم المقبل ، والشاعر/عبدالكريم زرع ، والشاعر / حسين الجامع ، والشاعر/عبدالله البيك، والشاعر والكاتب / محمد السويكت ، والشاعر والكاتب / زكي الصدير، والكاتب /حسن المصطفى، الشاعر خالد المحيميد والشاعر والكاتب / شفيق العبادي". 


التاريخ وصناعته

عن منتدى جاوز طموحات مؤسسيه وأسس لحقبة شعرية وخرج شعراء تسيدوا المنطقة في فترة معينة يحدثنا الشاعر فريد النمر فيقول: "ذلك المنتدى الذي وشمته عشتار على أرض تاروت كان بمثابة النورس الحالم الذي يتطلع لنقش كيانه في بحر النوارس الكبار بقطيف النخيل والزرقة الشاطئية التي تدفقت ببحر الإبداع منذ عصر أبي البحر الخطي وحتى زمن أبي قطيف والكوفي".

فريد النمر

 

ويتابع ابن القطيف حديثه حول المنتدى الذي استلهم قواه من المختلف الشعري: "فبين ما كان يسكبه الجواهري وصدى ما كان ينقشه السياب ونازك والشابي كان صدى جمال الدين حاضرًا ورؤية العلي فارعة الجناحين في دفع الدفة الشعرية نحو بوصلة الإبداع ليخلص بثلة من الشباب قدموا شعرًا حديثًا منسجمًا مع معطيات الوقت وملخصًا للتجارب التي سبقته".
يشيد النمر بجهود القيمين على هذا المنتدى دون أن ينسى الالتفات إلى وقوع المنتدى في المناسباتية التي كررته كثيرًا إلا ما تيسر منهم كالعبادي والماجد وجمال رسول وحبيب محمود وعلي الفرج، وبرأي النمر أنه قد طار هؤلاء بتفردهم بعد قتل الأب الشعري ليكوِّنوا بصمتهم الشعرية الخاصة.
لا ينسى النمر أن يشدد على أهمية الدور الذي يلعبه الشاعران الماجد والعبادي في المنتدى، ثم يقول فيهما: "هذان الألقان الفارعان شاعران وأديبان مثقفان يملكان روح الإبداع من جهة والرؤية الشعرية الخصبة في توجههما الشعري من جهة أخرى يمتلكان خصب المتنبي وفرات الجواهري ورئة الثبيتي في التجديد". يضيف النمر: "يحلقان بنواريهما عشتاروت إلى عشتار الأسطورة ويتناغمان مع الواقع الأدبي بكل مفصل تطويري وتجديدي يبعث على الأمل الشعري المعاصر".


أسماء كبار 

"منتدى الغدير في مسيرته الزمنية شكل حلقة وصل مهمة بين جيلين في منطقة القطيف" بهذه الكلمات يستهل الصحفي السيد محسن الشبركة حديثه لشبكة فجر، ثم يتابع: "جيل حقبة الخمسينات والستينات الميلادية بأسمائه اللامعة وإنجازاته ومساهمته في الأدب والثقافة، (كالشاعر السيد عدنان العوامي والشيخ عبد الحميد الخطي وأحمد الكوفي والمؤرخ المسلم وسيد علي العوامي والشماسي وسواهم من الأسماء التي صنعت ذكرها وساهمت بمعطياتها)، وجيل الألفية الجديدة الذي نشهد الآن أشخاصه ومساهماته".

محسن الشبركة

 

هذه الفاصلة الزمنية الكبيرة هي الحقبة التي تشكل فيها منتدى الغدير وملأها باقتدار، فكان بمثابة انعطافة وإضافة نوعية اجتماعيًّا وثقافيًّا استطاعت أن تصنع وترسخ الوعي المجتمعي باتجاه الثقافة والأدب والشعر. لهذا يقول السيد أن أحد أهم إنجازات المنتدى هو ما نشهده من هذا الحضور المجتمعي للثقافة والأدب، حيث شكل حاضنة لما شهدته المنطقة من تواصل لمسيرة الثقافة والأدب. أداء المنتدى وفعاليته كانا نوعيين ومختلفين في بيئة صنع فيها فارقًا. يصف السيد محسن المشهد بالنحو التالي: "منذ وقت مبكر في الثمانينات تشهد المنطقة مجموعة أدبية من الأدباء الشباب والمتطلعين للثقافة تقيم منتدى بشكل دوري تحتفي بالشعر وتمارس النقد والقراءة وتستهدف نشر الثقافة وتقيم فعاليات ثقافية وأدبية جماهيرية من أمسيات وندوات، وتقوم بالتواصل مع أدباء الجيل السابق. يضيف الشبركة :"هذا كله كان أمرًا جديدًا ومثيرًا للوعي ومحفزًا، وتميز بتوجهه المنظم وعمله الدؤوب".
الأمر المهم الآخر والمساهمة الأخرى التي صنعها منتدى الغدير، تقديمه لأسماء عديدة استطاعت أن تقدم نفسها لمجتمعها وللآخر من خلال عملها ومنجزها الشعري والثقافي مع تعدد توجهاتها ومشاربها على حد تعبير الشبركة. "فهناك في الشعر محمد الماجد وشفيق العبادي وعبد الكريم آل زرع وحسين الجامع وفي التاريخ الأستاذ عبد الخالق الجنبي، وفي الصحافة والأدب الأستاذ حبيب محمود، وهناك سواهم من الأسماء المعروفة التي لها حضورها داخل المنتدى وفي أروقة الثقافة وإن كانت أقل شهرة مجتمعية، مثل الأخوين محمد وعبد الله البيك، وجمال رسول، هذا على مستوى جيل المؤسسين". ثم في فترة لاحقة من عمر المنتدى وممارسته الثقافية انضمت إليه واحتفت به العديد من الشخصيات الفاعلة وشاركت في جلساته وفعالياته.


يختم السيد محسن الشبركة حديثه بخلاصة تقول: "إن المشهد الثقافي المتواصل التي نشهده في منطقة القطيف هو ابن لانطلاقة نوعية سابقة شهدتها المنطقة في فترة سابقة شكل منتدى الغدير نواتها وحاضنتها بشكل أو آخر، ولم تتوقف مساهمات المنتدى عند ذلك، فهو ما زال فاعلًا بأسمائه وشخوصه في صناعة المشهد الثقافي".

 


وفي كل المجالات
وإذا ما ذكرنا الغدير فلابد أن نأخذ برأي الشاعر محمد الماجد وهو أحد أعمدة الغدير الثقافي و"آخر الملتحقين" على حد تعبيره. طبعًا لحقه كثر اليوم فتاريخ التحاقه للمنتدى يعود للعام ١٩٩٠. انضم الماجد إلى جلسات المنتدى بعد إلحاح من صديقيه الشاعر شفيق العبادي والسيد محسن الشبركة. "إذا رجعت لتلك الذاكرة، الآن أشعر بحجم الهدية التي قدمها لي الصديقان. فقد كان للمنتدى دون شك دور كبير في تغيير مساري بالكامل" يقول الماجد. 

محمد الماجد


يقدم المنتدى الذي يستمد من عراقته حضوره الواضح في كل المجالات بحسب الماجد، قيمة ثقافية من خلال التجارب التي يقدمها لأعضائه. يتابع الشاعر محمد الماجد قوله: "تجارب تمخضت خلال كل ذلك العمر المديد عن مؤلفات الشعر والتراث أيضًا، عن مساهمات في الصحافة سواء على مستوى التحرير وإدارة الصفحات الثقافية أو كتابة المقال وإجراء الحوارات".

الغدير هو تاريخ أدبي لثلة من الشعراء الطامحين آنذاك وتقدمهم فيه بالشاعرية الشيخ عبد الكريم آل زرع الذي أرسى قواعده، وثلة من الشعراء الذين كانوا يتلمسون الطريق فيه. أسس المنتدى لحقبة وجيل شعري صاعد تسيد المنطقة في أواسط التسعينات. أما قيمته لشعراء اليوم فالمنتدى بحق كان جسرًا ثقافيًّا لكل المنتديات التي نبتت لاحقًا ومرجعًا ثقافيًّا وأبًا لكل الجيل الشعري اللاحق كونه كسر سياق المنتديات حيث أنه تعامل مع واقع ولم يقتصر على مجالس مخملية وتدوير ثقافي طبقي وحسب لهذا حينما كرم كرم شاعرًا التحم وارتبط بالواقع وليس بطبقة معينة. اليوم، يستمر منتدى الغدير بجلساته والتي يتصدرها الشاعر محمد الماجد وشفيق العبادي بينما آل زرع يترأس منتدى الكوثر بالقطيف. 


لمتابعة نشاطات منتدى الغدير الثقافي من على فايسبوك: www.facebook.com/alGhadeer.cultural/

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

2017-10-13 00:56:54    أرجو الحصول على نسخة (شرح ديوان ابن المقرب العيوني)

أرجو الحصول على نسخة (شرح ديوان ابن المقرب العيوني)