قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
حيدر حب الله
عن الكاتب :
ولد عام 1973م في مدينة صور بجنوب لبنان، درس المقدّمات والسطوح على مجموعة من الأساتذة المعروفين في مدينة صور (المدرسة الدينية). ثم سافر إلى الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانية لإكمال دراساته الحوزويّة العليا، فحضر أبحاث الخارج في الفقه والأصول عند كبار آيات الله والمرجعيات الدينية. عام 2002م، التحق بقسم دراسات الماجستير في علوم القرآن والحديث في كلّية أصول الدين في إيران، وحصل على درجة الماجستير، ثم أخذ ماجستير في علوم الشريعة (الفقه وأصول الفقه الإسلامي) من جامعة المصطفى العالميّة في إيران (الحوزة العلمية في قم). من مؤلفاته: علم الكلام المعاصر، قراءة تاريخية منهجيّة، فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حجية الحديث، إضاءات في الفكر والدين والاجتماع (خمسة أجزاء) ...

القرآنيات بين المنهج الكلامي والمنهج الفلسفي الاكتشافي

الدراسات والعلوم القرآنية هي الأبحاث التي تهتمّ بكلّ ما يتصل بالقرآن الكريم من زاويتين:

 

أ - أنطولوجية وجوديّة، أي نفس الظاهرة القرآنية من حيث دراستها وتحليلها الفلسفي والعرفاني والتاريخي، وهنا تدخل أبحاث مثل حقيقة الوحي القرآني، وتدوين القرآن، وجمع القرآن، وتحريف القرآن، وتنقيط القرآن وتشكيله، ووحيانية ألفاظ القرآن أم خصوص معانيه، وظاهرة النسخ في القرآن، وهل القرآن خطاب أم نص؟ وغير ذلك من الموضوعات الكثيرة التي تعرّض لأكثرها العلماء المسلمون.

 

ب - إيبستمولوجية معرفية، أي علاقة العقل البشري بهذا النص الإلهي، وهنا يأتي كلّ ما يتصل بالمناهج المعرفية في فهم هذا النص، ويدخل علم التفسير، وبعض أبحاث علم أصول الفقه الإسلامي، وشروط المفسّر، والعلوم المؤثرة في تفسير القرآن، وأنواع التفسير ومناهجها كالتفسير الموضوعي والتجزيئي والأثري والفني والبياني والتاريخي والعقلي والعرفاني وغير ذلك.

 

ومن الطبيعي أنّ دراسات المسلمين فيما يخصّ القرآن الكريم استوعبت أكثر موضوعات النوعين المشار إليهما، فقد درس علماء القرآنيات والتفسير وأصول الفقه الجوانب الوجودية للكتاب الكريم، كما تعرّضوا لأكثر من موضوع معرفي في هذا الإطار، لكنّ هذا لا يعني أنّ الموضوعات بأكملها قد أنجزت، أو أنّنا قد وصلنا فيها إلى نهاية الكلام ومنتهى الحديث، بل هناك المجال الكبير جدًّا للمزيد من المساهمات الفكرية الجادّة، لا سيما في ضوء الدراسات النقدية الجديدة التي أثارها المستشرقون وبعض الكتّاب والباحثين المسلمين.

 

والمشكلة الأساسيّة التي تلاحظ على العديد من دراساتنا القرآنية أنّها لا تخضع للمنهج البرهاني الذي يهدف اكتشاف الحقيقة، بل يغلب عليها الطابع الدفاعي الجدلي الذي يهدف الردّ على إشكالية مثارة، أو الطابع التبجيلي الذي يهدف إلى التعريف بالتراث، والجدليّة والتعريف مطلوبان في حدّ نفسهما، لكن ليس من المفترض أن يكونا على حساب المنهج الاكتشافي للحقيقة بصرف النظر عن الخلفيّات المسبقة التي يحملها الباحث؛ لأننا بحاجة ماسّة إلى الموضوعيّة في أعلى مظاهرها الممكنة، فنحن نطالب بمنهج فلسفي للدراسات القرآنية وليس بمنهج كلامي فقط.

 

العلاقة الجدليّة بين القرآن والعلوم الإنسانيّة والطبيعية

أعتقد أنّ القرآن يترك أثراً على العلوم البشرية، وهذا ما حصل في التاريخ؛ فقد قُدّمت غيرُ دراسةٍ تؤكّد أنّ القرآن الكريم أثّر على دراسات المسلمين في مجالات علمية متعدّدة، ففي الإنسانيات كعلم النفس والاجتماع والتربية والأخلاق والقانون والفلسفة والتاريخ و.. ترك القرآن الكريم بصماته على الحضارة الإسلامية التي تركت بدورها بصمات واضحة على المشهد الحضاري العالمي. ولم يقتصر الأمر على المجال الإنساني، بل تعدّاه لحقل العلوم الطبيعية حيث ترك أثراً على علوم مثل الفلك وغيره، كما تشير إليه بعض الدراسات، إذاً فقد ساهم القرآن في بناء وعي علمي جديد، طوّر من العلوم الإنسانية والطبيعية معاً.

 

لكن من جهة أخرى، لا يمكن - معرفياً وإيبستمولوجياً - إنكار تأثير العلوم الطبيعيّة والإنسانية على فهم المسلمين وغيرهم للقرآن الكريم، لا على القرآن نفسه، فنحن نعرف مثلًا أنّ علم التاريخ مهم جداً، والشق القرآني من علم التاريخ هو ما يسمّيه المسلمون بعلم أسباب النزول، ولا ريب - فيما يبدو - في تأثير التاريخ ومعرفتنا به على فهمنا للنص القرآني؛ لأنّ هذا النص نزل في الزمان والمكان، كذلك الحال في علوم مثل اللغة والأدب والمنطق و..

 

وإذا تخطينا هذه الدائرة، سنجد أنّ المفسّر المسلم كان يحمل معه - في الغالب - عند تفسير النص القرآني، الخلفيات المعرفية التي كان قد حصل عليها من العلوم البشريّة، كالفلسفة والكلام والأخلاق والتاريخ و.. الأمر الذي ساعده على تفسير النص بشكل آخر، ولا يعني ذلك نسبيةً مطلقة، كما يحاول بعضٌ أن يفهمه أو يذهب إليه، وإنّما يعني أنّه لا يمكن للعقل - من حيث المبدأ - أن يقرأ القرآن دون أن يحمل معه عُدَدَاً معرفية مسبقة، ليس القرآن فقط، بل أيّ نص آخر؛ ديني أو غير ديني.

 

من هنا؛ تكمن الحاجة الماسّة لتطوير وعينا العلمي في المجالات المختلفة؛ لأنّ ذلك يساعد بالتأكيد على تطوير تفسيرنا للكتاب العزيز وفهم مراداته وأغراضه، فالعلاقة بين القرآن والعلوم البشرية علاقة جدلية تقوم على التأثير والتأثر، على مستوى الفهم البشري للقرآن لا على مستوى القرآن نفسه بوجوده الواقعي النازل من عند الله تعالى.

 

بل يمكننا أن نقول أكثر من ذلك: إنّ خوض الإنسان التجربة السياسية والاجتماعية وعيشه في بطن الحياة الميدانية.. يجعل وعيه بالكتاب العزيز أكبر من ذاك الذي يريد تفسير القرآن وهو قابع في زاوية بيته، ليس بيده سوى كتب اللغة والتفسير، وهذه هي نظرية سيد قطب (1966 م) التي يطرحها في تفسيره المعروف (في ظلال القرآن)، حيث يرى أن الحركيين يمكنهم فهم القرآن أكثر من غيرهم؛ لهذا اعتبر أنّ المجاهدين يفهمون القرآن أفضل من غيرهم، وهم المقصودون بالفئة النافرة في آية النفر لطلب العلم من سورة التوبة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد