من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

الخطب التي جرت في الكوفة (2)

الخطبة الثالثة: خطبة أم كلثوم بنت أمير المؤمنين عليه السلام

 

قال السيد بعد أن نقل خطبتي زينب العقيلة وفاطمة الصغرى: إنه خطبت أم كلثوم ابنة علي عليهما السلام في ذلك اليوم من وراء كلتها، رافعة صوتها بالبكاء..

 

وهنا ينبغي التوقف للاستفادة من هذه الإشارة في قضية تاريخية، وهي: هل أنه كان للإمام عليّ عليه السلام ابنتان: زينب وأم كلثوم؟ أو هما واحدة تارة تعرف بالاسم وأخرى بالكنية كما ذهب إلى ذلك المرحوم السيد المقرم في كتابه مقتل الحسين.

 

وهذا البحث وإن كان محله ليس هنا وإنما قد يبحث في موضوع الأولاد والذرية للإمام أو في الحياة الأسرية، وهو غير هذا المقام إلا أن هذا الموقع مما يفيد في تلك المواضع، فإن النص هنا يشير إلى التعدد، ولا معنى لتكلف أن يكون هناك امرأة واحدة خطبت مرتين في موضعين وبأسلوبين مختلفتين تماماً كما سيأتي، ومع ذلك يقال هي واحدة؛ عبر عنها الراوي تارة بالاسم وأخرى بالكنية لا نرى وجهاً صحيحاً لذلك أبداً.

 

إن المتأمل في صياغة الخبر ثم في الخطبة نفسها من حيث المعاني التي تطرقت لها أم كلثوم، وأساليب الخطاب تختلف اختلافاً كاملاً ولا سيما في أدب الخطاب وقوة الكلمات عما نجده لدى العقيلة زينب عليها السلام، وبالفعل فإن ما قيل في كلام السيدة زينب من أنها (ما رأيت خفرة أفصح منها.. أو أنها تفرغ عن لسان أبيها.. أو ما قاله ابن زياد في شأن كلامها) كل ذلك لا ينطبق على ما قالته أختها أم كلثوم.

 

إن هذه الخطبة لأم كلثوم، وهي قليلة الكلمات، هي أشبه بنفثة ألم مخلوطة بالبكاء والعويل، استوحت مما قالته العقيلة أختها واستمدت منها، ولكن يبقى الفارق كبيراً جداً بين النسيجين، والاختلاف بيّن في القماشتين: فهلمّ لنرى ما قالته أم كلثوم كما نقله أيضاً في الملهوف: يا أهل الكوفة، سَوءاً لكم! ما لكم؟ خذلتم حسيناً وقتلتموه وانتهبتم أمواله وورثتموه وسبيتم نساءه ونكبتموه؟! فتباً لكم وسحقاً. ويلكم! أتدرون أي دواهٍ دهتكم؟ وأي وزر على ظهوركم حملتم؟ وأي دماء سفكتموها؟ وأي كريمة اهتضمتموها؟ وأي صبية سلبتموها؟ وأي أموال نهبتموها؟ قتلتم خير رجالات بعد النبي صلى الله عليه وآله، ونزعت الرحمة من قلوبكم، ألا إن حزب الله هم الغالبون وحزب الشيطان هم الخاسرون.

 

ثم قالت: قتلتم أخـي صبراً فويــل لأمكم، ستجزون ناراً حـرها يتوقـد، سفكتم دمـاء حــرم الله سفكها، وحرمهـا القرآن ثــم محمد، ألا فأبشروا بـالنار إنكم غداً، لفي قعر نار حرها يتصعد، وإني لأبكي فـي حياتي على أخي، على خير مـن بعـد النبي سيولـد.

 

الخطبة الرابعة: خطبة الإمام علي بن الحسين عليهما السلام

 

ثم إن زين العابدين عليه السلام أومأ إلى الناس أن اسكتوا، فسكتوا، فاستوى قائماً، فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي بما هو أهله فصلى عليه، ثم قال:

 

أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي: أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات، أنا ابن من انتهك حريمه وسلب نعيمه وانتهب ماله وسبي عياله، أنا ابن من قتل صبراً وكفى بذلك فخراً.

 

أيها الناس، ناشدتكم الله هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه وخذلتموه؟! فتباً لما قدمتم لأنفسكم وسوءاً لرأيكم، بأية عين تنظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله اذ يقول لكم: قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي؟.

 

قال الراوي: فارتفعت اصوات الناس من كل ناحية، ويقول بعضهم لبعض: هلكتم وما تعلمون.

 

فقال: "رحم الله امرءًا قبل نصيحتي وحفظ وصيتي في الله وفي رسوله وأهل بيته، فان لنا في رسول الله أسوة حسنة". فقالوا بأجمعهم: نحن كلنا يا بن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك، فأمرنا بأمرك يرحمك الله، فإنا حرب لحربك وسلم لسلمك، لنأخذنّ يزيد ونبرأ ممن ظلمك وظلمنا.

 

فقال عليه السلام: «هيهات هيهات، أيها الغدرة المكرة، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم إلى أبي من قبل؟! كلاّ ورب الراقصات (إلى منى)، فإن الجرح لما يندمل، قتل أبي صلوات الله عليه بالأمس وأهل بيته معه، ولم ينسني ثكل رسول الله صلى الله عليه وآله وثكل أبي وبني أبي، ووجده بين لهواتي، ومرارته بين حناجري وحلقي، وغصصه تجري في فراش صدري.

 

ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا، ثم قال:

لا غرو إن قتل الحسين فشيخه، قد كان خيراً من حسين وأكرما

فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي، أصاب حسيناً كان ذلك أعظما

قتيل بشط النهر روحي فداؤه، جزاء الذي أراده نار جهنما

 

ثم قال عليه السلام: رضينا منكم رأساً برأس فلا يوم لنا ولا علينا.

 

وهي من حيث العبارات لا تعتبر من الخطب الطويلة لكنها تناولت أمورًا مهمة:

 

التعريف بنفسه باعتبار أنه ابن الحسين الشهيد الذي قتل بشط الفرات من غير ترات (ثارات) ولا ذنب! وهذا مهم لجهة أن قسماً من أهل الكوفة لا يعرفون بالضرورة الإمام السجاد عليه السلام كما تعرف بالوصف إلى أنه ابن من سلب نعيمه وانتهك حريمه.

 

ثم إن النقطة الثانية وهي التي كان ينتظر فيها جوابهم ولم نجدها بنفس الكيفية في سائر الخطابات وهو أنه قررهم بالسؤال: هل أنهم كتبوا إلى الحسين وعاهدوه على أن ينصروه؟ وأنهم بعد ذلك خدعوه؟ وأنهم ماذا يجيبون رسول الله صلى الله عليه وآله لو سألهم في ذلك؟ وأنهم لماذا خذلوا ذريته؟ وأن النبي سينفيهم عن أمته!

 

وحيث كان السؤال مباشراً والجواب منتظراً منهم، فقد أجابوه: كلنا يا ابن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك، فأمرنا بأمرك يرحمك الله، فإنا حرب لحربك وسلم لسلمك، لنأخذنّ يزيدَ ونبرأ ممن ظلمك وظلمنا، إلا أن الإمام عليه السلام رفض منهم هذه الفيضة النفسية غير المتهيئة من الناحية العملية، فما أسرع أن يسل هؤلاء ألسنتهم بالتأييد وأعينهم بالدمع من دون أن يحركوا ساكناً، وإلا فما الذي يمنعهم من ذلك وهم من الصباح يتفرجون على أسارى آل محمد ثم لا يحرك الواحد منهم ساكناً أو يقول كلمة؟ فهل بقيت المسألة منتظرة أن يأمرهم الإمام السجاد؟!

 

لذلك قال عليه السلام - فاضحاً إياهم - هيهات هيهات، أيها الغدرة المكرة.. وأشار إلى أن الأمر راجع إلى أنه "حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم" فإن حب الحياة والرغبة في العيش والخوف من التضحية كلها مانعة لهم عن اتخاذ موقف كالذي أشاروا إليه.

 

واكتفى منهم بموقف لا يكلفهم ولا هو يعتمد فيه عليهم وهو أن (مسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا) أي نحن لا ننتظر معونتكم ولا مساعدتكم ولكن على الأقل لا تكونوا إلباً لبني أمية وأنصارهم علينا بالشماتة أو المعاونة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد