مقدمة
عندما يولد الإنسان يكون قد بدأ رحلة حياته التي قد تعمر سنوات طويلة حيث يواجه قدراً مجهولاً محفوفاً بالمخاطر فيه ما فيه من الأمال والآلام، ولكن رغم ذلك فإنه لا ينفك يموج بين أسئلة يبحث لها عن أجوبة تناديه صارخة أريد الحقيقة فأنا لا أحب أن أبقى في جهل... فأنا لا أشعر بالأمن ولا بالطمأنينة، ما لم أعرف أجوبة عن هذه الأسئلة... من أنا؟.. من جاء بي إلى هنا؟.. لماذا أنا موجود؟..
ويكتشف مع هذه الأسئلة أنه لا يحب الظلمة... لا يحب الجهل... لا يحب المرض... وإن لم يجد أجوبة شافية عن ذلك سيبقى حيراناً لا يأوي إلى ركن ولا يلتذ بنعمة.
فالإنسان إذن لا يتلاءم مع المجهول لأنه إن بقي في المجهول بقي في الظلمة والجهل وهو لا يحب ذلك.
قال تعالى: ﴿كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا﴾.
هل الدنيا هي الغاية والهدف؟
يمر الإنسان في عمره بمراحل من الطفولة إلى المراهقة فالشباب فالرجولة فالكهولة.. ولكل مرحلة من هذه المراحل سمة خاصة يكون ميل الإنسان فيها إلى تصرف ما أو هوى ما، فهو صغيراً مولع باللعب ثم لا يلبث أن يكبر بعض الشيء حتى إذا بلغ تعلق باللهو والملاهي، ثم إذا ازداد عمراً اشتغل بتحصيل الزينة من الملابس والمراكب (السيارات وغيرها) والمنازل وتعلق بالحسن والجمال، ثم إذا كان كهلاً أخذ بالتفاخر بين أقرانه بحسبه ونسبه وعلمه ومنصبه وماله.. ثم إذا شاب مال إلى الاستكثار من المال والولد. يقول تعالى عن ذلك: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ...﴾ ثم يكمل المولى موضحاً نهاية هذا كله بقوله: ﴿...كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا﴾ هذا في الدنيا... ﴿وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾.
فالدنيا بكل مباهجها فانية ومن وما عليها فان..
إذا كنت لا تصدق انظر حولك.. إلى أمك.. إلى أبيك.. إلى جدك.. لقد كانوا أطفالاً ومراهقين وشباناً و.. وها هم اليوم أمام عينيك شيوخ غزا مفارقهم الشيب وخطت سنوات العمر على وجوههم آثارها وهم الآن في ضعف ومرض.. أين الشباب؟.. أين القوة؟.. أين الجمال؟.. أين النضارة؟..
هل تركت لهم الدنيا شيئاً؟ هل منع مالهم أو عشيرتهم أو قوتهم عنهم الهرم والكبر؟ أبداً..
فهل تريد أن تكون مثل أولئك الذين فنوا في الدنيا فأفنتهم... أم يكونون لك مثالاً وموعظة..
هذه حال الدنيا فهل تستحق أن نفني أعمارنا وقوانا على تحصيلها بدون اعتناء بالحياة الحقة.
يقول الإمام الخميني (هذا الخبير المجرب للحياة): "كر الدنيا وفرها وصعودها وهبوطها (كل ذلك) ينقضي بسرعة وكلنا نسحق تحت عجلات الزمن... ومن خلال ملاحظاتي ومطالعاتي في حال الشرائح المختلفة وصلت إلى هذه النتيجة وهي أن الشريحة المقتدرة والثرية آلامها الداخلية والنفسية والروحية أكبر من سائر الشرائح، إن لهؤلاء آمالاً وتمنيات كثيرة لم يحققوها وهي أشد إيلاماً بل وتحرق الأكباد".
والإمام الصادق عليه السلام أيضاً يخبرنا: "مثل الدنيا كمثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان إزداد عطشاً حتى يقتله". وعن مثل هؤلاء المنكبين على الدنيا الذين جعلوها هدفهم يقول تعالى: ﴿كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ﴾.
فالدنيا لا تشبع جوعاً، ولا تروي ظمأً، لأن هناك ظمأً إلى الحق أشدَّ من الظمأ إلى الماء وهناك ظمأ إلى الحقيقة أشد من ظمأ الأكباد.
ما السبيل إلى الخلاص؟
إذن الدنيا ليست هدفاً ولا تستحق أن تكون هدفاً لأنها فانية ونحن عنها راحلون ولها مفارقون والحياة الحقيقية ليست حياة الأبدان وإنما هي حياة الأنفس.
وأما السبيل إلى هذه الحياة فيقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾.
الحياة التي يدعونا إليها اللَّه والرسول هي الحياة الحقة والتي ننعم فيها باللذائذ التي لا تنتهي وهي التعرف على الذي خلقنا والإهتداء إلى معرفته إذ هو الحقيقة ومعرفته هي الغرض والهدف.
عن الإمام الصادق عليه السلام: "لو يعلم الناس ما في فضل معرفة اللَّه عزّ وجلّ لما مدوا أعينهم إلى ما متع اللَّه به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها وكانت دنياهم أقل عندهم مما يطؤونه بأرجلهم ولنعموا بمعرفة اللَّه عزّ وجلّ وتلذذوا بها تلذذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء اللَّه...". يكمل الإمام عليه السلام: ".. إن معرفة اللَّه عزّ وجلّ أنس من كل وحشة" فلا نستوحش ولا نعيش الغربة. "وصاحب من كل وحدة" لأن اللَّه معنا نشعر بوجوده ونعرفه. "ونور من كل ظلمة" فلا نخاف الظلام. "وقوة من كل ضعف وشفاء من كل سقم" فلا مرض ولا من يحزنون.
فمن ذا يا ترى يبدل ويختار دنيا تفنى وتزول ثم تكون حطاماً على ما يبقى ويدوم ولا يفنى؟ من يختار الدنيا على اللَّه؟ إلا الأحمق.
عن الإمام الصادق عليه السلام: "من تعلق قلبه بالدنيا تعلق قلبه بثلاث خصال: هم لا يفنى وأمل لا يدرك ورجاء لا ينال".
فتوقف لحظة وتفكر هل تختار الحياة الحقة واللذة الدائمة والأمن الذي لا خوف معه وتأتي إلى اللَّه طالباً قربه ملتمساً رحمته خاطباً وده، أو تفني عمرك فيما لا يبقي ولا يسمن ولا يغني من جوع؟!! هل تبصر طريقك الموصل إلى اللَّه أم تظل حائراً تائهاً في ظلمات الدنيا بين شهوة وأخرى، حتى يأتي أمر اللَّه وتلقى حتفك؟!! قرر فبيدك القرار...
الخلاصة
إن الإنسان لا يتلاءم مع المجهول، لأنه إذا بقي في المجهول بقي في الظلمة والجهل وهو لا يحب ذلك.
الدنيا بكل مباهجها فانية ومن عليها، والدنيا لم تترك لأحد شيء ولم تمنعهم من الفناء. لا تستحق الدنيا أن تكون هدفاً لأنها فانية والحياة الحقيقية ليست حياة الأبدان وإنما هي حياة الأنفس. والحياة الحقيقية هي بالتعرف والاهتداء إلى الخالق الرحيم ومعرفته يجب أن تكون الهدف الحقيقي لنا.
بداية الطريق: سلسلة المعارف الإسلامية
حيدر حب الله
عدنان الحاجي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد باقر الصدر
السيد عادل العلوي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
العلاقة بين المعجزة والوحي
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (5)
الزهراء.. الحزن الأبدي
ذاكرة التفاصيل لا يكتمل بلوغها إلا في سن المراهقة عند الأطفال
الصّحيفة الفاطميّة
السّعيد محاضرًا حول آليّات التّعامل الإيجابيّ مع الإنترنت والوسائل الرّقميّة
منتظرون بدعائنا
الشيخ صالح آل إبراهيم: ما المطلوب لكي يكون الزواج سعيدًا؟
آيات الأنفس الأولى
فرضية القائلين بالتكامل، وعدم وجود الحلقة المفقودة