من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد جواد مغنية
عن الكاتب :
الشيخ محمد جواد مغنية، ولد عام 1322ﻫ في قرية طير دبّا، إحدى قرى جبل عامل في لبنان، درس أوّلاً في مسقط رأسه ثمّ غادر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته الحوزوية، وحين عاد إلى وطنه، عُيّن قاضيًا شرعيًّا في بيروت، ثمّ مستشارًا للمحكمة الشرعيّة العليا، فرئيسًا لها بالوكالة. من مؤلّفاته: التفسير الكاشف، فقه الإمام الصادق(ع)، في ظلال نهج البلاغة، الفقه على المذاهب الخمسة، علم أصول الفقه في ثوبه الجديد، الإسلام والعقل، معالم الفلسفة الإسلامية، صفحات لوقت الفراغ، في ظلال الصحيفة السجادية، وسوى ذلك الكثير. تُوفّي في التاسع عشر من المحرّم 1400ﻫ في بيروت، ثمّ نُقل إلى النجف الأشرف، وصلّى على جثمانه المرجع الديني السيّد أبو القاسم الخوئي، ودُفن في حجرة 17 بالصحن الحيدري.

بدر والطّفّ

كان أصحاب الرّسول صلّى اللّه عليه وآله في بدر ثلاثمئة وبضعة عشر رجلاً «1»، وكان المشركون ألف رجل «2». وكان أصحاب الحسين عليه السّلام في كربلاء ثلاثة وسبعين «3»، وجيش العدوّ ثلاثين ألفًا أو يزيدون.

 

وقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله لقريش يوم بدر: «خلّوني والعرب، فإن أكُ صادقًا كنتم أعلى بي عينًا، وإن أكُ كاذبًا كفتكم ذؤبان العرب أمري، فارجعوا» «4». فأبوا عليه إلّا القتال.

 

وقال الحسين عليه السّلام لجيش ابن زياد: «كتبتم إليّ أن قد أينعت الثّمار واخضرّ الجناب، وإنّما تقدم على جنود مجنّدة، فأقبل. فإن كنتم كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض». فأبوا عليه، كما أبى المشركون على جدّه من قبل «5».

 

وقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله لأصحابه يوم بدر: «قوموا إلى جنّة عرضها السّماوات والأرض» «6». وقال الحسين عليه السّلام لأصحابه: «قوموا إلى الموت الّذي لا بدّ منه، فنهضوا جميعًا والتقى العسكران الرّجّالة والفرسان. واشتّد الصّراع وخفى لإثارة العثير الشّعاع. والسّمهرية ترهف نجيعًا والمشرفية يسمع لها في الهام رقيعًا ولا يجد الحسين عليه السّلام في مساقط الحرب لوعظه سميعًا» «7».

 

وقال الإمام الصّادق عليه السّلام: «لقد كشف اللّه الغطاء لأصحاب الحسين حتّى رأوا منازلهم في الجنّة» «8».

 

وكان أصحاب الرّسول يوم بدر يتسابقون إلى الموت ليصلوا إلى أماكنهم في الجنّة، حتّى أنّ عمر بن الحمام لمّا سمع النّبيّ يقول: «قوموا إلى الجنّة كان يأكل تمرات في يده فرماها، وقال: «لئن حيّيت حتّى آكلهنّ، أنّها لحياة طويلة...» «9». وهكذا كان الرّجل من أصحاب الحسين يستقبل الرّماح والسّيوف بصدره ووجهه، ليصل إلى مكانه في الجنّة.

 

وقال المقداد بن الأسود للنّبيّ يوم بدر: «واللّه لو أمرتنا أن نخوض جمر الغض وشوك الهراس لخضناه معك «10»، واللّه لا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السّلام: (قالوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) «11».

 

وقال الحسين لأصحابه: «... ألا وإنّي أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غدًا، وإنّي قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعًا في حلّ ليس عليكم من ذمام، هذا اللّيل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً، وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، فجزاكم اللّه جميعًا خيرًا، وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم، فإنّ القوم إنّما يطلبوني، ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري...» «12».

 

فقال: أنّكم تقتلون غدًا كلّكم، ولا يفلت منكم رجل.

 

قالوا: الحمد للّه الّذي شرّفنا بالقتل معك «13».

 

وقال أبو جهل يوم بدر: «اللّهمّ أنّ محمّدًا أقطعنا للرّحم، وأتانا بما لا نعرف، فانصرنا عليه» «14».

 

وقال يزيد لعليّ بن الحسين: يا عليّ بن الحسين أنّ أباك الّذي قطع رحمي، وجهل حقّي، ونازعني سلطاني فنزل به ما رأيت، فقال عليّ رضى اللّه عنه: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ «15».

 

فقال يزيد: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ «16» فقال عليّ رضي اللّه عنه: هذا في حقّ من ظلم لا في من ظلم «17».

 

وقال يزيد فيما قاله للإمام زين العابدين عليه السّلام: « الحمد للّه الّذي قتل أباك.

 

فقال له الإمام: لعنة اللّه على من قتل أبي» «18».

 

وانتشر الإسلام بعد غزوة بدر، وتحرّر الضّعفاء من سيطرة الأقوياء.

 

وولد بكربلاء مبدأ جديد، هو الإيمان بأنّ الموت في سبيل الحقّ خير من الحياة مع المبطلين، وقضى هذا المبدأ على الأمويّين وسلطانهم الجائر، ولقد أثبتت التّجارب بأنّ إيمان الإنسان بحقّه، وحرصه على حرّيته، وحفاظه على رزقه أقوى من كلّ سلاح وعتاد، فلقد تغلبت إفريقيا الجائعة العزلاء، وغيرها من الشّعوب المستضعفة على المستبدين الأقوياء، تغلبت بقوّة الإيمان بأنّ الإنسان يجب أن يعيش حرًّا كريمًا، وهذا هو مبدأ الحسين الّذي ضحّى من أجله بنفسه وأهله.

 

ولا شيء أدل على قوّة الصّلة والشّبه بين بدر وكربلاء من إنشاد يزيد، وهو ينكث ثنايا الحسين بقضيبه «19»:

 

لعبت هاشم بالملك فما * ملك جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم * من بني أحمد ما كان فعل

لمّا بدت تلك الحمول وأشرقت * تلك الرّؤوس على شفا جيرون

نعت الغراب فقلت قل أو لا تقل * فقد اقتضيت من الرّسول ديوني

يا غراب البين ما شئت فقل * إنّما تندب أمرًا قد حصل

إنّ أشياخي ببدر لو رأوا * مصرع الخزرج من وقع الأثل

لأهلوّا واستهلوا فرحًا * ثمّ قالوا يا يزيد لا تسل

 

كلّا، لم ينتقم يزيد من بني أحمد، وإنّما انتقم اللّه منه ومن بني أميّة بني أحمد وللإنسانية جمعاء، إنّه لم يقتل مبدأ الحسين، وإنّما قتل نفسه، وقضى على سلطانه، كما قالت السّيّدة زينب فيما قالت ليزيد بعد ما سمعته يهتف بأشياخه: تهتف بأشياخك!... زعمت أنّك تناديهم، فلتردن وشيكًا موردهم، ولتردن أنّك شللّت وبكمت، ولم تكن قلت ما قلت، وفعلت ما فعلت، اللّهمّ خذّ لنا بحقّنا، وانتقم ممّن ظلمنا، وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا، وقتل حماتنا، فواللّه ما فريت إلّا جلدك، ولا حززت إلّا لحمك» «20».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فقد نصّ المؤرّخون أنّ عددهم كان (313) رجلاً ولم يكن فيهم إلّا فارسين: المقداد بن عمرو الكندي، والزّبير بن العوّام، وكانت معهم (70) بعيرًا وكانوا يتعاقبون على البعير بين الرّجلين والثّلاثة والأربعة، فمثلاً كان بين النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله، وعليّ، وزيد بن حارثة بعير. وكانت راية النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله مع عليّ عليه السّلام كما جاء في الكامل لابن الأثير: 2 / 116 والسّيرة الحلبية بهامش السّيرة النّبويّة: 2 / 143، تأريخ دمشق: 1 / 143 / 302.

(2) كان عدد المشركين يتراوح بين (900 و 1000) كما جاء في تأريخ الطّبريّ: 4 / 267، والسّيرة لابن هشام: 2 / 354، وفيهم العبّاس بن عبد المطّلب وأبو جهل، وقتل من المشركين (70) من رجالاتهم وساداتهم.

(3) انظر، تأريخ اليعقوبي: 2 / 230، الاتحاف بحبّ الأشراف للشّبراوي: 151. بتحقيقنا، مقتل الحسين: 2 / 4. والخوارزمي يروي غالبًا عن تأريخ ابن أعثم، أبو محمّد أحمد، توفّي سنة (314 ه) في الفتوح: 3 / 94، وهذه الرّواية عن هذا المؤرخ، فتكون إذن، رواية في مستوى رواية الطّبري.

(4) انظر، تأريخ دمشق: 38 / 254 و : 66 / 318، مغازي الواقدي: 1 / 61.

(5) انظر، المقتل لأبي مخنف: 16، الفتوح: 3 / 33، مقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 195، اللّهوف في قتلى الطّفوف: 15، أنساب الأشراف: 3 / 158، وقعة الطّفّ لأبي مخنف: 92، تذكرة الخواصّ: 220، الأخبار الطّوال: 229، مختصر تأريخ دمشق: 23 / 151، جمهرة أنساب العرب: 295، تأريخ الطّبري: 4 / 323، البداية والنّهاية: 8 / 194، إعلام الورى بأعلام الهدى: 1 / 459.

(6) انظر، مسند أحمد: 3 / 136، صحيح مسلم: 6 / 44، المستدرك على الصّحيحين: 3 / 426، السّنن الكبرى: 9 / 43 و 99، تفسير ابن كثير: 1 / 543 و : 2 / 337، الطّبقات الكبرى: 3 / 565، سير أعلام النّبلاء: 1 / 253، الإصابة: 4 / 549 و : 7 / 240، البداية والنّهاية: 3 / 338، السّيرة النّبويّة: 2 / 421.

(7) انظر، مثير الأحزان: 41.

(8) انظر، علل الشّرائع: 1 / 229 ح 1.

(9) انظر، تفسير ابن كثير: 2 / 337، صحيح البخاري: 4 / 1487 ح 3820، سنن النّسائي: 6 / 33 ح 3154، موطّأ مالك: 2 / 466 ح 997، مسند أبي يعلى: 3 / 465 ح 1972، التّمهيد لابن عبد البر: 24 / 98 ح 477، شرح الزّرقاني: 3 / 60، الإصابة: 6 / 652 رقم «9251».

(10) انظر، مغازي الواقدي: 1 / 48 - 49 طبعة أكسفورد، وإمتاع الأسماع للمقريزي: 74 - 75، تأريخ الخميس: 1 / 373، التّعليق على هذا الحديث في كتابنا «البيعة وولاية العهد والشّورى وآثارها في تنصيب الخليفة»، دراسة علمية تحليلية لردّ الشّبهات: 196، وما بعدها.

(11) المائدة: 24.

(12) انظر، تأريخ الطّبري: 5 / 419، تأريخ اليعقوبي: 2 / 231، مقتل الخوارزمي: 1 / 247.  انظر، مقتل الحسين لأبي مخنف: 79 - 80 مع اختلاف يسير، الإرشاد للشّيخ المفيد: 2 / 76، مقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 228، تأريخ الطّبري: 4 / 301، الكامل في التّأريخ لابن الأثير: 3 / 17 و 18، البداية والنّهاية لابن كثير: 8 / 168 و 171، الأخبار الطّوال: 248.

(13) انظر، البداية والنّهاية: 8 / 191.

(14) انظر، تفسير الطّبري: 2 / 34 و : 9 / 208 و 209، تفسير ابن كثير: 2 / 297، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 355 ح 36674، السّيرة النّبويّة: 3 / 176 و : 3 / 222، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 14 / 132، تفسير القرطبي: 7 / 386.

(15) الحديد: 23.

(16) الشّورى: 30.

(17) انظر، تأريخ الطّبري: 6 / 265، الفتوح: 3 / 152، تأريخ ابن عساكر: 4 / 341، سير أعلام النّبلاء: 3 / 303، البداية والنّهاية: 8 / 211، ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام لابن عساكر: 338.

(18) انظر، الاحتجاج: 2 / 39 و 132.

(19) انظر، اللّهوف في قتلى الطّفوف: 102، مقتل الحسين للخوارزمي: 2 / 66، شرح النّهج لابن أبي الحديد: 2 / 383 الطّبعة الأولى مصر، الأمالي لأبي عليّ القالي: 1 / 142، والبكري فري شرحه: 1 / 387، الآثار الباقية: 331 طبعة الاوفسيت، الأخبار الطّوال: 261، سمط النّجوم العوالي: 3 / 73، فحول الشّعراء: 199 - 200، سيرة ابن هشام: 3 / 144، الحيوان للجاحظ: 5 / 564، مقاتل الطّالبيّين: 119، مقتل الحسين لأبي مخنف: 213 و 220.

(20) انظر، بلاغات النّساء لابن طيفور: 22، الاحتجاج: 2 / 36، مثير الأحزان لابن نما: 81، مقتل الحسين لأبي مخنف الأزدي: 227.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد