مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطهراني
عن الكاتب :
عُرف بين الناس باسم العلامة الطهراني، عارف وفيلسوف، ومؤلف موسوعي، من مؤلفاته: دورة المعارف، ودورة العلوم، توفي عن عمر يناهز الواحد والسبعين من العمر، سنة 1416 هـ.

مظاهر الحق تعالى ودورها في الوجود

نحن لسنا إلاّ مظهراً. ما معنى كون الشيء مظهراً؟

 

المظهر يعني: العارية (الأمر الذي يعار للآخرين يسمّى عارية)، المظهر يعني: ما لا يملك أيّ شيء من نفسه، فهو صورة فقط، أو زجاجة. الزجاجة تقول: في داخلي ماء، وعندما تلمسها تجدها زجاجة جامدة. تقول: ها أنت لست إلّا زجاجة!! الزجاجة ليست إلّا مظهراً للماء، هي التي تظهر الماء الذي بداخلها، لكنّها ليست الماء نفسه.

 

كلّ ما يوجد في العالم من خيرات ومن جمال: كجمال يوسف مثلاً، من الله وحده.

 

رحم الله السيد دستغيب.... كان يطرح كلاماً رائعاً ولطيفاً. كان يتحدّث ذات مرة عن المسخ، فينقل بعض الحكايات. ومن بينها ذكر قصّةً لطيفة جّداً، وقد أعجبتني جداً؛ حيث قال:‌

 

- سيّدي: كم عمرك؟

 

- أجاب: ٩۰ عاماً مثلاً.

 

- حسناً، اذهب إلى المرآة وانظر إلى وجهك، ثمّ أحضر صورتك عندما كنت صغيراً. ألم تصبح مسخاً؟

 

- أجاب:‌ ألم تر المسخ؟ بلى مسخ، مسخ ابن التسعين عاماً.

 

أين هي؟ أين ذهب كلّ ذلك؟ العيون، الحواجب، الطول، القامة، الشكل ...؟

 

لاحظ تناسق هذه الخلايا مع بعضها البعض، لو اختلف بمقدار ذرّة صغيرة، فانظر ما سيحصل! فقط بمقدار ذرّة واحدة.

 

هذه العلوم من أين؟ من أين؟

 

ارتقى المرحوم ـ على ما أعتقد الوحيد البهبهاني ـ في آخر عمره المنبر وقال: لقد زالت وانمحت كلّ الأدلّة من رأسي، وتقليدي لم يعد جائزاً! وعليكم أن ترجعوا إلى تلميذي بحر العلوم، مع أنّه كان الوحيد البهبهاني!! ولكن هذا ما حصل لم تعد الأدلّة بيدي.

 

وهكذا الكلام عن الميرزا حبيب الله الرشتي، مع ما له من اليد البيضاء، ومع كلّ ما كان عنده، حتّى أنّ الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري رحمه الله كان يقول: إنّما أعقد درسي لأجل ثلاث أشخاص: حضرة الحاج الميرزا حبيب، الحاج الميرزا حسن نجم آبادي، الميرزا حسن الآشتياني، من أجل هؤلاء الثلاثة أعقد درسي.

 

والكلام عن الميرزا حبيب الله رشتي، الذي كانت المرجعيّة في النجف واقعاً قد انتهت إليه: حصل معه أن نسي حتّى عنوان منزله وبيته، كان يحمل معه الفحم لكي يضع العلامات في الطريق، يضع العلامات عند رأس كلّ زقاق، وعندما كان يعود من مقام أمير المؤمنين عليه السلام، كان يشكّ: هل هذه العلامة أنا وضعتها أم غيري؟ إلى هنا وصلت الحال معه. وهو الذي كان يبحث لمدّة أربعة أشهر عن أيّهما أصحّ: مقدِّمة (بكسر الدالّ) أم مقدَّمة (بفتحها)؟

 

كلّ ذلك بقدرة الله عزّ وجلّ.

 

ما هذا كلّه؟ هذا كلّه "مِنْ أَيْنَ لِيَ الْخَيْرُ". فكلّ الخيرات من الله. ولماذا كان "مِنْ أَيْنَ لِيَ الْخَيْرُ يَا رَبِ‌ وَلاَ يُوجَدُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِك"؟ لأنّنا لسنا إلّا مظهراً، والمظهر لا يملك من نفسه شيئاً، حتّى الوجود لا يملكه! المظهر واجهة فقط، بينما الأصالة والحقيقة لا ترجع إليه، ليس إلا واجهة، فالمظهر يبقى مثل المرآة، فإذا وقف الزنجيّ أمام المرآة، أظهرت المرآة الزنجيّ، وإذا وقف روميّ أمامها، فإنّها تُظهر الروميّ. فما هي المرآة؟ المرآة مظهر، ونحن مظهر.

 

في كلّ آنٍ من الآنات يتجلى فينا ظهورٌ من الظهورات، إذن يجب علينا أن ندعو دائماً: إلهي اجعل ذلك الظهور الذي يظهر فينا ظهور خيرك، يعني: أبرز جنبة القرب منك، ولا تبرز جنبة البعد عنك، فلا تجعله يتجلّى فينا.

 

في كلّ وقت تبرز فينا حالةٌ من الحالات: فإذا رأينا تلك الحالة، حالة الرحمة وشرح الصدر نعلم أنّها أفيضت علينا من الله، أمّا إذا رأينا تلك الحالة، حالة من القسوة وحالة من ضيق الصدر فلنعلم أنّها من أنفسنا، نعلم أنّها ظهرت وبرزت بسبب بعدنا الله عزّ وجلّ.

 

ولكن كيف يعود ذلك إلى النفس؟ وكيف يُؤدّي إلى هذا التغيير بهذا الشكل في النفس؟ هذه مسألة عميقة جّداً.

 

هل رأيتم عندما يكون هناك نزاعٌ بيننا وبين شخص من الأشخاص، نحكم عليه في أنفسنا بأنّه مخطئ، وحتّى في الصلاة تجدنا في حالة من الصراع والجدال في أنفسنا: لقد فعل كذا، عمل كذا، هكذا أخطأ، قال كذا، عمل المسائل الكذائية...، ولكن بعد أن تمضي مدّة من الزمن نجد أنّ حالتنا تعود إلى ما كانت عليه، مع أنّه لم يتغيّر، بل هو باقٍ على حاله، فما الذي حصل؟ نحن الذين تغيّرنا، نحن الذين كانت حالتنا شيطانيّة في ذلك الوقت، والآن أصبحت رحمانيّة، الخير الآن أتى. أمّا هناك فالشرّ أتى من عند الشيطان.

 

هو بقي على حاله، نحن الذين تغيّرنا، لم يتغيّر شيء في القضيّة.

 

لو سألنا الآن: أيّ الحالتين أفضل؟ طبعاً الحال الثانية أفضل، من جهة نحن نشعر بارتياح أكبر، ومن جهة أُخرى لم يعد لدينا سوء ظنّ تجاه ذلك الفرد المؤمن. هذا نوع من الأفراد، وهنا "مِنْ أَيْنَ لِيَ الْخَيْرُ يَا رَبِ‌ وَ لاَ يُوجَدُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِك" تجلى وظهر. في البداية لم تكن موجودة، بل كانت جهة المعارضة والمواجهة هي الملحوظة، ولم تكن هذه الجهات موجودة.

 

في بعض الأحيان نجد أنّ لدينا حالة من اللامبالاة تجاه شخص من الأشخاص، بسبب قرض لنا مثلاً: يريد أن يفعل كذا، أو لا يريد أن يفعل كذا، عينه كذا، سنّه كذا، وكذا وكذا، ونبدأ بالكلام، ونتحدّث بكلّ ما نعلمه عنه، وخاطرة من هنا وخاطرة من هناك، ورويداً رويداً ينشأ جدار عالٍ في أذهاننا، ويصبح قطاراً بحيث لا يمكن اختراقه أبداً. ثم في اليوم التالي ما الذي يحصل؟ يقول: لقد اشتبه اشتباهاً بسيطاً.

 

لم ذلك؟ ما الذي حصل؟ فهو لم يتغيّر من الصبح إلى الليل، ولكن نحن الذين تغيّرنا.

 

علينا أن نسأل الله أن يعيدنا دائماً إلى الحالة الثانية. الحالة الثانية ما هي؟ هي الحالة الرحمانيّة، العطف هو الحالة الرحمانيّة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد