علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. حسن أحمد جواد اللواتي
عن الكاتب :
طبيب وكاتب ومترجم، صدر له كتاب (المصمم الأعظم: قراءة نقدية في كتاب التصميم العظيم للبروفيسور ستيفن هوكنج)، كما ترجم الرواية الفلسفية (البعد الضائع في عالم صوفي) للمؤلف محمد رضا محمد اللواتي ونشرت الرواية في الولايات المتحدة الأمريكية. Maitham6@gmail.com

سرعة الضّوء

اعتمد آينشتاين على أمرين فرضهما قبل تأسيس النّسبيّة الخاصّة وهما: الفرض الأول هو أنّ قوانين الطّبيعة لا تختلف في الأطر المرجعيّة الّتي لها سرعة واتجاه ثابت (الأطر المرجعيّة بالقصور الذاتي) Inertial Reference Frames، ما الذي يعنيه هذا؟

 

..... الإطار المرجعيّ Reference frame هو تلك المحاور المكانيّة التي نستعملها لنقارن حركة الأجسام بها، فلو كنت في غرفة وتراقب حركة طفل يتحرّك فيها، فإنّ إطارك المرجعيّ هو محاور الغرفة الهندسيّة (الأرضيّة والجدران)، أما لو كنت في طائرة تطير بسرعة ثابتة على ارتفاع ثابت وباتجاه ثابت، فإنّ إطارك المرجعيّ هو محاور كابينة الطّائرة، لأنّك تحتاج إلى مقارنة حركة أيّ جسم داخل الكابينة بجدران الكابينة وأرضيّتها، حتى تستطيع تحديد الحركة والسّكون داخل الكابينة، وهكذا، أمّا الإطار المرجعيّ بالقصور الذّاتيّ، فالمقصود منه هو أنّ الطّائرة التي أنت بها (أو أيّ إطار مرجعيّ تستخدمه) يتحرّك بسرعة ثابتة، وفي المقابل لو كنت في طائرة أثناء إقلاعها، فإنّ تلك الطّائرة لا تعدّ في تلك اللّحظة إطارًا مرجعيًّا بالقصور الذّاتيّ، لأنّها تتسارع وتغيّر من سرعتها، ولكن بعد أن تستقرّ الطّائرة في الجوّ وتثبت سرعتها وارتفاعها، فإنّها تعدّ إطاراً مرجعيًّا بالقصور الذّاتيّ.

 

ما يريد آينشتاين قوله في الفرض الأوّل للنّسبيّة الخاصّة، هو أنّ قوانين الفيزياء لا تختلف من إطار مرجعيّ لآخر، طالما أنّ تلك الأطر المرجعيّة كلّها لها سرعة ثابتة وليست في حالة تسارع. والسّبب في هذا هو أنّه في غياب التّسارع (والتّباطؤ) لا يمكن تمييز أيّ حركة عن أخرى، وبالتّالي لا يمكن تمييز أيّ إطار مرجعيّ عن آخر في عدم وجود التّسارع.

 

الفرض الثّاني هو أنّ سرعة الضّوء في الفراغ، لا تعتمد على سرعة مصدر الضّوء، أي أنّه لو كان هناك مصباح على سطح الأرض، ومصباح آخر على مركبة فضائيّة تتحرّك بسرعة كبيرة، فإنّ شعاع الضّوء الصّادر عن المصباحين، ستكون لهم نفس السّرعة. هذا الأمر غريب علينا بعض الشيء، فقد تعوّدنا أنّ سرعة الأجسام المتحرّكة في أطر مرجعيّة متحرّكة تكون تراكميّة، فعندما تقذف بكرة داخل قطار متحرّك (في نفس اتّجاه تحرّك القطار) فإنّ سرعة الكرة إذا رصدها مراقب من خارج القطار ستكون سرعة الكرة نفسها مضافًا إليها سرعة القطار، ولكن لو كنت في القطار نفسه، وبدلًا من أن تقذف الكرة، فإنّك أطلقت شعاعًا من الضوء في الاتجاه نفسه لحركة القطار، فإنّ سرعة الشّعاع ستكون نفسها، سواء رصدت تلك السّرعة من داخل القطار أم من خارجه. ما الذي جعل آينشتاين يضع هذا الفرض؟

 

جيمس كلرك ماكسويل عالم الفيزياء والرّياضيّات الإسكتلنديّ كان يعمل على فيزياء الموجات الكهرومغناطيسيّة وفي عام 1865 طرح النّظريّة الدّيناميكيّة للمجال الكهرومغناطيسيّ، والتي كانت معادلاتها تشير إلى أنّ سرعة الموجات الكهرومغناطيسيّة لا تعتمد على سرعة مصدر تلك الموجات، ومن ناحية أخرى فإنّه وجد عند حساب سرعة الموجات الكهرومغناطيسيّة أنّها هي نفسها سرعة الضّوء في الفراغ، مما جعله يستنتج أنّ الضّوء هو نوع من الموجات الكهرومغناطيسيّة وبالتّالي فإنّ سرعة الضّوء لا تعتمد على سرعة المصدر وحركته.

 

ولكن لم يقتصر الأمر على الحسابات النّظرية، ففي عام 1887 أجرى العالمان الأمريكيّان ألبرت مايكلسون وإدوارد مورلي تجربة لقياس سرعة الضّوء في اتجاهات مختلفة، وكانت النّتيجة أنّ سرعة الضوء ثابتة لا تتغيّر، وتمّ تكرار التّجربة عدّة مرات على مدى سنوات، وفي بعض المرّات تمّ قياس سرعة الضّوء الصّادر من الشّمس في مواقع مختلفة للأرض حول الشّمس لحساب أيّة فروقات في سرعة الضّوء، كنتيجة لحركة الأرض في الإطار المرجعيّ لدوران الأرض حول الشّمس، ولو كانت سرعة الضّوء تزداد وتنقص حسب حركة مصدره، لكانت سرعة الضّوء في مختلف فصول السّنة مختلفة، ولكن سرعة الضوء المقيسة كانت نفسها في كلّ الأحوال.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد