قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
عن الكاتب :
فيلسوف، مفسر وعالم دين إسلامي و مرجع شيعي، مؤسس مؤسسة الإسراء للبحوث في في مدينة قم الإيرانية

احتجاج الله في الأمور غير المحسوسة

قال تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [البقرة: 76-77].

 

إنَّ عبارة: «عند ربكم» تعني عنده يوم القيامة، لكنّ جماعة من المفسرين ذهبوا إلى أن معناها: «ما أنزل ربكم في كتابه»، بالبيان التالي: إن الجملتين: «هو في كتاب الله كذا» و«هو عند الله كذا» تتشابهان من ناحية المعنى وجملة: «ليحاجوكم به عند ربكم» تعني «ليحتجوا عليكم بما أنزل ربكم في كتابه»؛ أي: أتفشون أسراركم عند المؤمنين كي يحتجوا عليكم بواسطة كتابكم [1] ؟!

 

لكن بعض المفسرين، ورغم إقرارهم بأن المعنى الأول ليس بعيداً عن سياق الآية ونظامها، فقد عدوه مخالفاً لإنكار وملامة اللائمين. ونبيّن هذا فنقول: إذا كانت عبارة: «عند ربكم» تعني الاحتجاج في الآخرة فهذا بحد ذاته اعتراف بأن المسلمين هم على حق؛ ذلك الحق الذي هو وحده سبب للنجاة يوم القيامة، وإن اعترافاً واعتقاداً كهذا، مما يؤدي إلى تأييد هؤلاء الأوساط وتقويتهم في عملية الإفشاء، لا يمكن أن يصدر في مقام الإنكار عليهم وملامتهم [2].

 

لكن لابد من الالتفات إلى أنه أولاً: إن محور الاعتراض هو أنه بإفشاء أسرار اليهود سيحتج المسلمون عليهم يوم القيامة عند الله، وفي حال عدم إفشائها فلن تكون للمسلمين حجة عليهم. إذن فالاعتقاد بالمعاد والإيمان بأصل الاحتجاج في محكمة القيامة لا يمنع الاعتراض.

 

ثانياً: إن المهم هو احتجاج الله تعالى وليس احتجاج قوم على قوم آخرين، وإن اليهود أصحاب النزعة الحسية لا يؤمنون باحتجاج الله في غير الموارد المحسوسة؛ أي إنه إذا أفشى اليهود أسرارهم، فاطلع المسلمون عليها وباحوا بها في المعاد، فإن الله سوف يعلم بها، وإلا فلن يعلم عز وجل عنها شيئاً، ومن أجل ذلك لن يحتج عليهم.

 

ثالثاً: الآية الثانية هي التي تتولى هذا العنصر المحوري وهو أن الله يعلم السر والعلن وسوف يحتج؛ سواء أفشى اليهود السرّ أم لم يفشوه، وسواء احتج المسلمون على اليهود أم لم يفعلوا.

ــــــــــــــــــــــــــ

[1] راجع تفسیر جوامع الجامع، ج1، ص61؛ وروح المعاني، ج 1، ص 474؛ وتفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان، ج 1، ص317.

[2] راجع تفسير المنار، ج 1، ص358.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد