مجلة شعائر
بعد أن قضى المأمون العبّاسي على سلطة أخيه الأمين في بغداد واستوى الأمر له، أخذ يكاتب الإمام الرضا عليه السّلام ليستقدمه إلى خراسان، فاعتذر عليه الإمام بأعذار. فلم يَزَل يكاتبه في ذلك، وتوالى عليه الاستدعاء بعد الاستدعاء، فكان لا بدّ من الرحيل، حفظاً للنفس والأهل، بل حفظاً للدِّين، واستجابةً لأمر الله تبارك وتعالى. فخرج الإمام الرضا من مدينة جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكان ذلك سنة 200 للهجرة، حيث بعث المأمون برجاء بن أبي الضحّاك لإشخاصه، صلوات الله عليه، وقد كتب إليه أن يسير على طريق البصرة -العثمانيّة الهوى- ثمّ الأهواز، ففارس (شيراز).
وحذّره من أن يمرّ على: الكوفة -وهي علويّة الهوى- ثمّ بلاد الجَبَل [أي همدان ونهاوند وطبرستان] وقمّ، «لئلاّ يُفتتَنَ به أهلها».. ذلك أنّ أهل الكوفة من شيعة أهل البيت عليهم السّلام، وكان المأمون يُعرب عن مخاوفه منهم، ويقابل وفدهم بالغلظة والجفاء.
يقول مُحول السجستانيّ: «لما ورد البريد بإشخاص الرضا عليه السّلام إلى خراسان، كنت أنا بالمدينة، فدخل المسجد ليودّع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فودّعه مراراً...كلّ ذلك يرجع إلى القبر ويعلو صوته بالبكاء والنحيب، فتقدّمت اليه وسلّمتُ عليه فردّ السلام... وهنّأته [أي بولاية العهد]، فقال عليه السلام: (ذَرْني، فإنّي أخرجُ من جوار جدّي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأموتُ في غربةٍ...). فخرجتُ متّبعاً لطريقه حتّى مات بطوس، ودُفِن إلى جنب هارون».
ويستعدّ الركب للرحيل، فيدخل الإمام عليه السّلام، على عياله يجمعهم... ثمّ يقول: «أما إنّي لا أرجع إلى عيالي أبداً».
ثمّ نصّ على إمامة ولده أبي جعفر الجواد عليه السّلام، وأشار إليه وأوصى به، قال: «هذا أبو جعفر، قد أجلستُه مجلسي، وصيّرتُه مكاني..».
وهكذا بدأت الهجرة القسريّة من مدينة حبيب الله صلّى الله عليه وآله، وعبر مراحل طويلة، أوّلها في البيت الحرام.
* مكّة المكرّمة: عن أُميّة بن عليّ، قال: «كنت مع أبي الحسن الرضا عليه السّلام، بمكّة، في السنة التي حَجّ فيها ثمّ صار إلى خراسان، ومعه ابنه أبو جعفر الجواد عليه السّلام. وأبو الحسن عليه السّلام يودّع البيت.
فلمّا قضى طوافه عَدَل إلى المقام فصلّى عنده، فصار أبو جعفر -وعمره الشريف أربع سنوات- على عُنق مُوفَّق الخادم يطوف به، فلمّا صار إلى الحِجْر جلس فيه فأطال، فقال له موفَّق: قُمْ جُعِلت فداك، فقال أبو جعفر: (ما أُريد أن أبرحَ من مكاني هذا، إلاّ أن يشاء الله). واستبان في وجهه الغمّ. فأتى موفّقٌ أبا الحسن الرضا عليه السّلام، فقال: جُعلت فداك، قد جلس أبو جعفر في الحِجر وهو يأبى أن يقوم. فقام أبو الحسن فأتى أبا جعفر عليه السّلام، فقال له: (قُمْ يا حبيبي).
فقال: (ما أُريد أن أبرح من مكاني هذا... كيف أقوم وقد ودّعتَ البيتَ وداعاً لا ترجع إليه؟!).
فقال: قم يا حبيبي! فقام معه».
ومن مكّة المكرّمة تبدأ الهجرة من جديد، نحو:
* البصرة: هنالك عدّة منازل ما بين مكّة والبصرة:
- القادسيّة: تبعد عن الكوفة نحو 25 كيلومتر، فيكون الركب الرضويّ قصدها من مكّة عبر طريق البادية. عن أحمد بن محمّد البزنطيّ، قال: «استقبلتُ الرضا عليه السّلام إلى القادسيّة، فسلّمت عليه، فقال لي: إكْتَرِ لي حجرةً لها بابان: باب إلى الخان، وباب إلى خارج؛ فإنّه أستَر عليك..».
- النِّباج: سار الإمام الرضا عليه السّلام، سار من القادسيّة في ما بعُد عن طريق البرّ حتّى وصل «النِّباج»، وهي قرية بالبادية على طريق البصرة.
* الأهواز: وهو بلدٌ معروف بـ«خوزستان»، كان يُسمّى في ذلك العصر بـ«سُوق الأهواز». عن أبي هاشم الجعفريّ، قال: «كنت بالشرقيّ من آبيدج، فلمّا سمعتُ به –أي بالرضا عليه السلام- سرتُ إليه بالأهواز، وانتسبتُ له، وكان أوّلَ لقائي له..».
* قنطرة أربق: وهي قرية في (رامْهُرمُز) من نواحي خوزستان. عن جعفر بن محمّد النوفليّ قائلاً: «أتيتُ الرضا وهو بـ(قنطرة أربُق)، فسلّمت عليه وقلت: جُعلت فداك، إنّ أُناساً يزعمون أنّ أباك حيّ.
فقال: كذبوا لعنهم الله، ولو كان حيّاً ما قُسّم ميراثه...
فقلت له: ما تأمرني؟
قال: عليك بابني محمّدٍ من بعدي، وأمّا أنا.. فإنّي ذاهبٌ في وجه الأرض لا أرجع منه، بُورك قبرٌ بطوس، وقبران ببغداد..».
* مفازة: يذكر بعض الجغرافيّين والمؤرّخين أنّ الإمام الرضا عليه السّلام، اتّجه نحو فارس (شيراز) ثمّ إلى يَزد.. عابراً على تُستَر (شُوشتَر) و(دزفول)؛ فهناك مساجد كثيرة مُسمّاة باسم الإمام الرضا عليه السّلام، يُظنّ أنّها بُنيت على البقاع التي تشرّفت بصلاته عليها، كما أنّ هنالك أماكن معروفة بـ«موضع القدم المبارك للإمام الرضا عليه السّلام» تسمّى بالفارسيّة بـ«قدَمْگاه»، وأراضيَ عديدة ومقاطعات قد ارتبطت أسماؤها باسمه الشريف.
بعدها لا بدّ أن يأخذ الركب الرضويّ الشريف طريق الصحراء، من يزد إلى خراسان. ولعلّ هذه المنطقة الصحراويّة هي التي يُطلَق عليها في الأخبار بـ«المفازة الكبيرة»، والتي يُقال لها اليوم «كَوِير لُوط» أو «كَوِير نَمَك»..
أمّا الرواية المنقولة الثابتة، والمثبِتة أنّ الإمام الرضا عليه السّلام، مرّ على هذه المنطقة.. فهي رواية محمّد بن حفص الذي قال:
«حدّثني مولى العبد الصالح أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام، قال: كنتُ وجماعة مع الرضا عليه السّلام، في مفازة، فأصابنا عطشٌ شديد ودوابَّنا، حتّى خفنا على أنفسنا، فقال لنا الرضا عليه السّلام: (إيتوا موضعاً -وصَفَه لنا- فإنّكم تُصيبون الماء فيه).
فأتينا الموضع فأصَبنا الماء، وسَقينا دوابَّنا حتّى رَوِيت ورَوِينا ومَن معنا من القافلة، ثمّ رَحَلنا، فأمرَنا عليه السّلام بطلب العين، فطلبناها فما أصبنا... ولم نجد للعين أثراً..».
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد محمد باقر الحكيم
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ باقر القرشي
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان