
الغرب ونزعة الهيمنة
“المشكلة الأساسية في الثقافة الحاضرة تتمثل في أن تقضي على التصور التسلطي في الثقافة الغربية والاستعاضة عنه بتصور يتطلع إلى حكمة العالم الغربي.. وذلك لا يمكن إلا بالانخراط في حوار حضارات حقيقي مع الثقافات غير الغربية”. روجيه غارودي (1913 – 2012). وفي تصور “رولان بريتون”، فإنه يرجع الإشكالية في ذهنية الغرب، إلى منشأ تصور الأوروبيين لمفهوم الحضارة والثقافة، حيث يرى أنه في ذروة العصر الذي كان الأوروبيون يهيمنون فيه على العالم، فكريًّا وسياسيًّا، جرى تصور الحضارة بصيغة المفرد، وكذلك الحال بالنسبة إلى الثقافة”[1].
تاريخيًّا نشأت أوروبا على أساس نزعات الهيمنة والتوسع، وكانت الحروب والإغارات الوسيلة الأنجع في بسط النفوذ وفرض النموذج الثقافي والسياسي، ومع التقادم وبعد عصر التنوير بالذات وتضاؤل هيمنة الكنيسة، وما حققته أوروبا من اكتشافات علمية هائلة، مكنتها فيما بعد من الهيمنة على الطبيعة، لم يغير ذلك من نزعتها للتوسع والهيمنة، باحثة عن الثروات الجغرافية والمعدنية وعلى رأسها ثروة الطاقة، فقامت باستعمار كثير من دول منطقتنا، وخلال الاستعمار العسكري مارست استعمارًا ثقافيًّا حاولت من خلاله السطو على المجال الإدراكي للشعوب المحتلة، حيث ركّز المستعمر على المجال التعليمي، ففتح مدارس تابعة، يضع هو مناهجها، وكان من خلال التربية والتعليم يفرض قيمه ونظرته الوجودية ورؤاه المعرفية وبنيته القيمية، وأول ما تم استهدافه في بنية العقل العربي والإسلامي هو اللغة، لما للغة من قيمة معرفية كبيرة، دون أن يعمل أي اعتبار لاختلاف الثقافات والهوية، بل كان من موقع القوة والنفوذ لا يريد فقط أن يهيمن على الأرض والثروات، بل حتى على عقول البشر ليمحي كل اتصال لهم بهويتهم الخاصة، ويرسم لهم معالم هوية جديدة مرتبطة به، حتى يتحول وجوده في ذهنية الشعوب المحتلة من مستعمر، إلى وجود ضروري تحتاجه الشعوب لتحقيق طموحاتها في العلم، بعد أن كانت ترزح تحت وطأة الاستبداد العثماني لترى فيه الخلاص، كما كان يطمح المستعمر أن يطرح نفسه لتلك الشعوب على أنه خلاصها من الاستبداد.
في هذه المرحلة من الاستعمار العسكري لم تفلح محاولاته تلك، بل تحول من مخلص إلى مستعمر ترى فيه الشعوب وحشًا يريد أن يفتك بها، فكان القرار هو المقاومة التي تعني مزيدًا من التمسك بالهوية، ورفضًا لكل ما له صلة بهذا المستعمر، وهذا لا يعني عدم تأثر كثيرين بهوية هذا المستعمر وببنيته الفكرية والفلسفية، لكن كان الجو الغالب هو الرفض والتحصين ومزيد من التمسك بالهوية.
وهنا تشكلت لدينا تيارات في كيفية التعامل مع المستعمر للأرض:
تيار وجد في المستعمر الخلاص، وانجذب لكل محمولاته المعرفية والعلمية والثقافية، وبالتالي القيمية وانْدَكّ به ليصبح جزءًا منه، ولم يتوان هذا التيار حتى من التعاون عسكريًّا معه ضد أرضه وشعبه، كون مكنة المستعمر العسكرية والعلمية، استطاعت السطو على المجال الإدراكي لكثير من النخب الذين بهرتهم الإنجازات العلمية والحضارة الغربية ببعدها المادي، التي قدمت خدمات للإنسان وسهلت عليه حياته كما يظهر للوهلة الأولى.
تیار رفض رفضًا حاسمًا كل ما له علاقة بهذا المستعمر، حتى لو كان على مستوى العلم والثقافة بما هو نافع، ويمكن أن يقدم تجربة بشرية تدفع باتجاه مزيد من توسعة المدارك، وذلك لأن المستعمر لهيمنته العسكرية ومطامعه التوسعية ونزوعه نحو إقصاء الآخر، استخدم العلم ليس لأجل خدمة الآخر، بل كوسيلة للهيمنة عليه وإقصاء ثقافته وهويته لتحل محله الهوية الاستعمارية وثقافتها.
تیار امتلك نوعًا من المرونة، واستطاع الاستفادة من المنجز العلمي، ولم يسمح مع ذلك من تغيير الهوية ولا الإحلال الثقافي، بل كان محصنًّا ضد أي نوع من الإحلال، ولكنه استفاد من منجزات الغرب الحضارية والعلمية، وهم في ذلك الوقت قلة لكنهم نخبة.
وبعد الانسحاب العسكري نتيجة ضربات المقاومة وتقسيم المنطقة، ووضع أنظمة مستبدة وموالية للمستعمرين، بدأت عملية غزو وحرب من نوع آخر، تهيئ أرضية وقابليات الشعوب لتصبح سوقًا استهلاكية السلع الغرب. وظهرت ازدواجية الغرب في رفعه لشعارات حقوق الإنسان، وفي ذات الوقت دعمه لأنظمة استبدادية قامعة، وكانت شعارات كالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان تستخدم كورقة ضغط في يده على الأنظمة الداخلية.
وفي تقرير حول ممارسات صندوق النقد الدولي، يوضح وحشية الممارسات التي يقوم بها هذا البنك تحت شعار الإنماء وسد العجز، حيث يوضح التقرير بأن الصندوق يعيد خلق العالم على صورته، ويوضح كيف يبشر بـ “دین” أوحد للتقدم ، ويذكر التقرير أنه “عندما تم إنشاء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في سنة 1945، مباشرة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية؛ كان الهدف المعلن من هذه المؤسسات المالية العالمية هو العمل على تعزيز الاستقرار المالي والتعاون في المجال النقدي على مستوى العال”، لكن وبعد تتبع آثار تدخلات هذه المؤسسات في البلدان النامية خصوصًا، يتضح وجه آخر لتعاملات مشبوهة غير تلك المعلنة، فمن خلال استخدام الشروط نفسها والحلول المالية نفسها في التعامل مع مختلف الدول، التي تطلب القروض من هذه المؤسسات، تدفع بأجندة تخدم مصالح الشركات الكبرى وأصحاب الأموال من جهة، بالإضافة إلى الدول التي تملك نفوذًا كبيرًا داخل هذه المؤسسات بطبيعة الحال.
وتروج هذه المؤسسات المالية العالمية لسياساتها على أنها المنقذ الوحيد للدول التي تعاني عجزًا ماليًّا، وبتقديمها للقروض المالية المشروطة بتنفيذ هذه الدول المعنية سياساتها الليبرالية؛ فإنها تحكم قبضتها على الاقتصاديات الناشئة وترهن مستقبلها، وتجعل أسواقها في أيدي الشركات العالمية الكبرى، بعد فتحها ورفع أيدي الدولة عن التنظيم ومتابعة السوق، مما يدخلها في منافسة غير متكافئة.
ما إن تلجأ أي دولة لأخذ قرض من صندوق النقد الدولي، فإن الصندوق يبدأ في تشغيل الأسطوانة نفسها، وتلاوة القائمة المتكررة من الشروط والطلبات: إصلاحات هيكلية في الاقتصاد تتضمن بيع الشركات المملوكة للدولة، وتقليص الموظفين في القطاع العمومي وتقليص رواتبهم، وفتح الأسواق للاستثمارات الأجنبية بلا شروط، وتشجيع الاستيراد وتقليص الدعم الحكومي للفئات الفقيرة، والتخلي عن حماية العمال والفلاحين وإضعاف النقابات. ويذكر التقرير تجربة الصندوق مع مالاوي قائلًا: “تحولت مالاوي إلى مجرد أراضٍ زراعية يتحكم فيها لوبي السجائر العالمي، ويحرص على مصالحه التجارية بشكل قانوني تمامًا، بفضل السوق المفتوحة التي فرضتها المؤسسات المالية العالمية. ومن أجل أن يدخن الأوروبي أو الأمريكي السجائر بأرخص سعر ممكن، لا بأس أن يجوع الملايين في مالاوي وغيرها من البلدان النامية التي زارها مسؤول من صندوق النقد الدولي.
حيث أشار تقرير للجارديان البريطانية إلى أن سياسات صندوق النقد الدولي قد أتت بمالاوي إلى المجاعة، “فالدولة الأفريقية التي قررت تحت ضغط الصندوق -خصخصة قطاع البذور وتحريره من يد الدولة التي كانت تنظم الأسعار وتضمن اكتفاءً ذاتيًّا من البذور، وجدت نفسها في سنة 2002 أمام مجاعة هي الأسوأ منذ 1949، وقد بلغت خدمات دیون مالاوي في تلك السنوات 70 مليون دولار أمريكي، أو ما يمثل %20 من ميزانية الدولة، وهو ما يمثل أكثر من ميزانية الصحة والتعليم والزراعة مجتمعة، في بلد ما زالت أوضاعه الاقتصادية معلقة بيد دائنيه، وتقلبات الأحوال الجوية”[2].
هذا النموذج الذي يفرض وجوده ثقافيًّا واقتصاديًّا من خلال ضرب كل مقومات الاكتفاء الذاتي للدول المقترضة، لتصبح أسيرة بشعبها ولقرون لشره نخبة اقتصادية تهيمن على كل مداخيل الدولة، لتفقر أهلها وتجردهم من كل مقومات الحياة، وبذلك تحقق استعمارًا خفيًّا تحت شعار الدعم والمساندة، فبالرغم مما يحمله من شعارات التحرير والعلم، إلا أنها شعارات غالبًا تستخدم للدخول إلى الجغرافيا المستهدفة خاصة إذا كانت غنية بالثروات ومنها ثروة العقول البشرية، وعند تمكنها عسكريًّا بشكل مباشر أو بأدواتها، فإنها تنقلب على شعاراتها ونجد التدمير المنهجي يتسيد منهجها، ولا تزيد شعوب هذه الجغرافيا إلا مزيدًا من الاستعباد لها، فهي تفك عبوديتها من نظام فشستي قائمًا، وتربط عقال عبوديتها بيدها كنظام فشستي جديد، بالتالي هو تغيير فقط للسيد، وليس تحريرًا للعبد.
وبعد العولمة بالذات ورفع شعار صدام الحضارات، والمتصل بماضي الغرب في شرهه للتوسع والهيمنة وإحلال قيمه وهويته، فقد برزت حربًا ناعمة تستهدف الهوية في عمقها الوجودي، تاريخيًّا بضرب كل جذورها المتصلة بالماضي، وقيميًّا بضرب قيمها المعنوية والثابتة وإحلالها بقيم مادية استهلاكية شرهة.
ونتيجة الاستبداد وإفقار الشعوب ماديًّا وعلميًّا، وتحويل وجهة أغلب هذه الشعوب من هدف طلب العلم والنهضة والكرامة والحرية والعدالة، إلى السعي الدؤوب اليومي الذي يلهث فيه الفرد لسد رمقه ورمق عائلته طالبًا للعيش الكريم في ظروف غير كريمة، أي سعيًا حثيثًا وراء رغيف العيش الذي غالبًا في منطقتنا ما يكون مغمّسًا بالذل والإهانة والقمع وتكميم الأفواه والتأسيس لقيمة الرضوخ السلبية لما هو موجود تحت ضغط الحاجة، ورغم أن هناك دول غنية جدًّا بثرواتها المالية، إلا أن معدلات الفقر والبطالة فيها مرتفعة بسبب فساد السلطة، وسيطرة نخبة طبقية على مقدرات الشعب، وشراء ذمم الغرب بشره شراء السلاح بحجة الأمن على حساب التنمية والاستثمار الحقيقي في الإنسان.
ولأن الغرب متقدّم علميًّا وتكنولوجيًّا بما يخدم الإنسان في بعده المعيشي الدنيوي، ومع تقديم نماذج للإسلام متخلفة، أقنعت أغلب الشعوب وتم تحت هيمنة الإعلام العالمي القوي الربط بين الاسلام والتخلف، والغرب والتمدن والحضارة، ومع تقصير كثير من الإصلاحيين والنهضويين من تقديم نموذج سلوكي حضاري للإسلام، تظهر آثاره في الدنيا على نهضة الإنسان، فإن ذلك أزال كل العقبات أمام عولمة النموذج الغربي في كل أبعاده الحياتية والسلوكية والقيمية خاصة فيما يتعلق بالمرأة. حيث هيمنت المدرسة الوضعية الغربية على مجالنا الإدراكي، وبات كل شيء خاضعًا في تقييمه للتجربة والحس، واضمحل عالم الغيب والمعنى، بسبب عدم وجود نموذج عملي سلوكي يقدم الإسلام على أنه واقعًا دین حياة.
ولعب الإعلام دورًا هامًّا في الترويج للنموذج المراد عولمته، خاصة فيما يتعلق بالمرأة، من خلال عدة نظریات تبنتها وسائل الإعلام إجرائيًّا وعمليًّا ومنها:
نظرية اجتياز المجتمع التقليدي
صاحب هذه النظرية هو الباحث الأمريكي دانيال ليرنر[3] الذي اهتم بدراسة العلاقة بين وسائل الإعلام والتغيير الاجتماعي والثقافي، ودور هذه الأخيرة في التنمية القومية لاجتياز المجتمع التقليدي، إذ قدمت نظريته تأثيرات معينة لدور وسائل الإعلام في الإقناع والتأثير على الأفكار والاتجاهات والقيم. والأفكار التي صاغ بها ليرنر نظريته في مجملها كانت حصيلة الأبحاث التي أجراها مع بداية الخمسينات على ستة دول في الشرق الأوسط هي: تركيا، إيران، مصر، سوريا، لبنان والأردن. وأهم جزئية في هذه النظرية هي “التقمص الوجداني”[4]، الذي يعمل على إعادة صياغة النموذج وطرحه للمتلقي، وبالتالي يقوم من خلال هذا النموذج بتغيير كثير من المفاهيم والقيم وتغيير مرجعيتها المعرفية. وبذلك يقدم مثلًا يروج له ليصبح النموذج الذي يراد أن يتم تقمصه بعد الاستحواذ على المجال الإدراكي.
المثل الأعلى
إن التعاطي مع مخرجات الحضارة الغربية وأهمها الحداثة يكون من خلال الدراسة المنهجية المتأنية، فالأفكار القادمة إلينا نستطع أولًا أن نعيدها إلى جذرها المعرفي، ومن ثم مقارنتها مع ما لدينا، فإن لم تتعارض مع أصولنا ورفدت فهمنا وفتحت لنا آفاقًا لإعادة قراءة النص والتراث والإجابة على تساؤلات الراهن، فهنا نتعامل معها على أساس التلاقح والتبادل الحضاري والثقافي، وإلا تعاطينا معها على ضوء أنها رأي آخر لا يتطابق مع مكوناتنا الحضارية والثقافية، وبالتالي لنا ديننا ولهم دينهم ليكون المبدأ هنا احترام الذات من جهة، واحترام الآخر من جهة أخرى، وتكون الندية الفكرية التعددية حاكمة كمعيار، وليس المعيار الإقصائي الإلغائي، فالاختلاف في المثل الأعلى هو اختلاف منهجي بنيوي في المرجعية المعيارية التي تنطلق منها عملية التأسيس للرؤى والنظريات، فبين المدرستين قاعدتا اشتراك: هما الإنسان والطبيعة ودور الحس والتجربة في المعرفة ومصدريتها، إلا أن الاختلاف الجوهري هو في المثل الأعلى الذي يشكل محور التشريعات المعيارية كمرجعية كلية ضابطة وناظمة لعمل العقل، وحافظة له من الانحراف والوقوع في وهم الحقيقة، وعدم القدرة على كشف الواقع، حيث المثل الأعلى المرتفع (الله) هو المشرع الأساس، ومن تشريعاته يمكن للعقل أن يستمد المنهج والمعايير والمقاصد لينظم رؤية ويؤسس لمشروع اجتماعي واقتصادي وسياسي بدرجة عالية من كشف الواقع، ودقة أكبر في الابتعاد عن الوهم. بينما حينما يكون الإنسان هو المثل الأعلى المنخفض وهو من يشرع لنفسه، “حيث يستمد تصوره من الواقع نفسه. ويكون منتزعًا من واقع ما تعيشه الجماعة البشرية من ظرف وملابسات.. فلم يرتفع الوجود الذهني على هذا الواقع، بل انتزع مثله الأعلى من هذا الواقع بحدوده، وقيوده، وشؤونه”[5].
وهو من يضع المرجعية المعيارية فلا يمكننا هنا أن نثق بموضوعيته وتجرده وصراعاته الداخلية وتغليبه لمصالحه ومنافعه وتفاعلاته مع المحيط وانفعالاته وعدم شمول رؤيته، وهو ما اتضح منذ عصر التنوير إلى اليوم، لأن كثيرًا من النظريات والآراء يمكن تصنيفها على أنها ردود أفعال على العهد الكنسي وتداعياته الفكرية والسياسية، وتفاعل المفكرين الغربيين مع التطورات المحيطة بهم وانفعالهم بها. “ومن نافل القول إن تيار الأحداث في التاريخ الغربي اندفع بشكل أدى إلى هيمنة الفلسفة الإنسانية (Humanism)[6] وسيطرتها على جميع أركان المجتمع. فبعدما غابت شمس آخر يوم من أيام القرون الوسطى، انصب اهتمام كل الحركات الاجتماعية الكبرى والمصيرية منذ القرن السادس عشر حتى القرن الثامن عشر، ومنها حركة الإصلاح الديني وحركة التنوير والحركة العلمية والثورة الصناعية والثورات السياسية وغيرها، انصب اهتمامها على إحياء دور الإنسان الذي تم تجاهله طيلة العصور الماضية، ليستعيد دوره المنسي، وليتربع على الكرسي الذي طالما نحي عنه من دون وجه حق. وكان الشعار الوحيد والمشترك “استقلال الإنسان” يمثل القاعدة الصلبة التي بني عليها أساس نبذ الاستبداد السياسي ورفض التقاليد الدينية وإنكار الحدود التي تقيد العقل، والتأكيد على الإرادة واختبار الأساليب الحديثة والسبل الجديدة، والخوض في المجالات المجهولة.. وغير ذلك. ومن بين الإنجازات التي قدمتها تلك الحركات الاجتماعية، تحرير السلطة من احتكار وهيمنة الأمراء، وتحرير المعرفة من غياهب الحصار الكنسي الذي كان مفروضًا عليه، وفك الأموال من قيد الأثرياء والإقطاعيين، فكانت تلك الحركات كلها تؤكد على أهمية الإنسان ودوره الفعال”[9]. ومن هنا يتضح الفرق الجوهري والاختلاف البنيوي بين المدرستين، إلا أننا لا ندعي أبدًا أن على مستوى التطبيق هذا الحاصل، فواقع المسلمين غالبًا لا يعكس محورية الله ومرجعيتها المعيارية، بينما واقع الغرب يعكس عمليًّا نظريته التي آمن بها وطبقها، فالإنسان هو محور ومركز التفكير والتنظير، وأدواته المعرفية هما الحس والتجربة، ليصبح واقعًا عمليًّا متجسدًا في كل مجالات الغرب الحياتية والاجتماعية، بينما وقع العالم الإسلامي تحت نير الاستبداد والجهل والتآمر. فالإنسان في المدرسة الغربية هو المشرع وهو المعيار.
سيادة النموذج وتسيده
كثيرًا ما يتم تداول كلمة السيادة والتي تعني مبدأ القوة المطلقة غير المقيدة وهذه لا تكون إلا لله كونها مطلقة بلا قيد. وفي أبجديات الفكر الشيعي تطرح على مستوى المرأة متمثلة بنموذج الزهراء عليها السلام کسيدة نساء العالمين. وما يحويه هذا التوصيف من تأسيسات مهمة تتشكل منها مرجعية للمرأة في نظم السيادة في كل زمان ومكان.
ارتأينا في ظل لحظات تاريخية تمر بها الأمة – وخاصة النساء مهد الحضارات – بعنق زجاجة يتعلق بالهوية والانتماء المستهدفتين عالميًّا خاصة المرأة كمصداق، وما العولمة إلا أداة ذلك الاستهداف خاصة فيما يتعلق بالمفاهيم والثقافات والسلوكيات التي تحدد هوية الشخص ومن ثم تحدد له انتماءه، هل هي للسماء أم إلى الأرض، من خلال تقديم نموذج يشكل مرجعية للاتباع والاقتداء يتحقق من خلاله تشكيل الهوية وتحديد الانتماء.
السيادة بين السماء والأرض
القوة المطلقة غير المقيدة لا يمكن تحقيقها بهذا الإطلاق واللاقيد إلا الله تعالى. ولكي تتنزل هذه السيادة السماوية للأرض فلا بدّ من وجود أوعية قابلة لنمط سيادي مطلق وغير مقيد كهذا، يكون مستخلفًا واعيًا ومدركًا لكل حيثيات الاستخلاف الصحيح وفق إرادة الخالق لتكون هذه السيادة الأرضية في طول سيادته، وليس في عرضها وتأتي بعد ذلك سيادة الخلق في الأرض من السماء وفق مراتب تتصل بمراتب الوجود.
وهذه السيادة تكون:
سيادة على مستوى الذات.
سيادة على مستوى الأسرة.
سيادة على مستوى المجتمع.
سيادة على مستوى الدولة.
سيادة على مستوى العالم.
وهذه السيادة حينما تبدأ من خارج النفس ترتبط بالسيادة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى مستوى المفاهيم تكون سيادة قيمية ومفاهيمية، بحيث يفرض النموذج المتسيد مرجعيته في ذلك لامتلاكه القوة والسلطة المستمدة من قوة وسلطة السماء. فتتحقق سيادة العالمين من ناحية المراتب المكانية ومن ناحية المفاهيم، وإذا كان نموذج السيادة نموذج إلهي معصوم فتتحقق السيادة الزمانية أي صلاحيته كنموذج لكل زمان، ليصبح النموذج ذا سيادة زمانية ومكانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] د. محسن الأمين، حصاد لم يكتمل، مصدر سابق، الصفحة 223.
[2] https://www.sasapost.com.
[3] Daniel Lerner (1917 – 1980)[1] was an American scholar and writer known for his studies on modernization theory. Lerner’s study of Balgat Turkey played a critical role in shaping American ideas with Wilbur Schramm and Everett Rogers, were influential in launching the study and practice of media development and development communication.ppt.
[5] المدرسة القرآنية، الشهيد محمد باقر الصدر، (دار الكتاب الإسلامي، الطبعة 1، 2004)، الصفحتان 111و 112.
[6] الفلسفة أو المذهب الإنساني مصطلح يستخدم في معان كثيرة: أولًا: على تلك الحركة الفكرية التي سادت في عصر النهضة الأوروبية، وكانت تدعو إلى الاعتداد بالفكر الإنساني ومقاومة الجمود والتقليد، ويرمي بوجه خاص إلى التخلص من سلطة الكنسية وقيود القرون الوسطى، ومن أشهر دعاتها بترارك وإرزم. ثانيًا: ضرب من البراغماتية قال به شیلر وأساسه أن كل معرفة مرتبطة بظروف التجربة الإنسانية، وفي هذا ما يتصل بمبدأ بروتاغوراس القائل: إن الإنسان مقياس كل شيء. النظرية الإسلامية في التربية والتعليم، جميلة علم الهدى، (مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، سلسة الدراسات الحضارية)، الجزء1، الصفحة 279.
فاطمة الزهراء (ع) تجلٍّ للرحمة الإلهيّة المحمّديّة
الشيخ شفيق جرادي
المثل الأعلى وسيادة النموذج بين التفاعل والانفعال الزهراء (ع) أنموذجًا (2)
إيمان شمس الدين
(التّردّد) مشكلة التسويف، تكنولوجيا جديدة تساعد في التغلّب عليها
عدنان الحاجي
معنى (ملأ) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
الموعظة بالتاريخ
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
كلام عن إصابة العين (1)
الشيخ محمد هادي معرفة
الدلالة الصوتية في القرآن الكريم (1)
الدكتور محمد حسين علي الصغير
صفات الأيديولوجي؛ معاينة لرحلة الفاعل في ممارسة الأفكار (7)
محمود حيدر
مجلس أخلاق
الشيخ حسين مظاهري
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيّدة الزهراء: صلوات سدرة المنتهى
حسين حسن آل جامع
الصّاعدون كثيرًا
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
السيّدة الزهراء: صلوات سدرة المنتهى
فاطمة الزهراء (ع) تجلٍّ للرحمة الإلهيّة المحمّديّة
المثل الأعلى وسيادة النموذج بين التفاعل والانفعال الزهراء (ع) أنموذجًا (2)
من كنوز الغيب
(التّردّد) مشكلة التسويف، تكنولوجيا جديدة تساعد في التغلّب عليها
معنى (ملأ) في القرآن الكريم
برونزيّة للحبارة في مهرجان (فري كارتونز ويب) في الصّين
الزهراء: مناجاة على بساط الشّوق
سيّدة الكساء
المثل الأعلى وسيادة النموذج بين التفاعل والانفعال الزهراء (ع) أنموذجًا (1)