من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد هادي معرفة
عن الكاتب :
ولد عام 1348هـ بمدينة كربلاء المقدّسة، بعد إتمامه دراسته للمرحلة الابتدائية دخل الحوزة العلمية بمدينة كربلاء، فدرس فيها المقدّمات والسطوح. وعلم الأدب والمنطق والعلوم الفلكية والرياضية على بعض أساتذة الحوزة العلمية، عام 1380هـ هاجر إلى مدينة النجف الأشرف لإتمام دراسته الحوزوية فحضر عند بعض كبار علمائها كالسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي، ثم سافر إلى مدينة قم المقدسة والتحق بالحوزة العلمية هناك وحضر درس الميرزا هاشم الآملي. من مؤلفاته: التمهيد في علوم القرآن، التفسير والمفسِّرون، صيانة القرآن من التحريف، حقوق المرأة في الإسلام.. توفّي في اليوم التاسع والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام من عام 1427هـ بمدينة قم المقدّسة، ودفن بجوار مرقد السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام

أوّل من نقّط المصحف وشكّله

أوّل من نقّط المصحف

کان الخطّ عندما اقتبسته العرب من السریان والأنباط، خالیًا من النقط، ولا تزال الخطوط السریانیّة بلا نقط إلی الیوم. وهکذا جرت علیه العرب، یکتبون بلا نقط حتی منتصف القرن الأوّل، وبعده بقلیل جعل الخطّ العربی ینتقل إلی دوره الجدید، دور تشکیل الخطّ وتنقیطه...

وفي ولایة الحجاج بن یوسف الثقفیّ علی العراق من قبل عبد الملك بن مروان (75- 86 ه) تعرّف الناس علی نقط الحروف المعجمة وامتیازها عن الحروف المهملة. وذلك علی ید یحیی بن یعمر ونصر بن عاصم، تلمیذي أبي الأسود الدؤلي [1].

والسبب فی ذلك: أنّ الموالي فی هذا العهد قد کثروا، وازدحم القطر الإسلامیّ بأجانب عن اللغة العربیّة، وکان منهم العلماء والقرّاء، والعربیّة لیست لغتهم، فکان لا بدّ أن یقع فی تلفّظهم لحن، ومن ثم کثر التصحیف في القراءات، وهال المسلمین ذلك.

حکی أبو أحمد العسکري [2] أن الناس كانوا یقرأون فی مصحف عثمان نیفًا وأربعین سنة الی أیام عبد الملك بن مروان، ثم کثر التصحیف وانتشر بالعراق، ففزع الحجاج بن یوسف الی کتّابه وسألهم أن یضعوا لهذه الحروف المشتبهة علامات. فیقال: إنّ نصر بن عاصم قام بذلك فوضع النقط أفرادًا وأزواجًا وخالف بین أماکنها... [3].

وقال الأستاذ الزرقاني: أوّل من نقّط المصحف هو یحیی بن یعمر ونصر بن عاصم تلمیذا أبي الأسود الدؤلي [4].

 

أوّل من شکّل المصحف:

وهکذا کان الخطّ العربیّ آنذاك مجرّدًا عن التشکیل (علائم حرکة الکلمة وإعرابها) وبطبیعة الحال کان المصحف الشریف خلوًا عن کلّ علامة تشیر الی حرکة الکلمة أو إعرابها.

بید أنّ القرآن فی الصدر الأوّل کان محفوظًا فی صدور الرجال ومأمونًا علیه من الخطأ واللحن، بسبب أنّ العرب کانت تقرأه صحیحًا حسب سلیقتها الفطریّة التی کانت محفوظة لحدّ ذاك الوقت. أضف الی ذلك شدّة عنایتهم بالأخذ والتلقي عن مشایخ کانوا قریبي العهد بعصر النبوّة. فقد توفّرت الدواعي علی حفظه وضبطه صحیحًا حینذاك.

أمّا وبعد منتصف القرن الأوّل حیث کثر الدخلاء وهم أجانب عن اللغة فإنّ السلیقة کانت تعوزهم، فکانوا بأمسّ حاجة الی وضع علائم ودلالات تؤمن علیهم الخطأ واللحن.

مثلًا: لفظة «کتب» کانت العرب تعرف بسلیقتها الذاتیّة، أنّها في قوله تعالی: «کَتَبَ رَبُّکُمْ عَلی نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ» [5] تقرأ مبنیًّا للفاعل، وفي قوله تعالی: «کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیامُ» [6] مبنیًّا للمفعول. أمّا الرجل الأعجمي فکان یشتبه علیه قراءتها معلومة أو مجهولة.

کما أنّ أبا أسود سمع قارئا یقرأ: «أنّ اللّه بريء من المشرکین ورسوله» [7]- بکسر اللام- فقال: ما ظننت أنّ أمر الناس آل الی هذا، فرجع الی زیاد بن أبیه- وکان والیًا علی الکوفة (50- 53 ه) وکان قد طلب إلیه أن یصنع شیئًا یکون للناس إمامًا، ویعرف به کتاب اللّه، فاستعفاه أبو الأسود، حتی سمع بنفسه هذا اللحن فی کلام اللّه- فعند ذلك عزم علی إنجاز ما طلبه زیاد [8] فقال: أفعل ما أمر به الأمیر، فلیبغ لي کاتبًا مجیدًا یفعل ما أقول. فأتوه بکاتب من عبد قیس فلم یرضه، فأتوه بآخر وکان واعیًا فاستحسنه.

قال أبو الأسود للکاتب: إذا رأیتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه من أعلاه. وإن ضممت فمي فانقط نقطة بین یدي الحرف وإن کسرت فاجعل النقطة من تحت الحرف [9] وفي لفظ ابن عیاض: زیادة قوله: فإذا أتبعت ذلك غنّة فاجعل النقطة نقطتین ففعل [10].

وظلّ الناس بعد ذلك یستعملون هذه النقط علائم للحرکات، غیر أنهم - في الأغلب- کانوا یکتبونها بلون غیر لون خطّ المصحف. والأکثر یکتبونها بلون أحمر.

والظاهر أنّ تبدیل النقط السود الی نقط ملوّنة حدث بعد وضع الإعجام علی ید نصر بن عاصم الآنف، للفرق بین النقطة التی هي علامة الحرکة، والتي هی علامة الإعجام.

قال جرجي زیدان: وقد شاهدنا فی دار الکتب المصریّة مصحفًا کوفیًّا منقّطًا علی هذه الکیفیّة، وجدوه في جامع عمرو بن العاص بجوار القاهرة، وهو من أقدم مصاحف العالم، ومکتوب علی رقوق کبیرة بمداد أسود وفیه نقط حمراء اللون، فالنقطة من فوق الحرف فتحة وتحتها کسرة وبین یدیها ضمّة، کما وصفها أبو الأسود [11].

وقد جری بالأندلس استعمال أربعة ألوان للمصاحف هی: اللون الأسود، للحروف. واللون الأحمر، للشکل بطریقة النقط. واللون الأصفر، للهمزات. واللون الأخضر، لألفات الوصل [12].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) دائرة معارف القرن العشرین: ج 3 ص 722. ومناهل العرفان: ج 1 ص 399- 400. وتاریخ القرآن: ص 68.

(2) في کتاب التصحیف: ص 13.

(3) ابن خلکان: ج 2 ص 32 في ترجمة الحجاج.

(4) مناهل العرفان: ج 1 ص 399.

(5) الأنعام: 54.

(6) البقرة: 183.

(7) التوبة: 3.

(8) یقال: إنّ زیادًا هو الذي دبّر هذه الطریقة لیجبر بها أبا الأسود علی قبول ما طلبه منه. فأوعز الی رجل من أتباعه أن یقعد فی طریق أبي الأسود ویتعمّد اللحن فی القراءة (ترکي عطیة: الخطّ العربیّ الإسلامیّ: ص 26) و (یوسف أحمد: الخطّ الکوفي: ص 23).

(9) الفهرست: ص 46 الفنّ الأوّل من المقالة الثانیة.

(10) تأسیس الشیعة لعلوم الإسلام، السید حسن الصدر: ص 52.

(11) تاریخ التمدن الإسلامي: ج 3 ص 61.

(12) الخطّ العربي الإسلامي (ترکی عطیة): ص 27. نقلًا عن عثمان بن سعید الداني في کتابه «المقنع». وتاریخ القرآن لأبي عبد اللّه الزنجاني: ص 68.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد