ماذا يعني مقتضى الاعتبار؟
الحروف التي نستخدمها في اللغة العربية مثلاً هي واحدة، لكن الكلام يختلف من شخص لآخر في ترتيبه للجملة الواحدة، فيتميز كل شخص عن الآخر في طريقة الكلام، فكلامي يختلف عن كلامك، وكلامنا يختلف عن كلام العالم الفلاني، مع أن الحروف التي نستخدمها هي حروف واحدة، ولكن الفرق ما هو؟
الفرق أنه من خلال ترتيب الكلمات عند ذلك العالم، يستطيع استخراج نظرية جميلة، فأنا لا يوجد لدي هذا الترتيب مع أن عندي الحروف وعندي نفس الكلمات، وهذا واحد من أوجه التحدي الذي ساقه القرآن لمن يتحداه. يقول له هذه الحروف: (آلم)، و(حم)، و(حم عسق)، (وكهيعص)، هي ذلك الكتاب لا ريب فيه. {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[1] {حم تَنْزِيلُ الْكِتَاب ِمِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[2]، هذه الحروف موجودة عندكم، الكلمات نفسها موجودة عندكم، الأدوات كلها عندكم، لكن نتحدى أن تأتوا بكتاب من مثله، بل نتحدى أن تأتوا بعشر سور، بل وصل التحدي أن تأتوا بسورة واحدة وهذا أبلغ في التحدي. الفرق هو في ماذا؟
الفرق هو أن نفس هذه الحروف، كيف أجمعها في كلمة، وهذه الكلمات كيف أجمعها في جملة، ولذلك لا بد أن تكون هذه الحروف نحو جمعها، فيما هي كلمة واحدة، وفيما هي في كلمات، لا بد أن تكون من قبل الوحي، لا بد أن يكون من عند الله، ارتباط هذه الآية بالآية التي قبلها والآية التي بعدها أيضًا كذلك، فإن تغيير موضع الكلمة في الجملة، وتغيير الجملة في موضعها بين هذه الجمل، قد يغير المعنى بشكل كامل.
قم بتكوين جملة واحدة، وغيّر مواضع الكلمات فيها، ضع الكلمة الأخيرة في الأول، والتي في الأول ضعها في الأخير، والتي في المنتصف غيّر موقعها كذلك، فستلاحظ أن المعنى تغيّر تماماً. كذلك بالنسبة لترتيب الكلمات في الآية، وترتيب الآيات فيما بينها تقديماً وتأخيراً.
بالإضافة إلى ما ورد الإخبار عنه أن رسول الله (ص) كان يأمر بوضع الآيات والكلمات في مواضعها، فإن ذلك هو مقتضى الاعتبار، فلو تغيّر يتغيّر المعنى ويحصل التحريف، وأحياناً لا يكون للكلام معنى أصلاً، مع أن الكلمات هي نفس الكلمات، إذا تغيّر ترتيبها واختلف.
فإذن ترتيب الآيات فيما بينها والكلمات فيما بينها هو من وحي الله عز وجل.
لماذا اختلف عدد الآيات عند العلماء؟
اختلف الباحثون في عدد آيات القرآن الكريم، فهل هذه دلالة على زيادة في القرآن أو نقيصة؟
ذكرنا أن أجزاء القرآن الكريم هي 30 جزءًا وعدد السور هو 114 سورة [3]، أما عدد الآيات فقد اختلفوا فيه وذكروا أن آيات القرآن الكريم، ما بين 6660 كحد أعلى و6200 آية كحد أدنى ويتبين بهذا أن الفرق بين العددين يصل إلى 400 آية، فكيف يكون هذا؟ هل معناه أن القرآن مختلف بين زيادة ونقيصة؟
لا، ليس الأمر كذلك، فحتى الذين اختلفوا في عدد آيات القرآن الكريم اتفقوا على أنه لا يوجد اختلاف بينهما لا نقيصة ولا زيادة، إذن من أين الاختلاف؟
قالوا: جاء الاختلاف من أمور عارضة، فمن تلك الأمور:
حساب أو عدم حساب البسملة كآية من الآيات، عندنا البسملات في أوائل السور: 113 بسملة، في أوائل السور[4] فقسم من المسلمين، لم يعدّوا البسملة آية، خلافاً لمدرسة أهل البيت التي تقول إن البسملة هي أعظم الآيات، ففي حديث عن الإمام الصادق (ع) يقرعهم وينعى عليهم، يقول: «وعمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها وهي بسم الله الرحمن الرحيم» [5]، هذه البسملة هي عنوان، كانوا يقولون: كنّا لا نعرف سورة عن سورة إلا بالبسملة، لأنها الفاصلة بين هذه وتلك، فإذا جاء جماعة، كما عليه قسم من المسلمين ولم يعدّوا البسملة آية، هذا يؤثر في العدد بلا إشكال.
عندما تمت كتابة القرآن الكريم في وقت متأخر، وتم رسم الأعداد في نهاية الآيات، اختلفوا في هذا في بعض الأماكن، قسم من الذين كتبوا القرآن، لم يكونوا ضابطين لقواعد الخط العربي، ولذلك ورد فيها بعض الأخطاء من ناحية قواعد الإملاء والإعراب وهذا لا يضر فيها، ولكن عندما كتبت في المصحف الذي اعتمد على مستوى الأمة في زمان الخليفة الثالث، كان فيه أخطاء إملائية، حتى أن الخليفة الثالث التفت إليه حسب الرواية الرسمية، ولكن عندما سئل أمير المؤمنين (ع) كما ورد في الرواية، لم يشأ أن يفتح باب التعديل حتى لا يتعرض القرآن من قبل الحاكمين للجرأة عليه، وعندما وصل الدور إلى التنقيط والتشكيل ووضع الحركات، وصار في نهاية كل آية ترقيم، فهنا حدث اختلاف، مثلاً يأتي أحدهم ويقول: {ق*وَالقرآن الْمَجِيدِ}[6] فيعتبر (ق) آية، فيضع علامة دائرة بعدها، {والقرآن المجيد} آية أخرى فتكون هذه آيتين، يأتي كاتب آخر فيعتبرها كلها آية (ق وَالقرآن الْمَجِيدِ)، ويضع دائرة بعدها فتكون عند هذا الكاتب آية واحدة، فالأول لم يحذف آية والثاني لم يضف آية وإنما الاختلاف فقط في الترقيم، كذلك الأمر بالنسبة لسورة ص (ص والقرآن ذي الذكر)[7]، وأيضا هذا ينطبق على مثل قوله تعالى: {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ}[8] البعض هنا وضع دائرة في نهايتها فصارت آية، والبعض الآخر قال: لا، ليست هذه نهاية آية، نكملها للأخير. فهذه أمور في الكتابة والرسم والإملاء جعلت شيئًا من الاختلاف في عدد الآيات النهائي.
وأما عن العدد: فقد ذكر الشيخ الطبرسي رضوان الله تعالى عليه (ت ٥٤٨هـ) في كتابه مجمع البيان[9]، قال: الموجود الآن من الآيات بحسب هذا التعداد هو 6236 آية، وهو الموافق الآن للمصحف الموجود والمشهور في كتابته بين المسلمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] البقرة / 1، 2
[2] الجاثية / 1، 2
[3] بعض السور في خصوص الصلاة تحسب سورتين سورة واحدة مثل سورة الفيل وقريش، والضحى وألم نشرح.. في رأي الإمامية حيث يوجبون قراءة سورة كاملة بعد الفاتحة.
[4] مع ضم ما هو موجود في داخل سورة النمل: (إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) يكون المجموع 114 بسملة. لكن في بدايات السور هو 113 بسملة لـ 114 سورة، نظراً لأن سورة التوبة المعروفة بسورة براءة، ليس في أولها بسملة.
[5] بحار الأنوار ٨٩ / ٢٣٨.
[6] سورة ق / 1
[7] سورة ص / 1
[8] ص / 84
[9] في رواية أن عليًّا (ع) سأل النبي (ص) عن ثواب القرآن فأجابه.. ثم قال النبي (ص) جميع سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة، وجميع آيات القرآن ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية.. مجمع البيان 10 / 212
عدنان الحاجي
السيد عادل العلوي
الشيخ إبراهيم السنّي التاروتي
الشيخ جعفر السبحاني
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ فوزي آل سيف
حيدر حب الله
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
العلاقات الاجتماعية وفرصة تبادل الميكروبيوم بين الناس
هل يعاد المعدم؟
زهور المستقبل يحتفي بذوي الإعاقة
فاطمة الزهراء (ع) في معراج النبيّ (ص)
الشيخ عبد الجليل الزاكي: المظهر المادي للكفر بالله
دلالة الحديث القدسي: لولا فاطمة ما خلقتكما
(فدك في التاريخ): قراءة تحليلية في بنية السلطة وصراع الشرعية
(جروح الليالي) قصيدة مؤثرّة أبدع بها الرّادود علي آل تراب
العهد التأسيسي للفقه
الإسلام والمواثيق