مقالات

الغيرة على المال


الشيخ محمد مهدي النراقي ..
لا تظن أنها ليست ممدوحة لسرعة فناء المال وعدم اعتناء الأخيار ، إذ كل إنسان ما دام في دار الدنيا محتاج إليه ، وتحصيل الآخرة أيضا يتوقف عليه ، إذ كسب العلم والعمل موقوف على بقاء البدن ، وهو موقوف على بدل مما يتحلل عنه من الأغذية والأقوات.
فلا بد لكل عاقل أن يعتني بالمال ويجتهد في حفظه وضبطه ، بعد تحصيله من المداخل الطيبة والمكاسب المحمودة ، ومقتضى السعي في حفظه المعبر عنه بالغيرة عليه ألا يصرفه في مصرف لا تترتب عليه فائدة لآخرته أو دنياه ، كإنفاقه للرياء والمفاخرة والتضيف ، أو بذله على غير المستحقين بلا داع ديني أو دنيوي أو عادي ، أو تمكينه الظلمة والسارقين وأهل الخيانة من أخذه علانية أو سرًّا ، أو عدم مبالاته بتضييعه من غير أن يصل نفعه إلى أحد ، أو إسرافه في بذله ، أو غير ذلك من المصارف التي ليست راجحة بحسب العقل والشرع ولا يعود إليه عوض في الآخرة والدنيا .
بل مقتضى الغيرة عليه أن يصرف‏ جميع أمواله في حياته في المصارف التي تعود فائدتها إلى نفسه ، ولا يترك شيئًا منها لوارثه إلا للأخيار من أولاده ، إذ بقائهم بمنزلة بقائه ، ويترتب على وجودهم - مع حسن حالهم وعيشهم - جميل الذكر وجزيل الثواب له بعد موته ، وكيف يرضى صاحب الغيرة أن يترك ماله الذي أتعب نفسه في اكتسابه وفنى عمره في تحصيله ، ويحاسب عليه في عرصات القيامة ، لزوج امرأته  فيأكله ويجامعها ، وغاية رضى هذه المرأة الخبيثة التي ليست لها حمية ووفاء ، ولا لها مطلوب أهم من مقاربة الرجال ، أن يأكل هذا الرجل صفو ماله ليتقوى على مجامعتها ، وهذا محنة لا يتحمل مثلها أهل الديانة والقيادة ، فضلا عن صاحب الغيرة والحمية ، وقس على ذلك تخليف الأموال لسائر الوراث الذين لا يعرفون الحقوق ، وليسوا من أهل الخير والصلاح والوفاء من أولاد السوء وأزواج البنات ، وسائر الأقارب من الإخوان والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات ، وهؤلاء وإن لم يكونوا بمثابة زوج امرأته ، إلا أن ترك الأموال لهم إذا لم يكونوا من أهل الخير والصلاح ، لا تثمر له فائدة سوى الوزر والوبال ، وذكره بالسوء والشتم والفحش ، كما هو المشاهد في زماننا هذا.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد