لقاءات

الشيخ مصطفى الموسى: هدف الإمام الحسين من عاشوراء إنساني مقدس

 

نسرين نجم .. 

هي ثورة متوقدة عبر العصور تزداد حضورًا وتألقًا في قلوب وعقول الأجيال، إرث مليء بالقيم الأخلاقية والتربوية والاجتماعية والسياسية والأسرية، نهضة تظهر فيها شمس الحق والعدالة. حول المفاهيم الاصلاحية والتربوية لعاشوراء، كان لنا هذا الحوار مع سماحة الشيخ مصطفى الموسى:


* ما بين الثورة والنهضة:
نردد كثيرًا بأن الامام الحسين (ع) قام بثورة والبعض الآخر يعتبر بأن ما فعله (ع) هو نهضة، ما بين الثورة والنهضة سألنا سماحة الشيخ مصطفى الموسى عن حركة الإمام الحسين (ع) أنطلق عليها ثورة أم نهضة وما الفارق بينهما؟ فأجاب: "الثورة في الاصطلاح العلمي هو ما يقوم به قلة من الناس لأغراض سياسية  أو ما شابه ذلك، وأما النهضة هي التي يقوم بها شخص أو قبيلة لأهداف اصلاحية اجتماعية." ويتابع قائلًا: "الإمام الحسين عليه السلام حينما قال خرجت قال لطلب الإصلاح في أمة جدي، لم يقصد بهذه المفردة المعنى المادي أو المعنى العسكري لأنه يعلم أنهما لن يتحققا وليسا من مفردات الثورة وإنما أراد في الإصلاح الإصلاح المعنوي والإصلاح الاجتماعي والإصلاح الروحي وقد حققه الحسين صلوات الله وسلامه عليه،  وما يدل على ذلك خروج الثورات بعد مقتله الشريف ضد الأمويين والعباسيين وإلى يومنا هذا بقي الحسين في ضمائر الناس وفي قلوب الناس".


عاشوراء مدرسة مليئة بالعبر والدروس والقيم، لكن إن أردنا أن نأخذ البعد التربوي لهذه الملحمة البطولية، فإلى أي مشهد نصل؟ يجيب سماحة الشيخ مصطفى الموسى: "الحسين عليه السلام في مدرسة عاشوراء قدم لنا المواعظ والعبر ولو أردنا أن نختزل هذا في عبارة واحدة نذكر قول الشاعر :
وعلمنا أن الفداء فريضة 
إذا افتقر العيش الكريم إلى الفدا
علمنا كيف نكون أوفياء أعزة غير أذلة، وهذه من الأمور التربوية التي قدمها لنا الحسين صلوات الله وسلامه عليه، إضافة إلى ذلك المواقف التي نقرأ فيها أخلاقيات الإمام الحسين في تعامله مع أعدائه وتعامله مع أولاده وتعامله مع الآخرين كلها مليئة بالمواعظ والعبر".


* البعد القيمي في انتقال عائلة وأصحاب الحسين(ع) إلى كربلاء:
 قد يتساءل البعض، لماذا أخرج الإمام (ع) النساء والأطفال معه؟ وألم يكن أكثر أمانًا لهم بأن يبقوا في أماكنهم وهو (ع) كان يعلم علم اليقين بما ستؤول إليه الأمور؟ حول هذه النقطة يتحدث سماحة الشيخ مصطفى الموسى فيقول: "بالنسبة إلى اصطحاب الإمام الحسين عليه السلام للأطفال والنساء فهناك بعدان : 
- بُعد غيبي :  شاء الله أن يراهن سبايا وقوله : "وخير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات" أي أن هذا تخطيط إلهي. 
- البعد الثاني: كانت ثورة الإمام الحسين عليه السلام تحتاج إلى إعلام ضخم بضخامة التضحيات التي قدمت في هذه المعركة البطولية  فكانت النساء والأطفال قنوات إعلامية قدمها الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه".


رغم أن الإمام الحسين (ع) أعطى الحرية لأصحابه بالرحيل عن ركبه، إلا أنهم أصروا على البقاء معه والقتال إلى جانبه، عن سبب بقائهم مع علمهم بأنهم سيتشهدون بين يديه (ع) يقول الشيخ الموسى: 
"هناك أمران :
- الأمر الأول: أمر الغيب وهو يقينهم  وقناعتهم ورؤيتهم الصريحة الواضحة لأماكنهم ومراتبهم عند الله تبارك وتعالى في الجنة.
- الأمر الثاني: الأمر المادي أي أنهم  وجدوا في الحسين عليه السلام الإخلاص والتفاني والوفاء، ومن باب رد الجميل للإمام الحسين قابلوه  بالوفاء والإخلاص والتضحية."
بالانتقال إلى البعد الأخلاقي لهذه النهضة الحسينية، كيف استطاع الإمام (ع) رغم الآلام والصعاب التي واجهها أن يظل محافظًا على هذا البعد الهام والحساس في هذه القضية؟ يجيب سماحة الشيخ مصطفى الموسى بالقول: "حافظ الإمام الحسين عليه السلام على البعد الأخلاقي رغم الصعاب من خلال معرفته بالله وانقطاعه التام الله سبحانه وتعالى، فالإنسان المؤمن لا يمكن أن يخرج عن الخط الأخلاقي حتى في أصعب الظروف والمواقف وهذا واضح وجلّي في علاقة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه بالله تعالى، لقد حافظ الإمام الحسين عليه السلام  على هذا الدين واستمرت هذه الثورة من خلال تضحياته التي كان أساسها  حب الله تبارك الله تعالى، ولو أردنا أن نتأمل علينا أن نرجع إلى كلماته منذ البداية: "أنا ما خرجت أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا"، إذًا كان هدفه من الخروج هدفًا إنسانيًّا مقدسًا وذلك واضح بقوله(ع)  : "من أراد عزًا بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فليخرج من ذل معصية  الله إلى عز طاعته"، إضافة إلى تضحيته لجانب المستضعفين في الأرض والمظلومين، ضحى للناس كلهم لعل وعسى يمكّنهم من الوقوف في وجه الظالم ويطالبون بحقوقهم ويعبدون الله تبارك وتعالى حق عبادة".

وعن أهمية المحافظة على هذه الدروس التي قدمها الحسين (ع) وآل بيته وأصحابه، والتزود الدائم من الثقافة الحسينية يقول سماحة الشيخ: " يمكن الحفاظ على هذه المدرسة العظيمة من خلال تبنينا الثقافة الحسينية ومن خلال تطبيقها على أرض الواقع، ولابدّ لا بلّ من الضروري أن ننقل هذه الثقافة إلى أولادنا، الثقافة الحسينية مهمة جدًا في هذه الأيام تحديدًا حتى نبني الصلة الوثيقة ما بين أولادنا ونهج الإمام الحسين عليه السلام، وحتى يتعلموا الثقافة النقية من مداركها الصحيحة".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد