وردت أربع عشرة آية متعاقبة في سورة البقرة المباركة في الآداب والإخلاص في النيّة، وفي الثواب والأجر، وفي ميزان الإنفاق في سبيل الله تعالى؛ وهي آيات تشكّل عالَماً في الأخلاق، وتظهر سطوع القرآن الكريم إلى الأبد.
1 – (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ).
2 – (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
3 – (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ).
4 – (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ).
5 – (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
6 – (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ. "وهو مثال كمن ينفق ماله رياءً ومَنّاً وأذى" كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ).
7 – (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).
8 – (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ).
9 – (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ).
10 – (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ "وإن لم تنفقوا على الفقراء والبائسين وتركتموهم مُعدمين، فاعلموا أنّ ذلك ظلم". وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ).
11 – (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
12 – (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ "بل عليك الدعوة والبلاغ" وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ).
13 – (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).
14 – (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). «1»
والإنفاق من الأعمال المعدودة من الأخلاق، إن كان للّه تعالى، ولم يكن رياءً وسُمعةً، ولم يستتبع منّاً من المنفِق وأذى للمنفق عليه، وكان الإنفاق من المال الحلال وممّا يحبّه الفرد المنفِق، فقد ورد في القرآن الكريم: (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ). «2»
وإذا كان الإنفاق سرّاً في الموضع المناسب، وكان جهراً في الموضع المناسب، وكان من أفضل كسب المنفِق الذي اكتسبه بالعمل والجدّ، وبلغ مَن يستحقّه، وهو مَن يمنعه حياؤه وعفّته أن يُطلع أحداً على حاله؛ فإنّ الإنفاق سيُعدّ حينذاك من مكارم الأخلاق التي انتهجها الأنبياء، والتي بُعث الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم لتكميلها.
يقول جاد المولى بيك: «وقد كان الأنبياء في مقدّمة المتّصفين بها (أي بمكارم الأخلاق)، وقد حثّ القرآن على ذلك في آيات كثيرة تتجاوز المئات. وقد صرّح النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بذلك في قوله: بُعِثْتُ لُاتَمِّمَ مَكَارِمَ الأخْلَاقِ. وقوله: إنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ. وقوله: إنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أحْسَنُكُمْ أخْلَاقاً. وقوله: أكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إيمَاناً أحْسَنُهُمْ أخْلَاقاً. وقوله: مَكَارِمُ الأخْلَاقِ مِنْ أعْمَالِ أهْلِ الجَنَّةِ.
وكان من دعائه صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا نظر في المرآة أن يقول: اللَهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي! وكان يستعيذ من سوء الأخلاق، فيقول: اللَهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الأخْلَاقِ. «3»
ويستنتج ممّا مرّ أنّ الأخلاق القرآنيّة قائمة على أساس التوحيد وعلى بناء النفس البشريّة على أساس النظر إلى وحدة تجلّيات الحقّ في جميع مظاهر عالم الإمكان.
إن القرآن الكريم يعتبر الإنسان مخلوقاً مرتبطاً بجميع الموجودات الأخرى، كما يعتبر روح الإنسان مرتبطة بجميع الأشياء، بحيث يرى نور الحقّ المتعال سارياً في الإنسان وفي جميع الأشياء بأسرها، ويسوق الإنسان إلى التوحيد في العقيدة والأخلاق عن طريق النظر والتأمّل والتفكّر في مخلوقات عالم الخلقة التي لا تُحصى.
والأخلاق القرآنيّة من أسمى وأرفع الأخلاق الكريمة، حيث تبني الوجود الإنسانيّ على نور توحيد الحقّ، وبالنظر إلى وحدة ذاته القدسيّة، ووحدة صفاته وأسمائه، ووحدة أفعاله في كلّ شيء، وتُقيم لبنات هذا البناء الروحي الشامخ على هذا الأساس والأصل.
ولذلك، فإنّ الأخلاق المكتسبة من القرآن ليست منفصلة عن عالم الخلقة والأمور الطبيعيّة والتجريبيّة ومشاهدات عالم الخلقة، كما أنّ عالم الخلقة وهذه السلسلة المتطاولة من الموجودات العجيبية المعقّدة ليست بدورها منعزلةً منفكّة عن روح الإنسان؛ «4» فهي ممتَزجة مع بعضها امتزاج السكّر واللبن، وهي مرتضعة من ثدي واحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - الآيات 261 إلى 274 ، من السورة 2 . البقرة.
(2) - الآية 92 ، من السورة 3 . آل عمران.
(3) - « محمّد المثل الكامل » ص 232 و 233 ، الطبعة الثانية.
(4) - يقول المستشار عبد الحليم الجندي في كتاب «الإمام جعفر الصادق» ص 294. وفي منهج الاعتبار بالواقع أو بالآثار الدالّة على المطلوب «واقعيّة» أدنى إلى التصديق من مجازفات الفكر. وفي الواقع المادّي ضمان أن لا يبعد الاستخلاص من الملموس والمحسوس بالحواس الخمس. وهذه الواقعيّة أو النزاهة الفكريّة، تسبق واقعيّة أوجست كومت، بقرون عشرة، وعقلانيّة ديكارت، بقرون تسعة، كما تسبق جون سيتورات مل، في نظريّة اطِّراد العلل بقرون عشرة. وبهذه القرون يُقاس سبق الحضارة الإسلاميّة.
اوجست كومت Auguse Come 1798 - 1857 صاحب الفلسفة الواقعيّة في القرن الماضي. انتفع بمؤلّفات لبنتز وديكارت وفرنسيس بيكون والقدِّيس توماس الأكوينيّ وروجير بيكون، والأخيران من أكبر مَن نشروا العلم الإسلاميّ وتأثّروا به. وكثير من كتاباتهما تَستعمِل تعبيرات إسلاميّة.
جون ستيوارت مل 1806 - 1873.
ديكارت Rene Descares (1596 - 1650).
يقول عبد الحليم الجندي في كتاب «الإمام جعفر الصادق» ص 295. وربّما كان الكلام المنقول عن جابر بن حيان أوضح كلام في الدلالة على المنهج التجريبيّ الذي تعلّمه في مجلس الإمام أو من كتب الإمام. يخاطب جابر الإمام في مقدِّمة كتابه «الأحجار» بقوله وحقّ سيّدي! لولا أنّ هذه الكتب باسم سيّدي صلوات الله عليه لما وصلتُ إلى حرفٍ من ذلك إلى الأبد.
ويقول جابر في كتابه «الخواصّ» عن طريقته. اتعبْ أوّلًا تعباً واحداً. واعلمْ. ثمّ اعملْ. فإنّك لا تصل أوّلًا. ثمّ تصل إلى ما تريد.
وفي كتابه «السبعين» يقول: مَن كان دَرِباً (مجرّباً) كان عالماً حقّاً. ومن لم يكن درباً لم يكن عالماً. وحسبك بالدُّرْبَة في جميع الصنائع أنّ الصانع الدرب يَحذِق وغير الدرب يُعطِّل.
ويحصر جابر طريقته في عبارته المأثورة . عملته بيدي . وبعقلي . وبحثته حتى صحَّ وامتحنته فما كذب.
وفي هذا المقام يقول أستاذ الفلسفة الإسلاميّة المعاصر في جامعة القاهرة . د . زكي نجيب محمود: فلو شئتَ تلخيصاً للمنهج الديكارتيّ كلّه لم تجد خيراً من هذا النصّ الذي أسلفناه عن جابر.
الشيخ محمد جواد مغنية
محمود حيدر
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
السيد عبد الأعلى السبزواري
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ علي رضا بناهيان
الفيض الكاشاني
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا
ماهية الميتايزيقا البَعدية وهويتها*
الرؤية القرآنية عن الحرب في ضوء النظام التكويني (1)
انتظار المخلّص بين الحقيقة والخرافة
تلازم بين المشروبات المحلّاة صناعيًّا أو بالسّكّر وبين خطر الإصابة بمرض الكلى المزمن
أسرار الحبّ للشّومري في برّ سنابس
الميثاق الأخلاقي للأسرة، محاضرة لآل إبراهيم في مجلس الزّهراء الثّقافيّ
الشيخ عبد الكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (9)
البسملة
لماذا لا يقبل الله الأعمال إلا بالولاية؟