
الشيخ جعفر السبحاني
حينما أدرك المشركون عجزهم أمام القرآن الذي تحدّاهم ـ وهم سادة البلاغة ورجال الأدب في ذلك الوقت، فكّروا في الخروج من هذا المأزق الذي وقعوا فيه، ولذلك أخذوا بالبحث عن مبدأ ومنشأ القرآن الكريم، ولذلك ذكروا مجموعة من التفسيرات التي هي من وحي خيالهم الباطل حيث قالوا: إنّ محمداً قد أخذ القرآن من غلامين روميّين هما «جبر» و«يسار»([1]) ومن غيرهما، ولقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله سبحانه: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}.([2]) «العجم» في اللغة هو «الإبهام»، و«الأعجمي» هو الإنسان الذي لا يفصح وإن كان عربياً، وبما أنّ العرب يجهلون اللغات الأُخرى غير العربية لذلك أطلقوا على غير العربي لفظ «العجمي»، لأنّه لا يفهم اللغة العربية بصورة صحيحة، أو أنّه لا يستطيع النطق، بصورة جيدة وصحيحة. 
فإذا أخذنا بنظر الاعتبار سبب النزول هذا والذي نقله بعض المفسّرين، حينئذ يمكن القول: إنّ الهدف والغاية من هذه الآية هو الرد على هذا التوهم الباطل حيث تبيّن الآية الحقيقة التالية: كيف يتلقّى الرسول (ص) هذا القرآن الذي هو في قمة الفصاحة والبلاغة، والبيان، والمرونة والسلاسة والعذوبة وبلسان عربي مبين وواضح، من أُناس يجهلون اللغة ولا يعرفون من أسرارها وفنونها شيئاً، لأنّهما روميان؟!! ولو فرضنا أنّهما يعرفان اللغة العربية فلا شكّ أنّهما ليسا بهذا المستوى من الإدراك البلاغي وهذه القوة من الفصاحة.
وعلى هذا الأساس يكون مفاد الآية بيان أنّ القرآن الكريم كلام صحيح وخطاب بليغ منزه عن أدنى خلل أو تحريف، وما كان كذلك لا يمكن أن يكون وليد فكر الغلامين «يسار» و«جبر» أو غيرهما.
ولكن النكتة الجديرة بالالتفات إليها هي أنّ كون القرآن بليغاً أو فصيحاً وعارياً من التحريف والخطأ لا يلازم عدم الحاجة إلى توفير بعض المقدّمات للوصول إلى تفسيره، وأنّ الحاجة إلى تلك المقدّمات التفسيرية لا تنافي كونه (عربي مبين). وها نحن نجد في جميع أرجاء العالم أنّهم يدوّنون كتبهم الدراسية والعلمية بأُسلوب سلس وبعبارات واضحة بعيدة عن التعقيد والإبهام. ومع ذلك نجد أنّهم بحاجة في الكثير من الأحيان إلى وجود المعلم والأُستاذ.
وبعبارة أوضح: إنّ الآية تريد الإشارة إلى نكتة مهمة وهي أنّ الله سبحانه حينما يصف القرآن بأنّه «عربي مبين» يعني أنّ هذا القرآن وضع مطابقاً للأُسلوب العربي والقواعد العربية المحكمة وليس على طريقة الأعاجم الذي يجهلون اللغة العربية ويرصفون كلمة إلى جنب كلمة أُخرى ظناً منهم أنّهم يتكلّمون اللغة العربية، بل أنّ هذا الكتاب موافق لأُسس اللغة العربية وأنّه مصون وبعيد من التحريف والخطأ والإغماض والتعقيد في العبارة.
ونختم الحديث هنا بكلام لأمير المؤمنين (ع)، حينما أرسل ابن عباس للاحتجاج على الخوارج ومناظرتهم، فقال له (ع): «لا تخاصمهم بالقرآن فإنّ القرآن ذو وجوه وحمال، تقول ويقولون، ولكن حاججهم بالسنّة فإنّهم لن يجدوا عنها محيصاً».([3])
فإنّ هذه الفقرة القيمة توضح وبجلاء أنّ بعض آيات القرآن تحتمل عدّة وجوه ومحتملات، ولا يمكن معرفة المراد منها إلاّ بعد أن نطوي مجموعة من المقدّمات ولا يمكن الاكتفاء بالمعرفة ببعض الأُصول الأدبية واللغوية لرفع هذا الإبهام.
وهذا الكلام يرشدنا إلى أنّ جميع آيات الذكر الحكيم ليست من الكلام المحكم والصريح، بل يوجد فيها الكثير من المتشابه الذي يحتاج في بيانه إلى مجموعة من المقدّمات العلمية الأُخرى.( [4])
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 [1] . انظر الكشاف:2/ 218.
[2] . النحل: 103.
[3] . نهج البلاغة، الخطبة 77.
[4] . منشور جاويد:3/312ـ 314.
 الحرص على تأمين الحرية والأمن في القرآن الكريم
                    
                        الحرص على تأمين الحرية والأمن في القرآن الكريم                    
                    
                        الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
 معنى (رعد) في القرآن الكريم
                    
                        معنى (رعد) في القرآن الكريم                    
                    
                        الشيخ حسن المصطفوي
 نوازع وميول الأخلاقيات
                    
                        نوازع وميول الأخلاقيات                    
                    
                        الشيخ شفيق جرادي
 حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (1)
                    
                        حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (1)                    
                    
                        محمود حيدر
 المذهب التربوي الإنساني
                    
                        المذهب التربوي الإنساني                    
                    
                        الشهيد مرتضى مطهري
 دماغ كلّ منّا لا يتحدث اللّغة العصبيّة نفسها، لكنّه يشترك مع أدمغة النّاس في إدراك المدخلات الحّسيّة وتفسيرها
                    
                        دماغ كلّ منّا لا يتحدث اللّغة العصبيّة نفسها، لكنّه يشترك مع أدمغة النّاس في إدراك المدخلات الحّسيّة وتفسيرها                    
                    
                        عدنان الحاجي
 الحق والباطل: ماء راسخ وزبد يزول
                    
                        الحق والباطل: ماء راسخ وزبد يزول                    
                    
                        الشيخ جعفر السبحاني
 أصول التعامل الناجح مع الوالدين
                    
                        أصول التعامل الناجح مع الوالدين                    
                    
                        السيد عباس نور الدين
 {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ..} كيف يُنسب اليأس للرسُل؟
                    
                        {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ..} كيف يُنسب اليأس للرسُل؟                    
                    
                        الشيخ محمد صنقور
 أَمَرْنا مُتْرَفِيها!
                    
                        أَمَرْنا مُتْرَفِيها!                    
                    
                        الشيخ محمد جواد مغنية
 اطمئنان
                    
                        اطمئنان                    
                    
                        حبيب المعاتيق
 الحوراء زينب: قبلة أرواح المشتاقين
                    
                        الحوراء زينب: قبلة أرواح المشتاقين                    
                    
                        حسين حسن آل جامع
 أيقونة في ذرى العرش
                    
                        أيقونة في ذرى العرش                    
                    
                        فريد عبد الله النمر
 سأحمل للإنسان لهفته
                    
                        سأحمل للإنسان لهفته                    
                    
                        عبدالله طاهر المعيبد
 خارطةُ الحَنين
                    
                        خارطةُ الحَنين                    
                    
                        ناجي حرابة
 هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
                    
                        هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال                    
                    
                        أحمد الرويعي
 وقف الزّمان
                    
                        وقف الزّمان                    
                    
                        حسين آل سهوان
 سجود القيد في محراب العشق
                    
                        سجود القيد في محراب العشق                    
                    
                        أسمهان آل تراب
 رَجْعٌ على جدار القصر
                    
                        رَجْعٌ على جدار القصر                    
                    
                        أحمد الماجد
 خذني
                    
                        خذني                    
                    
                        علي النمر
 
                    
                        الحرص على تأمين الحرية والأمن في القرآن الكريم
 
                    
                        معنى (رعد) في القرآن الكريم
 
                    
                        نوازع وميول الأخلاقيات
 
                    
                        حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (1)
 
                    
                        المذهب التربوي الإنساني
 
                    
                        دماغ كلّ منّا لا يتحدث اللّغة العصبيّة نفسها، لكنّه يشترك مع أدمغة النّاس في إدراك المدخلات الحّسيّة وتفسيرها
 
                    
                        أحمد آل سعيد: لا للتّنمّر بين الأطفال
 
                    
                        اطمئنان
 
                    
                        حقيقة التوكّل
 
                    
                        الحق والباطل: ماء راسخ وزبد يزول