مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

الإمام التاسع محمد بن علي الجواد (ع)

محمّد بن علي بن موسى (عليهم السلام) الجواد، هو من أئمّة أهل البيت، تاسع الأئمّة عند الشيعة، ولد عام 195. ورث الشرف من آبائه وأجداده، واستسقت عروقه من منبع النّبوّة وارتوت شجرته من منهل الرسالة. قام بأمر الولاية بعد شهادة والده الرضا ـ عليه السلام ـ عام 203 واستشهد ببغداد عام 220. أدرك خلافة المأمون وأوائل خلافة المعتصم.

 

أمّا إمامته ووصايته فقد وردت فيها النصوص الوافرة (1).

لـمّا توفّي الرضا ـ عليه السلام ـ كان الإمام الجواد في المدينة وقام بأمر الإمامة بوصية من أبيه وله من العمر تسع أو عشر سنين، غير أنّ المأمون قد مارس معه نفس السياسة الّتي مارسها مع أبيه ـ عليه السلام ـ خلافاً لأسلافه من العباسيين، حيث أنّهم كانوا يتعاملون مع أئمّة أهل البيت بالقتل والسجن، وكان ذلك يزيد في قلوب الناس حبّاً لأهل البيت وبغضاً للخلفاء، ولـمّا شعر المأمون بذلك بدّل ذلك الأسلوب بأسلوب آخر، وهو استقدام أئمة أهل البيت من موطنهم إلى دار الخلافة لكي يشرف على حركاتهم وسكناتهم، وقد استمرت هذه السياسة في حقّهم إلى الإمام الحادي عشر ....

ولـمّا جيئ بالإمام الجواد إلى مركز الخلافة، شغف به المأمون، لما رأى من فضله مع صغر سنّه وبلوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان، فزوّجه ابنته أم الفضل وحملها معه إلى المدينة وكان حريصاً على إكرامه وتعظيمه وإجلال قدره، ونكتفي في المقام بذكر أمرين:

 

1- لـمّا توفّي الإمام الرضا ـ عليه السلام ـ وقدم المأمون بغداد. اتّفق أنّ المأمون خرج يوماً يتصيّد فاجتاز بطرف البلدة وصبيان يلعبون ومحمّد الجواد واقف عندهم فلمّا أقبل المأمون فرّ الصبيان ووقف محمّد الجواد وعمره آنذاك تسع سنين. فلمّا قرب منه الخليفة فقال له: يا غلام ما منعك أن لا تفرّ كما فرّ أصحابك؟! فقال له محمّد الجواد مسرعاً: يا أمير المؤمنين فرّ أصحابي فرقاً والظن بك حسن أنّه لا يفر منك من لا ذنب له، ولم يكن بالطريق ضيق فأنتحي. فأعجب المأمون كلامه. وحسن صورته قال: ما اسمك يا غلام؟ قال: محمّد بن علي الرضا ـ عليه السلام ـ فترحّم على أبيه (2).

2- لـمّا أراد المأمون تزويج ابنته أم الفضل من الإمام الجواد ثقل ذلك على العباسيين وقالوا له: ننشدك اللّه أن تقيم على هذا الأمر الّذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا ـ عليه السلام ـ فإنّا نخاف أن يخرج به عنّا أمراً، قد ملّكناه اللّه وينزع عنّا به عزّاً. قد ألبسناه اللّه وقد كنّا في وهلة من عملك مع الرضا حتّى كفى الله المهم من ذلك، وأضافوا: إنّه صبي لا معرفة له فأمهلة حتى يتأدّب ويتفقّه في الدين ثمّ اصنع ما ترى.

 

قال المأمون: ويحكم إنّي أعرف بهذا الفتى منكم، وإنّ أهل هذا البيت علمهم من اللّه تعالى وإلهامه. ولم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب من الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر حتّى يتبيّن لكم ما وصفت لكم من حاله، قالوا: رضينا فخرجوا واتّفق رأيهم على أنّ يحيى بن أكثم يسأله مسألة وهو قاضي الزمان فأجابهم المأمون على ذلك، واجتمع القوم في يوم اتّفقوا عليه، وأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست ففعل ذلك، وجلس يحيى بن أكثم بين يديه، وقام الناس في مراتبهم والمأمون جالس في دست متّصل بدست أبي جعفر ـ عليه السلام ـ فقال يحيى بن أكثم للمأمون: أتأذن لي يا أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر؟ فقال: استأذنه في ذلك، فأقبل عليه يحيى وقال: أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟ فقال: سل إن شئت.

فقال: ما تقول جعلت فداك في مُحْرم قتل صيداً؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: في حلّ أو حرم؟ عالماً كان المحرم أو جاهلاً؟ قتله عمداً أو خطأ؟ حرّاً كان المحرم أو عبداً؟ صغيراً كان أو كبيراً؟ مبتدئاً كان بالقتل أو معيداً؟ من ذوات الطير كان الصيد أم غيرها؟ من صغار الصيد أم كبارها؟ مصرّاً كان على ما فعل أو نادماً؟ ليلاً كان قتله للصيد أم نهاراً؟ محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرماً؟ فتحيّر يحيى وبان في وجهه العجز والانقطاع وتلجلج حتّى عرف أهل المجلس أمره.

فقال المأمون: الحمد للّه على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي، ثمّ قال لأبي جعفر عليه السلام: اخطب لنفسك فقد رضيتك لنفسي وأنا مزوّجك أم الفضل ابنتي (3).

 

ولـمّا تمّ الزواج قال المأمون لأبي جعفر: إن رأيت جعلت فداك أن تذكر الجواب فيما فصّلته من وجوه قتل المحرم الصيد لنعلمه ونستفيده فقال أبو جعفر عليه السلام: إنّ المحرم إذا قتل صيداً في الحل وكان الصيد من ذوات الطير وكان من كبارها فعليه شاة، فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً، فإذا قتل فرخاً في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن، وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ، وإن كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة، وإن كان نعامة فعليه بدنة، وإن كان ظبياً فعليه شاة، فإن قتل شيئاً من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة، وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه وكان إحرامه بالحج نحره بمنى، وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكّة، وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء، وفي العمد له المأثم وهو موضوع عنه في الخطأ، والكفارة على الحر في نفسه، وعلى السيد في عبده، والصغير لا كفارة عليه وهي على الكبير واجبة، والنادم يسقط بندمه عنه عقاب الآخرة، والمصر يجب عليه العقاب في الآخرة. فقال له المأمون: أحسنت يا أبا جعفر…(4).

 

رجوع الجواد إلى المدينة

ثمّ إنّ أبا جعفر بعد أن اقام مدّة في بغداد هاجر إلى المدينة وسكن بها مدّة إلى أن توفّي المأمون وبويع المعتصم، ولم يزل المعتصم متفكّراً في أبي جعفر يخاف من اجتماع الناس حوله ووثوبه على الخلافة فلأجل ذلك مارس نفس السياسة التي مارسها أخوه المأمون من قبله فاستقدمه إلى بغداد سنة 220 (5) وتوفّي في بغداد آخر ذي القعدة من تلك السنة وله من العمر 25 سنة وأشهر. ودفن عند جدّه موسى بن جعفر في مقابر قريش.

 

وأمّا الرواة عنه فقد ذكرهم ابن شهر آشوب في مناقبه فقال: من ثقاته أيوب بن نوح بن دراج الكوفي، وجعفر بن محمّد بن يونس الأحول، والحسين بن مسلم بن الحسن، والمختار بن زياد العبدي البصري، ومحمّد بن الحسين أبي الخطاب الكوفي. ومن أصحابه شاذان بن الخليل النيسابوري، ونوح بن شعيب البغدادي، ومحمّد بن أحمد المحمودي، وأبو يحيى الجرجاني، وأبو القاسم إدريس القمّي، وعلي بن محمّد بن هارون بن الحسن بن محبوب، وإسحاق بن إسماعيل النيسابوري، وأبو حامد أحمد بن إبراهيم المراغي، وأبو علي بن بلال وعبداللّه بن محمّد الحضيني، ومحمّد بن الحسن بن شمعون البصري وقال في موضع آخر: وقد روى عنه المصنّفون نحو أبي بكر أحمد بن ثابت في تاريخه وأبي إسحاق الثعلبي في تفسيره، ومحمّد بن منده بن مهربذ في كتابه (6).

هذا فقد قام الفاضل المعاصر الشيخ العطاردي بجمع ما روي عن الإمام الجواد ـ عليه السلام ـ أسماه «مسند الإمام الجواد» وقد ذكر أسماء الرواة عنه من المحدّثين والفقهاء الذين يربو عددهم على 121 شخصاً. شكر اللّه مساعيه.

وسلام اللّه على إمامنا الجواد يوم ولد ويوم مات أو استشهد بالسم ويوم يبعث حيّاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

1. الكافي 1 / 320 ـ 323، إثبات الهداة 3 / 321 ـ 328.

2. الفصول المهمة 266.

3. الإرشاد 319 ـ 321 وأعلام الورى 352 وللقصّة صلة فراجع.

4. المفيد: الإرشاد 322.

5. وفي الإرشاد 326 وفي أعلام الهدى 304: وكان سبب ورود الإمام إلى بغداد وإشخاص المعتصم له من المدينة فورد بغداد لليلتين بقيتا من محرّم الحرام سنة 225… ثمّ يقول: وكان له يوم قبض 25 سنة.

ولا يخفى أنّه لو كان تاريخ وروده إلى بغداد هي سنة 225 يكون له يوم وفاته 30 سنة من العمر لأنّه ولد عام 195.

6. ابن شهر آشوب: المناقب 4 / 258.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد