
الخشوع أمرٌ قلبي، وبطبيعة الحال فإنّ أثره يتجلّى في الظاهر، وهو ما يعبّرون عنه بـ”الخضوع”. على أنّ آثار القلب الخاشع تشبه بعض السلوكيّات الأخرى التي لها أساسٌ وجذور هي غير الخشوع، وبالتالي فهي ليست منبعثة من الخشوع القلبي. وبحسب تعبير بعض علماء الأخلاق، فالاختلاف بين هذَين السلوكَين الظاهريَّين مثل الاختلاف بين البكاء والعويل من أمٍّ فقدت ولدها بالحقيقة واحترقت بلوعة الفراق، وامرأةٍ لم تفقد ولدًا بالحقيقة وإنّما تقوم بالنَّوح من أجل شخصٍ آخر، أو بحسب التعبير المتعارف: تلعب هذا الدور وتقوم بالتمثيل. الاختلاف بين هذَين البكاءَين والتأوّهَين كبيرٌ جدًّا: فأحدهما ليس إلا تمثيلًا، فيما الآخر يصدر من شخصٍ يحترق حقيقةً في صميم قلبه ويبكي من وجعه وعميق حزنه.
والأمر هكذا في الصلاة أيضًا؛ فالشخص الذي يملك في الحقيقة قلبًا خاشعًا تكون صلاته خاضعةً أيضًا، وذلك الخضوع يقلب روح الإنسان ونفسه ويكسر قلبه إلى حدّ أنّه يترك تأثيره أيضًا، وبشكلٍ تلقائي، في ظاهره وسلوكه، فيؤدّي إلى تغييره.
إذا استطاع الإنسان أن يدرك في آثاره الظاهريّة ومظاهره الخارجيّة، وضمن حدوده وإمكاناته، عظمة الله تعالى، وأن يفهم [في المقابل] فقره ولا شيئيّته؛ فستحصل عنده حالة من الانكسار التي ستترسّخ وتتجلّى عنده في تمام وجوده. وفي هذه الحالة، فإنّ لونه وتعابير وجهه، لغته وبيانه، نظراته، قدرته على البصر والسمع، مشيه في الطريق وقيامه وقعوده و… ذلك كلّه سيقع تحت تأثير ذلك. والقرآن الكريم يصف حالات الإنسان يوم القيامة، حينما تُكشَف له حقيقة المسائل ويرى ضعفه وعجزه أمام قدرة الله الواحد وقيّوميّته المطلقة، فيقول: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾[1].
ويقول حول حالات الإنسان يوم القيامة وبعث الناس من القبور: ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ﴾[2].
في هذه التعابير القرآنية نجد أنّ الخشوع في مقابل العظمة الإلهيّة قد وُصّف بنحو أنّه يستحوذ على تمام وجود الإنسان.
مفهوم العظمة الإلهيّة ليس واضحًا عند كثيرٍ من الناس، وأذهانهم لا يمكنها أن تدركه وتفهمه. ومن هنا، يمكن الاستفادة من التأمّل في عظمة الخلق من أجل تهيئة الذهن لإدراك هذا المفهوم. عظمة بعض الكواكب والمجرّات إلى حدّ أنّ المسافات بينها تصل أحيانًا إلى مليارات السنوات الضوئية بحسب ما تمّ تقديره. وفي هذا الفضاء اللامتناهي ثمّة شيءٌ اسمه “الكرة الأرضيّة” لا يساوي في مقابل تلك الأجرام السماويّة أكثر من حبّة جوز أو حتى فصّ خاتم.
ثمّ تصوّروا معي أنّ هذه الجوزة الصغيرة الحقيرة يعيش عليها ستة مليارات إنسان مع ما يتوفّر لديهم من إمكانات. وفي زاوية صغيرة من هذه الجوزة بلدٌ، وفي زاويةٍ منه مدينة، ونحن إنّما نعيش في نقطةٍ صغيرة منها. ثمّ الله تعالى قد خلق مجموعةً من عوالم الوجود وهذا العالم الوسيع والعظيم ليس إلّا زاويةً صغيرة من تلك العوالم.
والآن فلنتساءل: ما هي عظمة هذا العالم في مقابل هذا الإله الذي خلق الأكوان بمجرّد أن أراد خلقها، وهو قادرٌ على أن يفنيها بإرادته لذلك أيضًا؟ وأنا ماذا أكون؟ كيف يتجرّأ الإنسان مع هذه الحقارة على أن يقول لله: أنت تقول وأنا أقول! أنت قلت وأنا لن أفعل! هذه غاية الجهالة والحماقة والوقاحة من إنسانٍ جميع ممتلكاته، ولسانه، وعينه، وأذنه، ونفسه الذي يتنفّسه، وتفكيره الذي يفكّره، وإرادته التي يريدها، ولذّته التي يلتذّ بها، وماضيه ومستقبله، و…؛ جميع ذلك منه جلّ وعلا.
إنّ تصوّر هذه الأمور والالتفات إليها يكسر كلّ إنسان عاقل ويوجد عنده حالةً من الخشوع القلبي، ومن الطبيعيّ أنّ الإنسان في هذه الحالة، وبحسب ما ذكره القرآن، سيكون له أبصار شاخصة، ونغمة صوتٍ منكسرة، ولا يكون لديه أدنى التفاتةٍ إلى نفسه!
إنّ السبب الأساس للتأكيد الكبير على الاهتمام بالعبادات والمحافظة على حدودها وضوابطها هو هذه التأثيرات العميقة التي تتركها شيئًا فشيئًا في روح الإنسان ونفسه، ومن ثمّ في سلوكه وأعماله، وبخاصّة مسألة مراعاة الوقت في موضوع الصلاة، حيث إنّ لها آثارًا تربويّة كثيرة. وللأسف فنحن غافلون عن واقع أنّ الله تعالى قد منّ علينا نحن المسلمين بتشريع الصلاة وأوقاتها، ويا لها من منّة عظيمة! إنّ مراعاة هذه الأوقات تجعل الإنسان منظّمًا ومنضبطًا في جميع الأعمال، وهذا بذاته من خواصّ التربية الدينيّة وميزاتها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سورة طه، الآية 108.
[2] سورة القمر، الآية 7.
معنى (نضد) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
الكلمات في القرآن الكريم
الشيخ جعفر السبحاني
الصورة والفاعلية التواصلية
أثير السادة
لمحات من عالم البرزخ
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
بماذا كان يدين النّبيّ (ص) قبل البعثة؟
السيد جعفر مرتضى
حياتنـا كما يرسمها الدين
السيد علي عباس الموسوي
اتجاهات التفسير في المكي والمدني
الشيخ محمد علي التسخيري
الألفاظ الدالة على الأصوات في القرآن الكريم
الدكتور محمد حسين علي الصغير
كيف تنمو دوافع الخير والكمال في أبنائنا؟
السيد عباس نور الدين
ضرر قاعدة مناقشة الخلافات الزوجية والطرفان غاضبان أكثر من نفعها!
عدنان الحاجي
السيّدة المعصومة: ملتقى الجمال والجلال
حسين حسن آل جامع
على غالق
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
معنى (نضد) في القرآن الكريم
الكلمات في القرآن الكريم
الصورة والفاعلية التواصلية
لمحات من عالم البرزخ
ثلاثة كتب جديدة للدكتور علي الدرورة
(أفياء شعريّة) أمسية لفاضل الجابر في نادي صوت المجاز الأدبيّ
بماذا كان يدين النّبيّ (ص) قبل البعثة؟
حياتنـا كما يرسمها الدين
اتجاهات التفسير في المكي والمدني
الألفاظ الدالة على الأصوات في القرآن الكريم