لقاءات

أمامة مصطفى محمد: على الطفل أن لا يفقد متعة تصفح الكتاب وملامسة لوحاته والاستمتاع بتقليب الصفحات

 

نسرين نجم .. 

ما بين أدب الأطفال والرحلات والأدب الصوفي كتبت قصصًا وروايات مليئة بالمعرفة والثقافة بأسلوب سلس مرن يفهمه الصغير والكبير ويدخل في قلوبهم ويسكن في وجدانهم وتدفعهم ليعيشوا معها ما تكتبه وكأنها مشاهد تحدث أمامهم، الأمر الذي ميّز قلمها وأدبها عن الكثير الكثير من الكتّاب، إنها القاصة والكاتبة أمامة مصطفى محمد اللواتي التي تمتلك في جعبتها العديد من الكتب وعشرات المقالات، والتي أجرينا معها هذا الحوار حول عالم الكتابة:


* أدب الأطفال بين الواقع والمرتجى:
اختارت الكاتبة أمامة اللواتي الكتابة لأنها الوسيلة للتعبير عن الذات وعن مكنونات النفس إلى جانب حبها الفطري للمطالعة وللكتابة فتقول: "كنت أحب القراءة من الطفولة، بدأت بقصص الأطفال والمجلات، وأذكر أني نشرت أول حوار قصير لي كنت قد أجريته مع والدي ونشرتهُ في مجلة ماجد حين كنت في أولى مراحل الدراسة، ثم بدأت أكتب كلما شعرتُ أني بحاجة للتعبير عن أفكاري ومشاعري. ربما كنت أكتب لأني كنت أجد أن الكتابة هي أيسر طريقة لأعبر فيها عن غضبي أو سعادتي أو مشاعري تجاه الآخرين، ثم بالإضافة إلى ذلك شعرتُ أن لدي أفكارًا أريد أن أنقلها للآخرين ولهذا لا يكفي أن أكتب بل يجب أن أنقلها للآخرين عن طريق نشرها في الصحف والمجلات."
البدء برحلة الكتابة جعلتها تعرّج وبنجاح على أدب الأطفال، وعن هذا التوجه وسبب اختيارها لها ومدى أهميته تقول: "لم أكن أخطط للتوجه إلى أدب الطفل، رغم أني أحب تجربتي فيه والتي أعتقد أنها ما زالت في بداياتها. ربما ما جعلني أحب هذا المجال مع الأيام أني أشعر بتعاسة كبيرة كلما كان عالم الطفل غائمًا ومليئًا بالمنغصات والأحزان. الطفل كائن هش بديع، وأحب أن أراه سعيدًا مبتهجًا وأرغب في أمنح الطفل شيئًا ولو ضئيلًا من البهجة والفرح، ويزعجني كثيرًا أن أرى طفلًا حزينًا أو مهمومًا. وللأسف الحروب التي مرت على مجتمعاتنا العربية دمرت أجمل مرحلة في عمر الإنسان وهي مرحلة الطفولة."


تقدم الكاتبة أمامة اللواتي صورة عن واقع وحال أدب الأطفال في عالمنا العربي فتقول: "أعتقد أن هناك أمورًا إيجابية عدة، أشعر بتزايد الاهتمام بأدب الطفل عربيًّا، من خلال الجوائز والمبادرات العربية في هذا المجال، وازدياد دور النشر العربية المتخصصة في مجال الطفل مؤشر إيجابي، ولكن ربما نحن بحاجة إلى مزيد من الدعم لأن واقع أدب الطفل يواجه عدة تحديات منها أن لغات أخرى مثل الإنكليزية أصبحت تنافس اللغة العربية في جانب القراءة، وطريقة تدريس اللغة العربية في المدارس ربما يجب أن تتغير لتجذب الطفل إلى حب اللغة الأم، أعتقد علينا أن نبذل جهودًا جبارة أمام التكنولوجيا الحديثة التي تغزو أوقاتنا قبل أن تغزو أوقات الجيل الجديد، علينا أن نبذل جهودًا أكبر لتكون القراءة الموجهة والقراءة الحرة فرضًا مقدسًا على الطفل في البيت والمدرسة." 
وحول الشروط التي يجب توفرها لمن يتوجه إلى أدب الأطفال، وأيهما أنجح في التوجه للأطفال الكاتب أم الكاتبة لإننا نشهد أكثر من يدخل هذا العالم هن من النساء، تقول: "لا أدري إذا كان بإمكاني وصفها بالشروط، الكتابة في البداية شغف، وحين نشعر بأننا نملك الشغف والاهتمام بمجال معين فهذا أهم حافز، ربما التخيل والإحساس والتفكير كالطفل والاختلاط بالأطفال وسماع حكاياتهم يساعد على الكتابة إلى جانب القدرة على التخيل وتحويل المعلومات الصعبة إلى معلومات يمكن للطفل أن يستوعبها. نعم ربما المرأة الكاتبة أكثر قربًا من هذا العالم، رغم أن في عالمنا العربي أسماء معروفة في مجال الكتابة للطفل من الرجال أيضًا."


* السفر يقوي الإحساس بالجمال والفن والحياة:
تعشق الكاتبة أمامة مصطفى محمد اللواتي السفر، فما الذي يضيفه هذا الأخير على المخزون الثقافي والأدبي؟ وكيف استفادت منه في عالم الكتابة؟ تقول: "السفر يلهمني ويغيرني، ويجعلني أعيد تقييم ما حولي في كل مرة، فالتجارب التي نعيشها في السفر، والأماكن التي نزورها تقوي إحساسنا بالجمال والفن والحياة وحب التنوع وتقبل الاختلافات. أحرص في كل مرة أزور فيها بلدًا أن ألتقط عدة أشياء من ثقافة ذلك البلد سواء على شكل صور فوتوغرافية أو كتاب أو قرص موسيقي، أحرص على زيارة الأماكن التاريخية والطبيعية والمتاحف إن أمكن. هناك الكثير من الأفكار التي استوحيتها من السفر والتي لم أجد بعد الوقت الكافي لاستثمارها بشكل منظم في الكتابة. ومع ذلك جربت كتابة ونشر عدد من المقالات في أدب الرحلات".

إلى أي حد تعكس الكتابة بأنواعها وفنونها المتنوعة شخصية الأستاذة أمامة اللواتي؟ تجيب عن هذا السؤال بالقول: "المجالات التي أكتب بها تعكس اهتماماتي وأفكاري بالدرجة الأولى. حين أكتب علي أن أكون مقتنعة بما كتبته، وهناك عدد من المجالات التي لم أرغب الكتابة فيها لأني وجدت نفسي لا أستطيع أن أعطي فيها من أفكاري ومشاعري بالصدق الكافي. أحب الفنون والموسيقى والأدب وأحب القراءات الجادة في الثقافة والفكر والسياسة، وفي أغلب الأوقات قد يشتت هذا من تركيزي على التخصص في مجال محدد لكني سعيدة بهذا التشتت." 
تقول اللواتي في إحدى مقابلاتها بأنها إذا أرادت إصدار ديوان شعري سيكون إصدارًا إلكترونيًّا أما بالنسبة لقصص الأطفال فسيكون الإصدار ورقيًّا. لماذا؟: "أعتقد وقد أكون مخطئة أن الناس لا يقرأون الشعر إلا لشخصيات معروفة يحبون متابعتها، أكتب الشعر من فترة لأخرى، لكن لا أعتقد أن ذلك كافٍ ليجعل الناس يقبلون على شراء الديوان الشعري، وبالتالي فقد شعرت أنه من الأنسب أن يكون الكترونيًّا فيصبح سهلًا على الناس الوصول إليه وقراءته وهذا هو هدفي بالأساس أن أشجع القارئ على قراءة الديوان رغم أني شخصيًّا لا أحب القراءة الإلكترونية. أما قصص الأطفال فلها سوقها ومعاييرها الخاصة، إلى جانب أني لست من مؤيدي الكتاب الإلكتروني بالنسبة للطفل، بل أرى أن الطفل يجب أن لا يفقد متعة تصفح الكتاب وملامسة لوحاته والاستمتاع بتقليب الصفحات، وحمل الكتاب معه بين أركان المنزل."
بالانتقال إلى الشعر، أي نوع من الشعر تكتب أمامة اللواتي ولمن؟ تقول: "أكتب الشعر الحر، وهي في الغالب نصوص قصيرة تعبر عن لحظات وأحاسيس معينة. نشرت مجموعة شعرية واحدة قبل عدة سنوات تحت عنوان (راحلٌ برفقة الملائكة)، وأنشر قصاصات منوعة في حسابي على الفيسبوك". وما بين أدب الأطفال والكتابة والشعر والتعليم والإعلام أين تجد نفسها أكثر؟ تجيب: "دائمًا أتوقف للتفكير في هذا السؤال في كل مرة أتلقاه لعلني أصل إلى إجابة مختلفة. ولكني بصدق أترك نفسي للوقت والفكرة والمزاج. ما قادني إلى الإعلام هو حبي للكتابة والمعرفة، وما قادني للشعر حبي للفنون، وما قادني للكتابة للأطفال هو لحظة الإلهام من حكايات أبنائي، وما زلت أعيش كل هذه الأوقات بشكل متوازٍ، فلا أنا أقدر أن أفصل نفسي عن إحداها ولا أقدر أن أهب نفسي كلية لإحداها أيضًا."


تقدم لنا الأستاذة أمامة اللواتي صورة عن حال المرأة العُمانية، التي استطاعت أن تحجز لها مكانة على الصعد الأدبية والفكرية والعلمية، فماذا عن المرأة العربية؟ ترى بأن: "المرأة العُمانية إمراه أصيلة ومثابرة، والمناخ العام الذي نعيش فيه في عُمان جعلنا قادرين على الانفتاح وتلقي العالم ببساطة وإخلاص. هناك الكثير من النساء العمانيات غير المعروفات ربما إعلاميًّا لكنهن نساء متواضعات، يقدمن لمجتمعهن ما يقدرن عليه من حب وعطاء. ربما ينقصنا التعريف بهن عربيًّا والترويج لهن، وأعتقد أن المرأة العربية بشكل عام امرأة معطاءة ودافئة، ولكنها أصبحت ضحية لكثير من الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلدان العربية".
أما عن طموحها، فهل له من سقف محدد؟ تجيب: "أؤمن بأن الحديث عن الطموحات يجعلها تتأخر.. ولا سقف للطموح، لكن الرضا هو غاية القلب والُمنى". وحول مشاريعها الحالية والمستقبلية تقول: "يصدر لي حاليًّا كتاب بعنوان (قطب المعشوقين: (رسائل إلى جلال الدين الرومي) عن دار سؤال، بيروت، وقصة (الفيل والمهندس نعمان) للأطفال عن دار أصالة بيروت، و(سر الأسئلة الغريبة) للأطفال عن بيت الزبير، سلطنة عُمان. ومؤخرًا دخلت في تجربة التسجيل الإذاعي للكتب المسموعة وهي تجربة أتطلع إلى تكرارها بشوق كبير وربما بشكل أكثر تركيزًا في المستقبل."
وبكلمة أخيرة لمن يرغب بدخول عالم الكتابة تقول الكاتبة أمامة اللواتي: "أن نقرأ، ونحلل ونناقش ما نقرأ. فلا يكفي أن نقرأ فقط ولا ينعكس ذلك على حياتنا وطريقة عيشنا، يجب أن تكون لنا رؤية خاصة في الحياة من حولنا، أن نكتب بوعي وصدق. وأخيرًا سأقول ما أحاول أن أفعله بشكل صحيح قدر الإمكان: الكتابة بلغة سليمة وأفكار واضحة ولغة سلسلة."

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد