"وَلَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ ويَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ ولَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ وَلَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَانًا وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَأَكْبَادٌ حَرَّى أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْش" [أمير المؤمنين(ع)، نهج البلاغة]
لا يُتوقع في أي مجتمع أن يكون جميع الناس تابعين للقائد الأعلى، حتى لو أكنّوا له كل الود. الأتباع الخُلّص هم الذين يؤمنون بأطروحته ومشروعه ويسعون لتطبيقه وتوفير مستلزماته بعد الاطلاع عليه وفهمه. لكن ما لم يحصل ارتباطٌ قوي بين القائد وأتباعه فمن المتوقَّع أن تخمد هذه الاندفاعة عند معظم الأتباع وتثبط عزائمهم. وبعدها سيقف هذا القائد حائرًا حاسرًا وهو يتعجب من ضعف أتباعه وقلة حيلتهم.
حصول هذا التواصل والارتباط ليس بالأمر السهل في المجتمعات الحديثة، خصوصًا مع كل هذه التعقيدات الأمنية التي تطغى على الكثير من اهتمامات مساعديه ومعاونيه وأعضاء مكتبه.. حين يشعر الأتباع بأنّهم يستطيعون الوصول إلى هذا القائد متى ما أرادوا أو أن يوصلوا إليه أفكارهم واقتراحاتهم وانتقاداتهم ومطالبهم متى ما شاءوا، فهذا يعني أنّ هذه القيادة تتمتع بدرجة عالية من القدرة. يمكن القول إنّ هذا هو المؤشر الأول على كون هذا القائد غاية في الاقتدار.
وفي زماننا هذا، يمكن إبداع آليات ذكية لتحقيق هذا التواصل من الطرفين. لكن هذا يتطلب قبل أي شيء اعتقادَ هذا القائد بالقيمة العظيمة للأتباع ومساهماتهم وآرائهم ومشاعرهم.
معظم الرؤساء والزعماء لا يلتفتون إلى الأتباع إلا حين تصبح زعامتهم على المحك، وفي غير هذه الحالة فإنّهم يشكرون الله على قلة المزاحمة وهم مثقلون بما لا يُحصى من المطالب والأسئلة والمتابعات: رسالة إضافية وسوف تكون كالقشة التي تقصم ظهر البعير! شعورٌ يسيطر على أمثال هؤلاء القادة أو من يدير مكاتبهم.
إذا كنت تعمل في مكتب مثل هذا القائد فكيف سيكون شعورك وأنت تستلم كل يوم مئات الرسائل من مختلف بلاد العالم أو من بلدك (إذا كان قائدك محليًّا)؟ هل ستفكر آخر النهار وأنت تهم بالعودة إلى منزلك المريح بأنّ هناك من لا يستطيع إيصال رسالته إلى هذا القائد؟ أو أنه لا يشعر بأنّ رسالته ستصل؟ سيكون هذا خارج نطاق تفكيرك المنشغل بفرز الرسائل المتراكمة التي سلبتك راحتك على مدى الأسبوع!
ولأنّ هذا القائد نفسه يشعر بتدفق الرسائل، فقد يظن أنّ التواصل سهلٌ وهو متاح للجميع. اللهم إلا إذا جاء يومٌ وتقلّص عدد هذه الرسائل بصورةٍ ملفتة. وهذا مستبعدٌ جدًّا طالما هو ممسكٌ بزمام الأمور وبيده الكثير من الصلاحيات والقرارات والإمكانات. لكن علينا أن نعرف بأنّ مثل هذا الشعور بالإشباع الوهمي لا ينسجم أبدًا مع الرؤية القيمية للقيادة في الإسلام. فوفق هذه الرؤية حتى لو كان هناك شخصٌ واحدٌ ضمن نطاق صلاحيات القائد وبسط يده، يعاني الظلم أو الجوع أو المسغبة أو يحتاج إلى توجيه عمله ومساهمته التي كان يسعى فيها لنصرة قائده، لكنّه مع ذلك لا يستطيع الحصول على العدل المطلوب أو التوجيه والتأييد أو حتى نوع من المواساة من قائده هذا، فإنّ جميع أعمال هذا القائد ستذهب أدراج الرياح ولن تكون مقبولةً عند الله تعالى.
لهذا، يجب على القائد أن يوجد كل آلية ممكنة للوصول إلى كل تابع له وتمكين كل الأتباع من إيصال ما عندهم إليه. وهذا الأمر لا يُعد من المستحبات أو المندوبات. إنّه شيءٌ يقف على رأس مسؤوليات أي قائد يتولى أمر جماعة من الناس.
ولا شك بأنّ عالمنا اليوم ورغم ما فيه من تعقيدات أمنية باهظة، فإنّه يتوافر على إمكانات مهمة لإيجاد مثل هذه الآليات للتواصل. ولا يكفي أن يشعر الأتباع بأنّ رسالتهم قد وصلت الى مكتب القيادة، بل يجب إشعارهم بأنّ القائد قد اطّلع على محتواها وذلك من خلال الإجابة عنها باهتمامٍ يتناسب معها.
ولأنّه من الممكن أن يُغرق هذا الكم من الرسائل أكبر وأقوى مكتب في العالم، بسيلها المتواصل الذي يجعل من المستحيل متابعتها (كما يظن قصّار النظر) فإنّه بالإمكان اتّباع عمليات فرز منطقية باستخدام الذكاء الاصطناعي الذي يتجاوز قدرات البشر في هذه النقطة بالذات. وبذلك يصبح أمر المتابعة سهلًا وميسرًا.
يمكننا أن نصمم الذكاء الاصطناعي بحيث يكون قادرًا على قراءة آلاف الرسائل دفعةً واحدة ومن ثم تصنيفها بحسب الأهمية والمطلب والقضية. فما كان مندرجًا تحت المتابعات المعتادة يتم توجيهه إلى الجهات المعنية بهذه المتابعات، مثل حالات التظلُّم التي يُفترض أن تجري ضمن نطاق القضاء، أو مثل رسائل الود وإبراز العواطف التي يُفترض أن يكون لها نحوٌ من الردود المتوافقة معها. أما إذا احتوت الرسائل على اقتراحات مهمة مرتبطة بالمشروع الكبير أو معلومات حسّاسة ترتبط بأمورٍ مصيرية، فإنّها تُعطى الأولوية في المتابعة من قبل القائد نفسه.
باختصار، لا يوجد أي عذر وراء هذا الشعور ببرودة التواصل مع القائد، بل واستحالته. فالقائد البارع هو الذي يبتكر كل ما يلزم من آليات للارتباط بأتباعه الذين يعتبرهم أكبر رصيد له في تنفيذ مشروعه والتقدُّم بقيادته؛ وذلك بالطبع مع مراعاة كل متطلبات الأمن والسرية.
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد عادل العلوي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
الشيخ محمد صنقور
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ علي المشكيني
حيدر حب الله
حبيب المعاتيق
أحمد الرويعي
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
فريد عبد الله النمر
علي النمر
زهراء الشوكان
رسالة في أسماء الله سبحانه وتعالى (3)
الأصول الأربعة في بناء الحیاة
سورة المسد
هل الفساد طبيعة في الملوك؟
القيادة القويّة تتمثّل في الارتباط القويّ مع كلّ الأتباع
جنس المولود في العائلة ليس خبط عشواء
مَدفن رؤوس شهداء كربلاء
المتفائلون متشابهون في تفكيرهم في الأحداث المستقبليّة، بينما لكلّ متشائم طريقته
بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ
ركب الأسارى من كربلاء إلى المدينة