من التاريخ

وصيّة الإمام الكاظم عليه السلام لهشام بن الحكَم



* يا هشام: الصبرُ على الوحدةِ علامةُ قوّةِ العقل، فَمَنْ عَقَلَ عن اللهِ، تباركَ وتعالى، اعتزلَ أهلَ الدُّنيا والرّاغبين فيها، ورغِبَ فيما عند ربّه، وكانَ اللهُ أُنْسَهُ (آنِسَهُ) في الوَحْشَة، وصاحِبَهُ في الوحدَة، وغناهُ في العَيْلَةِ [أي الفاقة]، ومُعِزَّهُ في غيرِ عشيرَةٍ.
* يا هشام: مَن صدقَ لسانُه زَكى عملُهُ. ومَن حَسُنَتْ نيّتُهُ زِيدَ في رزقِه. ومن حَسُنَ بِرُّهُ بإخوانِهِ وأهلِهِ مُدَّ في عُمرِه.
* يا هشام: لا تَمنحوا الجُهّالَ الحِكمةَ فتظْلِموها، ولا تَمْنعوها أهْلَها فتظْلِموهُم .
* يا هشام: كما تركوا لكم الحكمةَ فاتركوا لهم الدُّنيا.
* يا هشام: لا دينَ لِمَن لا مروءةَ له، ولا مروءةَ لِمَن لا عقلَ له، وإنَّ أعظمَ النّاسِ قَدْراً الذي لا يَرى الدُّنيا لنفسِه خَطَراً؛ أما إنّ أبدانَكم ليس لها ثمنٌ إلّا الجنّة، فلا تَبيعوها بغيرِها.
* يا هشام: إنَّ أميرَ المؤمنين عليه السّلام، كانَ يقولُ: «لا يجلسُ في صدرِ المجلسِ إلّا رجلٌ فيه ثلاثُ خصالٍ: يُجيبُ إذا سُئِل، وينطقُ إذا عجِزَ القومُ عنِ الكلام، ويشيرُ بالرّأيِ الذي فيه صلاحُ أهلِه، فمَنْ لم يكنْ فيه شيءٌ منهنّ فجلسَ فهو أَحمقُ»....

وقالَ عليُّ بنُ الحسينِ عليهما السلام: «مُجالسةُ الصّالحينَ داعيةٌ إلى الصَّلاحِ، وأدبُ العلماءِ زيادةٌ في العقلِ، وطاعةُ ولاةِ العدلِ تمامُ العزِّ، واستثمارُ المالِ تمامُ المُروءَةِ [أي بالكسب والتجارة]، وإرشادُ المستشيرِ قضاءٌ لِحقِّ النّعمة، وكَفُّ الأذى مِن كمالِ العقلِ وفيه راحةُ البدنِ عاجِلاً وآجِلاً».
* يا هشام: إنَّ العاقلَ لا يُحدِّثُ مَن يخافُ تَكذيبَه، ولا يسألُ مَن يخافُ مَنْعَه، ولا يَعِدُ ما لا يقدرُ عليه. ولا يرجو ما يُعَنَّفُ برجائِه [أي لا يرجو فوق ما يستحقّه فيُوبَّخ]، ولا يتقدّمُ على ما يخافُ العجزَ عنه.
وكان أميرُ المؤمنين عليه السلام يُوصي أصحابَه يقولُ: «أوصيكمْ بالخَشيةِ مِن اللهِ في السّرِّ والعَلانية، والعدلِ في الرِّضا والغَضب، والاكتسابِ في الفقرِ والغِنى، وأن تَصِلوا مَنْ قَطعَكُم، وتَعْفُوا عَمَّن ظلمَكُم، وتَعْطِفوا على مَنْ حَرَمَكُم، وَليكُن نظرُكم عِبَراً، وصَمْتُكم فِكراً، وقوْلُكُمْ ذِكْراً، وطبيعتُكم السَّخاء، فإنّه لا يدخلُ الجنّةَ بخيلٌ، ولا يدخلُ النّارَ سخِيٌّ».
* يا هشام: رَحِمَ اللهُ مَنِ استحيا مِنَ الله ِحقَّ الحَياء، فحَفِظَ الرّأسَ وما حَوى، والبطْنَ وما وَعى، وذَكَرَ الموتَ والبِلى، وعَلِمَ أنَّ الجنّةَ محفوفةٌ بالمكارِه، والنّارَ محفوفةٌ بالشَّهوات .
* يا هشام: مَن كَفَّ نَفسَهُ عن أعراضِ النّاسِ أقالَهُ اللهُ عثرتَهُ يوْمَ القيامَة. ومن كفَّ غضبَهُ عنِ النّاسِ كفَّ اللهُ عنه غضبَهُ يومَ القيامَةِ .
* يا هشام: إنَّ العاقلَ لا يكْذِبُ وإنْ كانَ فيه هواه .
* يا هشام: وُجِدَ في ذُؤابةِ سيفِ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إنَّ أَعْتى النّاسِ على اللهِ مَنْ ضربَ غيرَ ضاربِه وقتلَ غيرَ قاتلِه. ومَنْ تولّى غيرَ مَواليه فهو كافرٌ بما أنزلَ اللهُ على نبيِّهِ محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم. ومَنْ أحدثَ حَدَثاً [الحدَث: هنا بمعنى البِدعة في الدّين]، أو آوى مُحْدِثاً، لم يقْبلِ اللهُ منه يومَ القيامةِ صَرْفاً ولا عَدْلاً» .[الصَّرف والعَدل: التوبة والفِدية]
* يا هشام: أفضلُ ما يتقرّبُ به العبدُ إلى اللهِ، بعد المعرفةِ به، الصلاةُ وبرُّ الوالدين وتركُ الحسدِ والعُجبِ والفَخْر .
* يا هشام: أصْلَحُ أيّامِكَ الذي هو أمامَكَ، فانظرْ أيَّ يومٍ هو وأَعِدَّ له الجوابَ، فإنَّكَ موقوفٌ ومسؤولٌ. وخذْ موْعِظتَك من الدّهرِ وأهلِهِ، فإنَّ الدَّهرَ طويلةٌ قصيرة؛ فاعملْ كأنَّك ترى ثوابَ عملِكَ لتكونَ أطمعَ في ذلك. واعقلْ عنِ الله وانظرْ في تصرّفِ الدّهرِ وأحوالِه، فإنَّ ما هو آتٍ مِن الدُّنيا، كَما ولّى مِنها، فاعتبرْ بها. [طولُ الدّهر وقِصَره: قيل إن المعنى بلاحظ دَهْر الفرد والدهر بالمعنى العام]

وقال عليُّ بنُ الحسين عليهما السلام: «إنَّ جميعَ ما طلعتْ عليه الشّمسُ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها، بَحرِها وبرِّها، وسهلِها وجبلِها، عند وليٍّ من أولياءِ اللهِ وأهلِ المعرفةِ بحقِّ اللهِ كَفَيْءِ الظَلال» - ثمّ قال عليه السلام: «أَوَلَا حُرٌّ يدَعُ هذه اللُّماظَةَ لأهلِها[اللّماظة كناية عن الدّنيا، وهي بقايا الطعام في الفم]، فليس لأنفسِكُم ثمنٌ إلّا الجنّة فلا تَبيعوها بغيرِها، فإنَّه من رَضِيَ مِنَ الله بالدّنيا فقد رَضِيَ بِالخَسيس».
* يا هشام: إنَّ كُلَّ النّاسِ يُبصِرُ النّجومَ ولكنْ لا يَهتدي بِها إلّا مَنْ يَعرِفُ مَجارِيَها وَمنازِلَها. وكذلك أنتم تدرسونَ الحكمةَ ولكنْ لا يَهْتدي بها منكم إلّا مَنْ عَمِلَ بها.
* يا هشام: إنَّ المَسيحَ عليه السلام قالَ للحَواريّينَ: «... وإنَّ صِغارَ الذُّنوبِ ومُحَقَّراتِها مكائدُ إِبليسَ، يُحقِّرُها لكم وَيُصَغِّرُها في أَعْيُنِكُم فتجتمعُ وَتَكثرُ فتحيطُ بكم. بِحقٍّ أقولُ لَكُمْ: إِنَّ النّاسَ في الحِكمةِ رَجُلانِ: فَرَجُلٌ أتْقَنها بقولِهِ وَصدَّقَها بفعلِه. ورجلٌ أتقنَها بقولِه وضَيَّعَها بسوءِ فعلِه، فَشتّانَ بينَهُما، فَطوبى للعلماءِ بالفعلِ وويلٌ للعلماءِ بالقول.... واجْعلوا قلوبَكُم بيوتاً للتَّقوى. ولا تَجْعلوا قلوبَكُم مَأْوى للشَّهَوات. إِنَّ أَجْزَعَكُمْ عندَ البَلاءِ لَأَشدُّكُمْ حبّاً للدُّنيا، وإنَّ أصْبرَكُم على البلاءِ لأَزهدُكُمْ في الدُّنيا..».
* يا هشام: .. وإنَّ شرَّ عبادِ اللهِ مَنْ تَكْرَهُ مُجالسَتَهُ لفُحْشِه...
* يا هشام: إنَّ الزّرعَ يَنبتُ في السّهلِ ولا ينبُتُ في الصّفا، فكذلك الحِكمةُ تَعمُرُ في قلبِ المُتواضعِ ولا تعمُرُ في قلبِ المُتكبِّرِ الجبّار، لأنَّ اللهَ جعلَ التّواضعَ آلةَ العقلِ، وجعلَ التَّكَبُّرَ من آلةِ الجهل، ألمْ تعلمْ أنَّ مَنْ شَمَخَ إلى السَّقفِ برأسِهِ شَجَّهُ، ومَن خَفَّضَ رأسَهُ استظلَّ تحتَهُ وَأَكَنَّهُ (أي سترَه)؛ وكذلك مَنْ لمْ يتواضعْ لله خَفَضَهُ اللهُ، ومَن تواضَعَ للهِ رفَعَهُ.
* يا هشام: ما أقبحَ الفَقْرَ بَعْدَ الغِنى، وَأَقْبَحَ الخطيئةَ بعدَ النُّسْكِ؛ وأقبحُ مِنْ ذَلِكَ العابدُ للهِ ثمّ يَتركُ عبادَتَهُ...

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد