لن نبحث عن الإجابة من زاوية الدمار الذي يمكن أن يسببه هذا الاختلال الكوني، لأنه قد يكون أشبه باللحظات الأولى للقيامة. ولكن هذا التساؤل يمهد لنا استيعاب تصورين مختلفين لمفهوم الجاذبية. وهما في الحقيقة تصوران ليسا متناقضين، ولكن يكملان بعضهما البعض، أو على نحو الدقة، إن أحدهما يمثل رؤية أكثر شمولية من الآخر.
هناك في تاريخ البشرية لحظات فارقة في التاريخ تدفع بالإنسان نحو منعطفات جديدة وتفتح له آفاقًا أرحب بعدما كانت رؤيته للحياة محدودة. وحركة الإنسان في فهم الكون هي أيضًا تمر بلحظات استثنائية تسهم في دفع عجلة المعرفة إلى الأمام بسرعة أكبر.
لقد كان الإنسان يجهل لماذا يدور القمر حول الشمس؟ وكيف تعمل المنظومة الشمسية؟ ولماذا تتخذ الكواكب هذه المسارات المحددة في دورانها حول الشمس؟. أسئلة من هذا النوع لم يكن الإنسان يعلم على نحو الدقة الإجابة عليها. وفي لحظة فارقة في التاريخ، لحظة تبدد جهل الإنسان أمام هذه التساؤلات، وتمكّن من الإجابة عليها بعد مئات من السنين التي ظلت تشكل لغزًا كبيرًا مستعصيًا عليه. البداية كانت عادية جدًّا تسقط تفاحة من الشجرة التي يجلس بجانبها إسحاق نيوتن الذي عاش قبل ثلاثمائة سنة، فتثير في ذهنه هذا التساؤل ما الذي جعل التفاحة تسقط باتجاه الأرض؟ ولماذا لم تتخذ مسارًا آخر؟
لابد إذن من قوة تجذب هذه التفاحة نحو الأسفل هذه القوة أسماها الجاذبية. إذن هي الجاذبية التي أسقطت التفاحة وهي أيضًا السبب في بقائنا وجميع الأجسام الأخرى ثابتين على الأرض، وأبعد من ذلك هي التي تبقي القمر في مساره حول الأرض، وتبقي الأرض في مسارها حول الشمس. وبهذا استطاعت جاذبية نيوتن أن تفسر لنا حركة بلايين من الكواكب والمذنبات في مساراتها المختلفة في الكون. لم يكن يعلم الإنسان قبل نيوتن أن سقوط التفاحة نحو الأرض وحركة القمر حول الأرض وكذلك حركة الكواكب حول الشمس يحكمها المبدأ نفسه، إنه قانون الجاذبية. وبهذا استطاع نيوتن أن يربط السماء بالأرض من خلال قانون الجاذبية الذي اكتشفه.
إن تصور نيوتن للجاذبية يقوم على أن جميع الأجسام في الكون تجذب بعضها البعض بقوة جاذبة. وقد استفاد نيوتن من تحليلات العالم كبلر لحركة الكواكب في المنظومة الشمسية ليستنتج أن مقدار هذه القوة بين جسمين يعتمد على مقدار كتلتيهما والمسافة بينهما. بحيث إن هذه القوة تزداد كلما زادت كتلة أحدهما أو كلاهما. وهي كذلك تؤكد على أن هذه القوة تزداد كلما صغرت المسافة بين الجسمين وتقل كلما كبرت المسافة بين الجسمين.
وبهذا القانون الكوني استطاع الإنسان أن يفهم ديناميكية الحركة الكونية. ولا يزال هذا القانون يحسب لنا بدقة مسارات الصواريخ المنطلقة في الفضاء من أجل الاستكشاف أو من وضع قمر صناعي في مداره حول الأرض. إن ما يستطيع أن يتنبأ به هذا القانون متوافق مع ما تأخذه الأجسام المختلفة من مسار محدد أثناء حركتها. لكن مع كل هذا الإنجاز العلمي الكبير ظل معنى الجاذبية غامضًا. لم يفسر لنا نيوتن ما هي حقيقة الجاذبية؟
وهنا احتاجت البشرية إلى ثلاثمائة سنة بعد نيوتن لتضعنا أمام تصور جديد للجاذبية. هذا التصور الجديد برؤيته الشمولية فتح للإنسان آفاقًا واسعة للمعرفة. وما زالت البشرية تفتح بهذه الرؤية الجديدة أبواب المعرفة الكونية. لقد وضع آينشتاين صاحب هذه الرؤية الجديدة للجاذبية البشرية أمام لحظة فارقة في المعرفة البشرية. والبداية كانت من مكتب براءة الاختراع الذي كان يعمل به في ألمانيا. لقد كان مهتمًّا بسلوك الضوء. وقد قاده هذا التفكير إلى اكتشاف النظرية النسبيّة. وأحد أركان هذه النظرية يقوم على اعتبار أن سرعة الضوء سرعة مطلقة لا يمكن لجسم أو موجة أن تتجاوزها. لقد وضع آينشتاين السقف النهائي للسرعة في الكون وبالتالي فإن أي حدث أو اضطراب في هذا الكون لا يمكن أن ينتقل من مكان إلى مكان آخر بسرعة أكبر من سرعة الضوء. يمكن لهذه الاضطرابات أن تنتقل بسرعة أقل ولكنها لن تتمكن من الانتقال بسرعة أكبر من سرعة الضوء. هذه الفكرة التي تجعل من الضوء سرعة مطلقة (ليس لجسم أو موجة أن تتجاوزها) اصطدمت مع التصور النيوتني للجاذبية!
ولكي نفهم كيف يتعارض تصور آينشتاين للكون وللجاذبية مع التصور النيوتني، سوف نفترض أنه في لحظة مرعبة وبدون سابق إنذار، اختفت الشمس من المنظومة الشمسية فما الذي سيحدث لمسار الأرض؟
إن نظرية نيوتن للجاذبية تفترض أن جسمًا يبذل قوة جذب على جسم آخر، فإن هذه القوة تعتمد فقط على كتلة هذين الجسمين والمسافة بينهما. فأي تغير في كتلتيهما أو في المسافة الفاصلة بينهما، فإن القوة بين هذين الجسمين ستتأثر على الفور. وبناء على هذه النظرية فإن الأرض ستغير مسارها في لحظة اختفاء الشمس وبدون أدنى تأخير. ولكن ذلك يتعارض مع حاجز السرعة الذي افترضه آينشتاين. حيث لا يمكن لأي اضطراب أو حدث في هذا الكون أن ينتقل من مكان إلى آخر بسرعة تتجاوز سرعة الضوء. وهذا يعني أن هناك قصورًا في نظرية نيوتن يجب معالجته. أي لا يمكن لمسار الأرض أن يتغير بشكل لحظي وآني بعد اختفاء الشمس بل سيحتاج لبعض الوقت. وإن اقصر زمن تحتاجه الأرض حتى تتأثر بهذا الاختفاء المفاجئ للشمس هو تقريبًا ثمان دقائق، وهي المدة التي يستغرقها الضوء في الانتقال من الشمس إلى الأرض.
وظل آينشتين عشر سنوات يعمل على بناء تصور جديد للجاذبية يعالج فيه قصور نظرية نيوتن، إلى أن تمكن في عام 1916 من بناء نظريته النسبية في الجاذبية.
إن النظرية النسبية تقوم على اعتبار أن النسيج الفضائي مكون من الأبعاد المكانية الثلاثة والزمان. فالزمان يشكل بعدًا رابعًا لهذا النسيج ولا يمكن أن نفصله في معالجاتنا الرياضية عن تلك الأبعاد المكانية إذا أردنا أن نضع تصورًا صحيحًا للكون. إنه يتّحد معها في كينونة واحدة وعلى هذا الأساس يجب أن نرى النسيج الفضائي. إن هذا النسيج الذي يندمج فيه المكان والزمان إذا وضع فيه كتلة فإنه ينحني بحسب مقدار تلك الكتلة. فالشمس تسبب انحناء أكبر من الأرض في هذا النسيج الفضائي. وما حركة الأرض حول الشمس إلا بسبب هذا الانحناء الذي تسببه الشمس في هذا النسيج. إذن هذه الرؤية الجديدة لا تفسر الجاذبية على أنها قوة غامضة تجعل الأرض تدور حول الشمس، ولكنها تبني تصورها للجاذبية وبالتالي فهمها لمنظومة الحركة الكونية على أساس ما تحدثه كتل الأجسام من انحناءات في هذه الأبعاد الأربعة أو ما أسميناه بالنسيج الفضائي.
وبحسب هذا التصور الجديد، فإن اختفاء الشمس سيؤثر في النسيج الفضائي، وسيحدث تموجات في هذا النسيج، ولن تشعر الأرض بهذا الخلل في النظام الشمسي حتى تصل إليها تموجات الجاذبية. بمعنى أن الأرض ستستمر في الدوران حول الشمس دون أن تعلم أن الشمس قد اختفت من منظومتها. بينما في النظرية النيوتنية سوف تأخذ الأرض مسارًا مستقيمًا في اللحظة التي تختفي فيها الشمس، ولن تستمر في الدوران لبعض الوقت كما هو الحال في النظرية النسبية. ولقد حسب آينشتين الزمن الذي تستغرقه هذه التموجات حتى تصل الأرض، فوجدها مساوية للزمن الذي يستغرقه الضوء حتى ينتقل من الشمس إلى الأرض. إن الأرض لن تغرق في الظلام مباشرة بل ستحتاج على ما يقرب الثمان دقائق لكي تغرق في ظلام دامس وتتحرك خارج المنظومة الشمسية.
محمود حيدر
السيد عادل العلوي
د. سيد جاسم العلوي
الشهيد مرتضى مطهري
السيد عباس نور الدين
السيد محمد باقر الحكيم
عدنان الحاجي
الشيخ حسين مظاهري
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
بصدد التنظير لقول عربي مستحدث في نقد الاستغراب (1)
التّعامل مع سلوك الأطفال، محاضرة لآل سعيد في بر سنابس
القلب المنيب في القرآن
ماذا يحدث للأرض لحظة اختفاء الشمس؟ الجاذبية بين رؤيتين
{وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}
لماذا نحتاج إلى التّواصل الفعّال مع الله؟
أطفال في يوم الفنّ العالمي يزورون مرسم الفنّان الضّامن
ملتقى الأحباب، جمعيّات القطيف تتكاتف لخدمة الأيتام
تجربتي في إدارة سلوكيات الأطفال، كتاب للأستاذ حسين آل عبّاس
الفروق الحقيقيّة بين المكي والمدني