قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

آيات الله في خلق الجبال‏ (3)

الجبال والإعجاز العلمي للقرآن‌

 

لعلَّ إلى‌ ما قبل قرنٍ من الزمان كانت نظرية العلماء تنصّ على‌ سطحية الجبال، وكان الاعتقاد السائد هو أنَّ كل الجبال عبارة عن قطعٍ صخرية كبيرة تستقرّ على‌ سطح الأرض، ولكن مع مرور الزمان أزيلَ الحجابُ عن سرٍّ مهمٍ، وتوصلَ العلماء إلى‌ هذه الحقيقة، وهي أنّ الجزءَ الأعظم من كل جبلٍ يقع تحت الأرض!

 

وكما يقول‌ «جورج غاموف» في كتاب‌ «قصة الأرض»: «طبقاً للنظريات المعاصرة فإنّ جبال الأرض لها أوضاع تشبه الجبال الجليدية التي تتكون تحت تأثير ضغط الثلوج في المناطق القطبية، فكل من زار المناطق القطبية يعرف جيداً أنّ القطع الثلجية الضخمة حينما تتكسر تحت تأثير الضغط تتراكم على‌ بعضها، وتندفع نحو البحار- وأثناء ذلك- تنهار أغلب كميات الثلج في المياه، (ولعلَّ عُشرُها فقط خارج المياه وتسعةُ أعشارها تحت الماء)، ولهذا ففي مقابل كلِّ جبلٍ يرتفع على سطح الأرض هنالك جبلٌ تحت سطح الأرض، متكون من مادة حجر الغرانيت يَغوص في ثنايا طبقة من الصخور التحتية الناعمة» [1].

 

وهنا نصل إلى‌ هذه المسألة الإعجازية في القرآن حيث يطلق على‌ الجبال «أوتاد» ومسامير الأرض، وذلك لأننا نعلم أنّ القِسمَ الأعظم من المسمار يغور في الجدار أو الأشياء الأخرى‌ دائماً.

 

وهنا حيث تستخدم المسامير في تثبيت شي‌ءٍ ما، أو ربط القطع المختلفة مع بعضها أيضاً، فهذا التعبير يعتبر إشارة لطيفة إلى‌ التأثير المهم للجبال في منع تبعثر قطع الأرض أثر الضغط الداخلي للكرة الأرضية والضغط الناتج عن حالات المد والجزر.

 

لايقتصر دور الجبال على حفظ استقرار وثبات الأرض فحسب، بل تساعد في استقرار المناخ المحيط بالأرض أيضاً، والكل يعلم مدى‌ صعوبة العيش في الصحراء الشاسعة لأنّ الهواء دائماً في حالة من السرعة المقرونة بالغبار والرمال، فيصبح الاستقرار في هذه المناطق عسيراً والتنفس صعباً مقروناً بعدم الراحة.

 

نعم .. فهذه القمم الشاهقة للجبال هي التي تقف أمام هذه العواصف الهوجاء، وتصدُّها، أو تُرسلها إلى‌ طبقات الجو العليا.

 

إضافة إلى‌ ذلك فإنّ للجبال تأثيراً بالغاً في نزول الثلوج وهطول الأمطار، لأنّها تقف في طريق الغيوم والرطوبة الصاعدة من البحر، فتوقفها وتدفعها إلى‌ الهطول فينحدر بعض هذه الأمطار من سفوحها، وتحتفظ بالقسم الآخر في هذه السفوح، أو تحتفظ بها على‌ هيئة ثلج وجليد في قمتها.

 

وكذلك فإنَّ للجبال دوراً مهماً في تعديل حرارة الجو لا سيما في المناطق الاستوائية، لأنَّ ارتفاع الجبال يؤدّي إلى‌ ابتعاد المناطق المجاورة لها عن سطح الأرض ونحن نعلم أننا كلّما ابتعدنا عن سطح الأرض تزداد برودة الجو.

 

إنّ الجبالَ مصدرٌ مهمٌ لأنواع المعادن والثروات الهائلة التي تختفي في أعماقها، ومن أجل أن يظفر الناس بهذه الثروات فهم يتجهون إلى‌ الجبال دائماً للبحث عنها.

 

للجبال دورٌ مهمٌ آخر في إيقاف حركة الكثبان الرملية، فنحن نعلم أنّ الكثبان الرملية تتحرك أثناء هبوب الرياح في الصحراء القاحلة، وقد تدفُنُ تحتها الأشجار والناس والقوافل وحتى‌ القرى‌، وتصبح سبباً في هلاك النباتات والحيوانات، فإذا لم تتم السيطرة عليها فسوف تأتي على‌ جميع أنحاء الأرض، فأيُّ عاملٍ أفضلُ من الجبال يُمكنُه السيطرة عليها؟!

 

إنَّ هذه الفوائد العظيمة إضافةً إلى‌ فوائد اخرى‌ كثيرة ذكرناها في تفسير الآيات السابقة توضح لنا الدور المهم للجبال من جهةٍ، وعظمة آيات القرآن الكريم في هذا المجال من جهة أخرى‌.

 

حديث للإمام الصادق عليه السلام حول الجبال‌

 

وفي حديث توحيد المفضّل وهو حديث ملي‌ءٌ بالمعاني، وكاشفٌ لأسرار الخلق في مختلف الجوانب لمعرفة اللَّه، جاء ما يلي:

 

«انظر يا مفضّل إلى هذه الجبال المركومة من الطين والحجارة التي يحسبها الغافلون فضلاً لا حاجة إليها، والمنافع فيها كثيرة: فمن ذلك أن تسقط عليها الثلوج فيبقى‌ في قلالها لمن يحتاج إليه، ويذوب ما ذاب منه فتجري منه العيون الغزيرة التي تجتمع منها الأنهار العظام، وينبت فيها ضروب من النبات والعقاقير التي لا ينبت مثلها في السهل، ويكون فيها كهوف ومقايل للوحوش من السباع العادية. ويتخذ منها الحصون والقلاع المنيعة للتحرز من الأعداء، وينحت منها الحجارة للبناء والأرحاء، ويوجد فيها معادن لضروب من الجواهر، وفيها خلال أخرى‌ لا يعرفها إلّا المقدّر لها في سابق علمه» [2].

 

وقد تكون العبارة التي جاءت في ختام حديث الإمام عليه السلام إشارة إلى‌ الفوائد المهمّة الأخرى‌ التي اكتُشفت تدريجياً مع تطور العلوم، المنافع التي ما زالت خافيةً عن أنظار العلم البشري.

 

كلام لعالم كبير

 

عندما يتعرض العلّامة المرحوم المجلسي رحمه الله إلى البحث حول الجبال في كتابه بحار الأنوار، يذكر في تفسير الآية: «والجِبَالَ أَوْتَاداً» سبعة آراء، نذكر ثالثها:

 

«ما يخطر بالبال وهو أن يكون مدخلية الجبال لعدم اضطراب الأرض بسبب اشتباكها واتصال بعضها ببعض في أعماق الأرض بحيث تمنعها عن تفتّت أجزائها وتفرّقها، فهي بمنزلة الأوتاد المغروزة المثبتة في الأبواب المركبة من قطع الخشب الكثيرة بحيث تصير سبباً لالتصاق بعضها ببعض وعدم تفرّقها وهذا معلوم ظاهر لمن حفر الآبار في الأرض فإنّها تنتهي عند المبالغة في حفرها إلى الأحجار الصلبة، وأنت ترى‌ أكثر قطع الأرض واقعةً بين جبال محيطة بها، فكأنّها مع ما يتصل بها من القطعة الحجرية المتصلة بها من تحت تلك القطعات كالظرف لها تمنعها عن التفتّت والتفرق والاضطراب عن عروض الأسباب الداعية الى ذلك» [3].

 

إنَّ هذا الحديث واستناداً إلى‌ التصريح الذي أوردناه آنفاً لاحد العلماء المتأخرين، والذي هو من اكتشافات القرن الأخير، يعتبر أمراً مثيراً جدّاً حيث يشير هذا العالم الإسلامي الكبير إلى‌ ذلك قبل أكثر من 300 سنة.

 

حديث إعجازي حول تكوين الجبال‌

 

وهذه نقطة جديرةٌ بالاهتمام أيضاً حيث ورد في روايةٍ أنّ شخصاً سألَ أمير المؤمنين عليه السلام قائلًا: مِمّ خُلقتِ الجبالُ؟ فقال الإمام عليه السلام في جوابه: «من الأمواج» [4].

 

وهذا الحديث يتطابق تماماً مع النظرية المشهورة للعلماء المعاصرين إذ يعتقدون بأنَّ أغلبَ الجبال تكونت نتيجةً لتعرُّج قشرة الأرض بسبب انجمادها كالتجعدات التي تظهر على‌ قشرة التفاح عند جفافها وهذه التعرّجات تشبه الأمواج التي تحدث على‌ سطح الماء، وقد يكون تعبير: «وَأَلْقَى‌ فِى الأَرْضِ رَوَاسِيَ». (النحل/ 15)

 

إشارة إلى‌ خلق الجبال بعد خلق الأرض أيضاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] قصة الأرض، تأليف جورج غاموف، ص 126 مع شي‌ء من الاختصار.

[2] بحار الأنوار، ج 3، ص 127.

[3] بحار الأنوار، ج 3، ص 127.

[4] بحارالأنوار، ج 57، ص 73 و ج 60، ص 120.

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد