السيد عباس نور الدين
إنّ ولاية أولياء الله ليست سوى ظهور لولاية الله في عالم الطبيعة. وولاية الله هي تدبيره لعالم الوجود وفق إرادته ومشيئته بما يحقّق الغاية منه. وكل من يعمل خلاف هذه الولاية، وتكون حصيلة أعماله مخالفة لها فهو الذي جاء بالسيئة: {وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُون}.[8]
فنحن هنا أمام حصيلة يجب الاعتناء والاهتمام بها أشدّ ما يمكن، لأنّ الأمور تُقاس بحسب الحصيلة النهائيّة.. ولو فرضنا أنّنا قمنا بالكثير من الأعمال الموافقة لما يريده الوليّ طوال حياتنا، لكنّنا خرجنا بحصيلة تُخالف إرادته الواحدة، فهذا يعني أنّنا قد جئنا بتلك السيّئة الواحدة. وبالعكس، إذا قمنا ـ لا سمح الله ـ بالكثير من الأعمال المخالفة لإرادته ودوره، لكنّنا خرجنا بحصيلة موافقة لما يريد، نكون قد جئنا بتلك الحسنة الواحدة.
فافرض أنّك تعمل لدى مهندسٍ في بناءٍ كبير. وافرض أنّك ترتكب الكثير من الأخطاء أثناء عملك، فتوقع الأغراض والمعدّات، وتتلف بعض الحاجيات وتركّب العديد من الأجزاء بطريقة خاطئة، لكنّك في النهاية كنت ممّن ساعد هذا المهندس على إتمام عمله كما اقتضت هندسة البناء (ربما قام غيرك بإصلاح أخطائك تلك)؛ أي أنّ عملك كان في المحصّلة النهائيّة مساهمًا في البناء، ولم يكن كلّه تخريبيًّا؛ فهذا يعني أنّك تستحق الثواب المطلوب. أمّا إذا كنت ممّن يعطّل على هذا المهندس عمله أو أعمال من يساعده، رغم أنّك دقيق في وضع الأشياء وأنت ماهر في حملها ونقلها جيّدًا، لكن ما الفائدة إذا كنت تنقلها إلى مبنًى آخر لا علاقة له بالبناء الذي يعمل عليه المهندس المكلّف من قبل صاحب المشروع؟!
لقد خرجتَ هنا بحصيلة سوداء، ولا ينفعك معها كل أعمالك المرتّبة والجميلة!
هل وجدت في هذا المثال ما يناقض العقل السليم أو الفطرة النقيّة؟
قد تقول: وأين النوايا في هذا الأمر؟ والجواب هو أنّ صلاح النيّة العامّة (النية التي ترسم مسار حياتك، أي نيّتك في النتيجة النهائيّة) لا يمكن أن يجعلك في موضع مخالف لعمل المهندس؛ لأنّ صلاح النيّة الكلّيّة يدلّ على ـ أو يتجلّى في ـ اكتشافك للمهندس ومشروعه. ولهذا نكاد نقطع أنّ من لم يوفّقه الله لهذه المعرفة، فهو سيّئ النيّة في باطنه، وإن كان يريد الكثير من الأشياء الجميلة في حياته.
فطهارة الباطن وصفاء السرّ وصلاحه يتجلّى في معرفة الله والرغبة في الذوبان في إرادته والشوق الأكيد لتحقيق ما يريده. ولأجل ذلك سيكون ثواب مثل هذا الطاهر أن يهديه الله إلى معرفة من هو تجلٍّ ومظهرٍ تامّ لإرادته في هذا العالم. وفي الحديث القدسي الشريف: "فَمَنْ عَمِلَ بِرِضَايَ أُلْزِمُهُ ثَلَاثَ خِصَالٍ أُعَرِّفُهُ شُكْراً لَا يُخَالِطُهُ الْجَهْلُ وَذِكْراً لَا يُخَالِطُهُ النِّسْيَانُ وَمَحَبَّةً لَا يُؤْثِرُ عَلَى مَحَبَّتِي مَحَبَّةَ الْمَخْلُوقِينَ فَإِذَا أَحَبَّنِي أَحْبَبْتُهُ؛ وَأَفْتَحُ عَيْنَ قَلْبِهِ إِلَى جَلَالِي وَلَا أُخْفِي عَلَيْهِ خَاصَّةَ خَلْقِي."[9]
فهل هناك من شرٍّ أشدّ على الإنسان من أن يأتي إلى هذا العالم ولا يعرف ما الذي يريده الله منه؟! وهل هناك من خيرٍ أعلى وأفضل من أن يدرك الإنسان إرادة الله فيه؟!
لقد اقتضت حكمة الله أن يكون وليّ الله على رأس هذه العمليّة البنائيّة. فهو المهندس الرئيس الذي لا يمكن للمشروع أن ينجح دون قيادته له. إنّه العارف به، ولو كان هناك من يعرفه غيره لوجب اتّباعه أيضًا. وهو الأمين عليه لما امتاز به من صفات الكمال. ولو تأمّلنا قليلًا في التاريخ والحاضر، لما وجدنا أنّ المشكلة كانت في تحديد أولياء الله عند المسلمين. فقد كان أولياء الله معروفين بعلمهم وفضائلهم ومشهورين، وإن استتروا أو غُلبوا على أمرهم. ولهذا وجدنا المشكلة دومًا في رغبة الناس باتّباع الأمراء والسلاطين لِما وجدوا عندهم من حظوظ دنيويّة ومتاع زائل. ولكي يبرّروا هذا الاتّباع أضفوا على حياتهم صبغة العبادة والتقوى، وربما أكثروا من الصلاة والصيام، وزايدوا على أئمّة الهدى في قضية الدفاع عن حرمات الله وعن دينه وعن شعائره، لإخفاء جريمتهم الكبرى والتكتّم على تلك السيّئة الواحدة. لكن كانوا أنفسهم يخدعون.
إنّ لهذا المهندس العظيم في كلّ زمانٍ ومكانٍ أولياء وأتباع، يضعهم مواضعهم. وبهذا الوضع والتعيين يتم له مقدّمات المشروع لتنطلق عمليّة البناء. وحين ندفع أي واحد من هؤلاء الأتباع الكفوئين عن موضعه، الذي أراده هذا الإمام له، فهذا يعني أنّنا نخالفه بالمشروع كلّه، ونمنع من قيامه وانطلاقه.. فلكي ينطلق مشروع البناء وتتحقّق الإرادة الواحدة، لا بدّ أن يتم الفريق العامل وأن يكون كلّ واحدٍ في موضعه.
فإذا تنطّح أحدنا واحتلّ موضعًا ليس له (مهما كان حقيرًا بنظره)، فقد منع اكتمال الهيكليّة اللازمة لانطلاقة المشروع الإلهيّ؛ فيكون ممّن عطّل عمل المهندس بالكامل، وهذه هي السيّئة الكبرى التي لا تنفع معها حسنة، حتى لو قمنا بالكثير من الأعمال الجميلة التي تتناسب مع المشروع!
لقد كانت مسيرة الأنبياء والأولياء منذ آدم وإلى يومنا هذا سعيًا نحو تأمين كل مستلزمات المشروع الإلهيّ الواحد. ولم يتم العمل ولم يكتمل لحدّ اليوم. فكل من شارك الأنبياء أو ساهم في هذا السعي فهو صاحب الحسنة، وكل من عثّر سعيهم فهو صاحب تلك السيّئة والخطيئة الكبرى. ولأنّ الله غالبٌ على أمره، فلا بدّ أن يأتي هذا اليوم الذي يكتمل فيه عدد المطلوبين لهذا العمل ونوعيّتهم، ثمّ يتم وضعهم مواضعهم في هذا المشروع الكبير.
ربما شهد التاريخ مثل هذا العدد ومثل تلك النوعيّة اللازمة للنهوض بالمشروع، لكنّ وضع هؤلاء في مواضعهم ضمن الحركة الاجتماعية لم يتحقّق يومًا.
لقد شهد التاريخ وما زال تصدّي الكثيرين لمواضع ليست لهم، فمنعوا من وصول الأكفاء إليها. ولم يكن هناك من خطيئة أعظم من إيقاف المشروع الإلهيّ. فهل علمت لماذا كانت هذه السيّئة أكبر خطيئة.
{رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّار}.[10]
ــــــــــ
[8]. سورة النمل، الآية 90.
[9]. بحار الأنوار، ج74، ص 28.
[10]. سورة البقرة، الآية 201.
السيد عادل العلوي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
عدنان الحاجي
الأستاذ عبد الوهاب حسين
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
العلم الإلهامي برؤية جديدة
الشيخ عبد الجليل البن سعد: المجتمع الرّشيد
هل خلق آدم للجنّة أم للأرض؟
معنى (الدعاء الملحون)
اختلاف آراء الفلاسفة المادّيّين في حقيقة المادّة
كتاب الدّين والضّمير، تهافت وردّ
عوامل احتمال الإصابة بالسّكتة الدّماغيّة الحادّة
صراع الإسلام مع العلمانية
طريقة إعداد البحث
القانون والإيمان باللّه