
إنّ الإنسان يجب أن لا يكون مجّرد متفّرج في قِبال العوامل الطبيعيّة والاجتماعيّة والتضادّ بينها، وإنّما عليه أن يمتلك دور الموجّه المستفيد من القوى الإنسانيّة الخاصّة، وأن يقوم عبر نشاطاته الإرادية الواعية بتحريك كلّ الطاقات في المسير الصحيح، وتوجيهها نحو الهدف الأصليّ والكمال النهائيّ.
ولا شكّ في أنّ إحدى الطاقات الإنسانيّة التي يمكنها أن تعوّد الإنسان لتحقّق هذا السعيّ الموّجه هو القوّة العقليّة، ولتقويتها الأثر الهامّ في السير التكامليّ للإنسان، حتّى أنّ سقراط اعتبر أصل الفضيلة هو العقل والعلم والحكمة (طبق التعبيرات المختلفة المنقولة عنه)، إلاّ أن أرسطو أشكلَ عليه بأنّ الإنسان الذي يمتلك علماً وحكمة ولا يعمل بهما ليس واجداً للفضائل الأخلاقية، ولذا لا يمكن اعتبارهما أصل كلّ الفضائل.
ونحن مع قبولنا لهذا الإشكال نضيف بأنّ عمل القوى الإدراكيّة ليس البعث والتحريك، بل وحتّى الهدايات الإلهية السماويّة والأنوار فوق العقليّة أيضاً لا تستطيع بنفسها أن تحرّك الإرادة ولا يمكنها أن تضمن وصول الإنسان إلى الكمال المطلوب: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ..﴾ الأعراف:175-176.
والشرط الضّامن للسّعادة هو سيطرة المتطلّبات السامية، والعبوديّة لله تعالى، وتقهقُر النَّزَعَات المنحطّة النفسيّة والشيطانيّة، ولكنّنا نؤكدّ في الوقت نفسه أنّ القوة الإنسانيّة المفكّرة لها دورها المهمّ جدّاً في توجيه الإرادة، وأنّ هذه القوة هي نفسها التي تساعدنا في تهيئة مقدّمات الاختيار والتنظيم والتوجيه لها.. وعلى هذا يجب علينا دائماً أن نشخّص سبيلنا في ظلّ هدايات العقل، ونُهيّئ أنفسنا لتقبّل الأنوار الإلهيّة.
إنّ قوّة العقل لها أهميّة كبرى في تشخيص الهدف ومعرفة المسير الأصليّ، إلاّ أنّها لا تكفي لمعرفة جزئيّات الطريق والطروح الدقيقة، ومن هنا نحتاج إلى الوحي والاستعانة بنُظمه الشاملة.
فتقوية التصوّر الديني وتوسعة الوعي النابع من المصادر الدينية الأصلية أمر ضروريّ جدّاً، كما أنّ تقوية الإدراك الفطريّ بواسطة التوجّهات القلبيّة والتمرّس في مجال تركيزها عبر الأشكال المختلفة للعبادات عامل مهمّ جدّاً، بل هو أشدّ العوامل تأثيراً وأصالةً لتحقيق التكامل الحقيقيّ، ومن الواضح أنّ معرفة هذه الحقائق كلّها إنّما كانت ببركة العقل والتفكير العقلانيّ.
والتوفيق في هذا العمل رهين البرنامج العمليّ المشتمل على السعي الإيجابيّ والسلبيّ المعيّن في مجال تقوية الميل نحو الكمال وعبادة الله تبارك وتعالى، وأهمّ الموادّ الإيجابيّة في هذا البرنامج هي كما يلي:
1- العبادة:
أ) خصوصاً الصَّلوات الواجبة، وأداؤها في وقتها، مع حضور قلبيّ، وإخلاص كامل: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ المؤمنون:2.
ب) عند الإمكان يجب أن نخصّص مقداراً من أوقاتنا للتوجّه القلبيّ، وذلك في وقت ومكان مناسبَين: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً..﴾ الأعراف:205. وإدامة هذا العمل توجب أُنس القلب بالله، وتَذوُّق لذّة المناجاة معه سبحانه، وعدم الاهتمام باللّذائذ المادّية.
ج) يجب أن لا ننسى الإنفاق والإيثار، وهما أفضل الوسائل للإعراض عن اللّذائذ الدنيوّية والزّهد فيها وتطهير النفس من دَرَن الدنيا: ﴿.. وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الحشر:9. ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ..﴾ آل عمران:92. ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا..﴾ التوبة:103. إنّ الصلاة والإنفاق يُكمّل بعضهما البعض الآخر، وربّما كان هذا هو سرّ تقارنهما الغالب في القرآن الكريم: ﴿.. وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ مريم:31.
2- التفكّر:
وَلْنُخَصّص كلّ يوم مقداراً من أوقاتنا للتفكير في: صفات الله عزّ وجلّ، والآيات الإلهيّة، وهدف الخِلقة، والنِّعَم المتوالية غير المتناهية منه تعالى، وكذلك في تشخيص السّبيل الصحيح، وطول المسير، وقلّة الوقت والطاقة، وكَثرة الموانع، وسُخف الأهداف الدنيويّة المحدودة، وكَون لذائذها مشوبة ومسبوقة وملحوقة بالآلام والمصائب، وَلْنُفكِّر أيضاً في كلّ الأشياء التي تُشجِّع الإنسان في طَيّ طريق العبوديّة وتمنعه من عبادة الذّات والدنيا: ﴿.. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ الرعد:3.
3- قراءة القرآن الكريم:
ولْيَكن لنا برنامج يوميّ لقراءة القرآن الكريم، بتوجّه، وتدبّر، وتمعُّن. ومطالعة الروايات، والمواعظ، والكلمات المَلأى بالحكمة، والأحكام الفقهيّة، والتعليمات الأخلاقيّة، ليبقى الهدف وسبيله الصحيح ماثلاً في أعماقنا، ولتَتِمّ توعية حُسن طلب الكمال وتذكّره دائماً: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ القمر:17.
لماذا ينبغي استعادة أفلاطون؟ (2)
محمود حيدر
ماذا يحدث داخل الدماغ أثناء لحظة الإلهام والكشف المفاجئة؟
عدنان الحاجي
معنى (وفق) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
الصدقات وعجائب تُروى
عبدالعزيز آل زايد
حقوق الرعية على الوالي عند الإمام عليّ (ع)
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
صفة الجنة في القرآن الكريم
الشيخ محمد جواد مغنية
معـاني الحرّيّة (4)
الشيخ محمد مصباح يزدي
(الغفلة) أوّل موانع السّير والسّلوك إلى الله تعالى
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
النسيان من منظور الفلسفة الدينية (2)
الشيخ شفيق جرادي
يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ!
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيدة الزهراء: حزن بامتداد النّبوّات
حسين حسن آل جامع
اطمئنان
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
لماذا ينبغي استعادة أفلاطون؟ (2)
ماذا يحدث داخل الدماغ أثناء لحظة الإلهام والكشف المفاجئة؟
معنى (وفق) في القرآن الكريم
الصدقات وعجائب تُروى
حقوق الرعية على الوالي عند الإمام عليّ (ع)
صفة الجنة في القرآن الكريم
لماذا ينبغي استعادة أفلاطون؟ (1)
معـاني الحرّيّة (4)
عبير السّماعيل تدشّن روايتها الجديدة (هيرمينوطيقيّة أيّامي)
(الغفلة) أوّل موانع السّير والسّلوك إلى الله تعالى