فجر الجمعة

الشيخ أحمد الفردان: معاني أمر أهل البيت عليهم السلام وأهمية إحيائه

ألقى سماحة الشيخ الشيخ أحمد الفردان خطبة الجمعة، 19- 01- 1446هـ في مسجد الخضر (ع) بالربيعية، وفيها تناول موضوعًا بعنوان: "معاني أمر أهل البيت عليهم السلام وأهمية إحيائه" ذاكرًا أنّ أمر أهل البيت سلام الله عليهم هو أوامرهم، وولايتهم، وإحياء مجالسهم، ومعارفهم، وكراماتهم، وكل ما يتعلق بهم صلوات الله وسلامه عليهم. 

 

نص الخطبة

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحًا لذكره، وسببًا للمزيد من فضله، ودليلًا على آلائه وعظمته، حمدًا دائمًا سرمدًا، يزيد ولا يبيد كما يحب ويرضى. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بديع السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، وأشهد أن حبيبه المجتبى وأمينه المرتضى، المحمود الأحمد، المصطفى الأمجد، أبا القاسم محمد عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، حين لا علم قائم، ولا منار ساطع، ولا منهج واضح، فذلل به الصعوبة، وسهل به الحزونة، حتى سرح الضلال عن يمين وشمال. اللهم فصلّ عليه وآله، أفضل ما صليت على أحد من خلقك من الأولين والآخرين، وبلغهم منا تحية كثيرة وسلامًا.

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله التي جعلها منتهى رضاه وحاجته من خلقه، فاتقوا الله الذي أنتم بعينه، ونواصيكم بيده، وتقلبكم في قبضته، إن أسررتم علمه، وإن أعلنتم كتبه، قد وكل بذلك حفظة كرامًا لا يسقطون حقًّا ولا يثبتون باطلًا. ألا وإن أبلغ الحديث عظة، كتاب الله: {واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}. جعلنا الله وإياكم من عباده المتقين.

أيها الإخوة والأخوات، روي عن الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه أنه قال للفضيل بن يسار: "أتجلسون وتحدثون؟" فقال: "بلى، جعلت فداك". فقال: "إن تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، رحم الله من أحيا أمرنا". ونحن نعيش في رحاب أهل البيت عليهم السلام، وأيام الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، نتحدث حول هذا الحديث الشريف عن الإمام الصادق سلام الله عليه، وفي خصوص المراد من أمر أهل البيت "أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا". ما المراد من أمر أهل البيت سلام الله عليهم؟

 

كثير منا يسأل عن المراد من أمر أهل البيت في هذه الكلمة الصادقية المباركة. حينما نراجع روايات أهل البيت سلام الله عليهم، نجد أن هناك اختلافًا في استخدام هذا المصطلح وهو "الأمر". تارة يقول الإمام الصادق سلام الله عليه: "إن أمرنا صعب مستصعب"، وتارة يقول لأحد أصحابه: "كيف رأيت مسارعة الناس إلى هذا الأمر؟"، وتارة يقول: "أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا". فنلاحظ أن استخدام "الأمر" في مواضع مختلفة ومعاني مختلفة، فهل المراد منه معنى واحد أو معاني مختلفة فعلاً؟

في البداية نقول: أمر أهل البيت سلام الله عليهم على مستويين:

المستوى الأول نعبر عنه بالسقف الأعلى لأمر أهل البيت.

المستوى الثاني نعبر عنه بالسقف الأدنى لأمر أهل البيت عليهم السلام.

ما هو المراد من السقف الأعلى لأمر أهل البيت عليهم السلام؟ هو الذي أشارت إليه الروايات بأنه صعب مستصعب. روي عن أمير المؤمنين سلام الله عليه أنه قال: "إن أمرنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان". وعن الإمام الصادق سلام الله عليه قال: "إن أمرنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلا من كتب في قلبه الإيمان". فنلاحظ أن الإمام يعبر عن أمرهم بأنه صعب مستصعب. ما المراد به؟ "صعب مستصعب" يعني الأمر الشاق، الأمر صعب المنال. وبالتالي المراد به هنا كناية عن صعوبة فهم ما يتعلق بأهل البيت عليهم السلام وإدراكه وقبوله، إن كانت أقوالهم أو أفعالهم أو مثلاً كراماتهم عليهم السلام.

 

مثلاً، لما نرجع إلى سيرتهم، ما صدر من أمير المؤمنين سلام الله عليه، على جميع ما حلّ به، قال: "لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة". صبر أمير المؤمنين وتحمله لما جرى عليه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله. أو مثلاً صبر الحسن عليه السلام وصلحه، أو ما جرى في كربلاء وما أدراك ما جرى في كربلاء. هؤلاء أو هذه الحالات، لا يمكن للبعض أن يحتملها، بل لا يمكن للبعض أن يقبلها، بناءً على هذا المعنى. أو ما يتعلق بأقوالهم، حينما يقول الإمام الصادق سلام الله عليه عن جدته الزهراء سلام الله عليها: "هي الصديقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى". ما الذي يقصده الإمام سلام الله عليه؟بأن الزهراء على معرفتها دارت القرون الأولى. ما الذي يريد الإشارة إليه حول مقام جدته الزهراء سلام الله عليها؟

إذاً، هذا أمر لا نفهمه، صعب المنال. فهنا كناية عن صعوبة الفهم والإدراك لأقوالهم أو أفعالهم أو ما يتعلق بهم. فهل المراد من "أحيوا أمرنا" هو السقف الأعلى الصعب المستصعب؟ لا، لماذا؟ لسببين:

السبب الأول: أن هذا الأمر لا يحتمله إلا ثلاث فئات: ملك مقرب، نبي مرسل، مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.

 

بينما الإمام سلام الله عليه يخاطب عموم الشيعة: "أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا". فلو كان هذا الأمر صعبًا مستصعبًا، لما أمرنا الإمام سلام الله عليه بهذا الأمر، ولما أمرنا بالاهتمام بهذا الأمر. إذاً، ليس هو المراد. هذا السبب الأول.

السبب الثاني: كما قلنا، لا يحتمله إلا ملك مقرب، الفئات التي ذكرناها. وقد سعى الطغاة من بني أمية وبني العباس إلى إفراغ المجتمع من فكر أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم. الأمر الذي جعل ابن خلدون يقول عن أهل البيت عليهم السلام: "وشذ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها وفقه انفردوا به"، لأنه يعتبر أن ما صدر عن أهل البيت عليهم السلام غريب بمقارنة العلم والفقه الذي انتشر في ذاك الزمان. لأن أولئك استطاعوا إفراغ فكر أهل البيت عليهم السلام من ذلك المجتمع. وهذا الأمر لو كان صعبًا مستصعبًا، لا يناله حتى الأعداء، إذاً لا يريد الإمام سلام الله عليه من قوله "أحيوا أمرنا" هو السقف الأعلى.

إذاً، المراد منه السقف الأدنى لأمر أهل البيت عليهم السلام. ما هو السقف الأدنى لأمر أهل البيت عليهم السلام؟ له عدة معانٍ:

المعنى الأول: هو الأوامر الصادرة والنواهي الصادرة عن أهل البيت عليهم السلام، سواء الأوامر المعبر عنها بالأوامر المولوية أو الأوامر الإرشادية. وهو الذي ذكرته الزيارة الجامعة. ماذا تقول الزيارة الجامعة؟ "عامل بأمركم، أنا عامل بأمركم". وفي موضع آخر: "وأمركم رشد". هذا الأمر الذي يوصل الإنسان إلى الرشد ويحقق فيه الرشد. ما هو؟ هو الأمر الصادر عن المعصوم عليه السلام. والأمر الصادر عن المعصوم على قسمين:

القسم الأول: الأمر الصادر من المعصوم بصفته مولى للناس، وهو المعبر عنها بالأوامر المولوية. هذه الأوامر التي هي في الرسالة العملية، فيقول الفقيه "يجب" أو "يحرم". هذه الأوامر، أو لنقل التكاليف الإلزامية، هي المراد بالأوامر المولوية. فهذه يعاقب تاركها ويثاب فاعلها.

القسم الثاني: من الأوامر الصادرة من المعصومين عليهم السلام، الأوامر الصادرة بصفتهم موجهين، بصفة الإمام موجِّهًا، بصفته مرشدًا للناس، لا بصفته مولى. وبالتالي يعبر عن الأوامر في هذه الحالة بالأوامر الإرشادية، وهي التكاليف غير الإلزامية في الرسالة العملية، يعني المستحبات والمكروهات. هذه لا يعاقب تاركها إذا كانت من المستحبات، ولا يعاقب فاعلها إذا كانت من المكروهات. هذا المعنى الأول، إذاً، الأوامر الصادرة منهم عليهم السلام.

 

المعنى الثاني: من أمر أهل البيت عليهم السلام، هو الولاية والإمامة والخلافة. هو المقصود من أمر أهل البيت سلام الله عليهم. وهذا ما تشير إليه النصوص. مثلاً، سليمان بن خالد كما يروي الشيخ الكليني أعلى الله مقامه، أحد أصحاب الإمام الصادق سلام الله عليه، قال للإمام: "إن عندي أهل بيت وهم يسمعون قولي، أفأدعوهم إلى هذا الأمر؟" يعني هل أدعوهم إلى ولايتكم، إلى الإيمان بإمامتكم؟ فقال له الإمام سلام الله عليه: "نعم، إن الله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة}". يعني قوا أنفسهم بولاية أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم.

في رواية أخرى أيضًا يرويها الشيخ الكليني عن أحد أصحاب الإمام الصادق سلام الله عليه، يلتفت إليه الإمام، وهو مؤمن الطاق، أبو جعفر مؤمن الطاق، هذا رجل معروف بتضلعه في مناقشات الآخرين ومناظرتهم، معروف بمؤمن الطاق. دخل على الإمام الصادق سلام الله عليه، فسأله: "أتيت البصرة؟" قال: "نعم، جعلت فداك". قال: "كيف رأيت مسارعة الناس إلى هذا الأمر؟" كيف رأيت مسارعة الناس إلى الإيمان بإمامتنا وولايتنا؟ كيف رأيت مسارعة الناس إلى هذا الأمر؟ بطبيعة الحال، إن البصرة في ذاك الزمان لم تكن مثل هذا الزمان، كان أغلب أهلها من أهل العامة. فقال مؤمن الطاق: "والله إنهم لقليل، ولقد فعلوا". يعني هناك بعض المؤمنين، بعض الناس الذين دخلوا في ولاية أهل البيت عليهم السلام وآمنوا بكم، والله إنهم لقليل وقد فعلوا. إذاً، الأمر هنا هو ولاية أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم، وهو ما أشارت إليه الآية المباركة: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}. حينما نرجع إلى التفاسير، مثلاً العلامة الطباطبائي قدس الله نفسه الزكية، يقول: "الأمر هنا في هذه الآية هو الشأن الراجع إلى دين المؤمنين المخاطبين بهذا الخطاب ودنياهم". ما هو الأمر والشأن الذي يرجع إلى دين المخاطبين ودنياهم؟ هو بطبيعة الحال ما أشارت إليه الروايات، أن المقصود من الأمر في هذه الآية هو ولاية محمد وآل محمد.

 

المعنى الثالث: هو المتبادر إلى الذهن. بمجرد أن نسمع "أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا"، يتبادر إلى ذهننا المجالس التي نحييها. خصوصًا أن الإمام سلام الله عليه في بداية الرواية ذكر: "إن تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، رحم الله من أحيا أمرنا". إذاً، المراد هنا هو إحياء ذكر أهل البيت عليهم السلام، إحياء وفياتهم، أفراحهم، أحزانهم. هذا هو المراد من أمر أهل البيت سلام الله عليهم.

إذاً، ثلاثة معانٍ لأمر أهل البيت عليهم السلام في المستوى الأدنى. أي هذه المعاني الثلاثة هو المراد؟ هل هو الأوامر الصادرة، أو هو ولاية أهل البيت، أو هو مجالس أهل البيت، إحياء أفراحهم وأتراحهم؟ أي المعاني هو المراد؟ نستطيع أن نجمع بين هذه المعاني الثلاثة.

المعنى الثاني: ولاية أهل البيت سلام الله عليهم. ولايتهم، ما هو منشؤها؟ منشؤها هو المودة. {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى}. هل المودة في هذه الآية مقصودة بذاتها وبعينها؟ أم أن هذه المودة طريق للوصول إلى أمر ما؟ هذه المودة الطريق، بحسب ما يقول الشاعر:

تعصي الإله وأنت تظهر حبه

هذا لعمرك في الفعال بديع

لو كان حبك صادقًا لاطعته  

إن المحب لمن يحب مطيع

فهنا الهدف من هذه المودة هو إيصالنا إلى طاعتهم عليهم السلام. مودتهم توصلنا إلى طاعتهم سلام الله عليهم.

 

إذاً، المعنى الثاني: وهو ولاية أهل البيت عليهم السلام. فيه طاعة أوامرهم. وأي أوامر؟ المعنى الأول: الأوامر الصادرة من أهل البيت سلام الله عليهم. وهذه المودة وهذه الولاية المتجذرة فينا تبعثنا على إحياء أمرهم. حبك لشخص يجعلك تحب ذكره في كل حين، تحيي أفراحه أو تشاركه في أفراحه، تشاركه في أحزانه. من هذا المنطلق، من منطلق ولايتنا لأهل البيت سلام الله عليهم، نحن نحيي ذكراهم، نعيش أحزانهم وأتراحهم، نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم. كما جاء في الرواية: "شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا، يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا".

إذاً، بالتالي، نستطيع أن نقول إن أمر أهل البيت سلام الله عليهم هو كل ما ذكرناه: هو أوامرهم، هو ولايتهم، هو إحياء مجالسهم، هو معارفهم، كراماتهم، كل ما يتعلق بأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم. هو أمر أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم.

 

فالمراد من الأمر الذي يريدنا الإمام صلوات الله وسلامه عليه أن نحييه في أنفسنا، أن نتداوله وننشره بيننا، هو هذا الأمر: ولاية أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم، والمحافظة على أوامرهم ونواهيهم وإحياء ذكراهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ثبتنا الله وإياكم على ولايتهم ومحبتهم والبراءة من أعدائهم، إنه سميع مجيب.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم، {قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد}. وصلى الله على محمد وآل محمد.