علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمود حيدر
عن الكاتب :
مفكر وباحث في الفلسفة السياسية، مدير التحرير المركزي لفصلية "الاستغراب".

التّتميم مبدأُ النبوّة وختامُها

 

محمود حيدر
لمّا كانت الأسماء المعطاة لآدم هي فقه العقل، فقد بلغت كمالها بالنبيّ الخاتم، ثم تحقّقت بمكارم الأخلاق وهي الصورة الكاملة الجامعة للرحمتَين الخاصّة والعامة، واللّتين تؤلّفان معاً مظهر الحضرة الإلهيّة.
من هنا وجدنا أن ندخل إلى فهم مكارم الأخلاق لجهة انحصارها في الحقيقة الإنسانية الجامعة. كما في قوله صلّى الله عليه وآله: «إنّما بُعثت لأُتمّم مكارمَ الأخلاق». ذاك أن مهمة النبيّ متعيِّنة بجلاء تلك الحقيقة من خلال الكتاب الإلهي وغاية الشريعة المقدسة. فالمقصود الإلهي مما نُزِّل على النبيّ هو دعوة العالمين إلى توحيد الله، والارتقاء بهم - بما خصّه الحقّ تعالى من خُلُقٍ عظيم - من حضيض الجاهلية إلى كمال المعرفة بالله...
ثمّة إذاً، تناسب وجودي بين الخَتم والتّتميم. وذلك متحصّلٌ منطقياً، من أن الشيء حين يُختم يبلغ تمامه. ومكارم الأخلاق التي بُعث النبيّ الخاتم ليتمِّمَها هي عين الخاتمية، وجوهرها كمال الدين، وكمال الدين معرفة الله.
وبفهم كُنه مكارم الأخلاق، سوف ينفتح أفق آخر وجوهريّ للتعرّف على حقيقة الختم والتتميم. وهو ما تستجليه حقَّانية الوصل الوطيد بين النبوّة الخاتمة والولاية المتمِّمة. فالإمام هو الذي يتولّى من بعد النبيّ صيرورة الدين الخاتم إلى غاياته، وهو الذي يؤكّد استمرار الصِّلة بعالم الغيب في عهد إنقضاء النبوّة التشريعية. فكما يسري أمر الغيب على خاتمية النبيّ، يسري كذلك، على خاتمية الوارث المحمديّ في آخر الزمان. فالإمام الخاتم هو حجّة الله في الأرض بعد انقطاع النبوّة الخاتمة، وهو مبيّن الشريعة المقدّسة في ظاهرها وباطنها، ومالئ الأرض عدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً. وما ظهوره عليه السلام سوى استكمال للأمانة الكبرى والغاية العظمى، التي من أجلها بُعث النبيّ الخاتم. وهي إقامة عدل الله في العالمين بالتخلُّق واللطف والرحمانية. وحاصل الأمر، فإن الخاتميّتَين متمّمتان إحداهما للأخرى لجهة كونهما تشكّلان معاً قاصديّة الله في عالم الإنسان.


عن ماهية ومعنى مكارم الأخلاق
لمكارم الأخلاق صفات تُمنح لها بحسب مقاصدها وتنزّلاتها. ولنا أن ندرج بعضاً منها تحت عناوين مجملة سنمرّ على تفصيلها لاحقاً..
أولاً) إنها صفة النبيّ نفسه حيث بلغت به مآلها الأعظم واستحقّ بها رتبة الآدميّ الأكمل.
ثانياً) إنها صفة الإنسان الذي بعث من أجله النبيّ الخاتم ليتمّم له إنسانيته. فإذا جرى هذا الإنسان مجراها، بالتصديق والتوحيد والإيمان والتخلّق حصَّل الحكمة. ومن علامات حكمته أنه أنزل كلّ شيء منزلته، فلا يتعدّى به مرتبته، وأعطى كلّ ذي حقّ حقّه، ولا يحكم في شيء بغرضه ولا بهواه، ولا تؤثّر فيه الأعراض الطارئة، ولا يضع من يده الميزان.
ثالثاً) إن مكارم الأخلاق هي صفة للصراط المستقيم. فمن مشى على الصراط حلَّت عليه الاستقامة، فأدركها بالتقوى والورع والزهد. فمن اتّقى الله علّمه الله وأدخله في درعه الحصين، وجعل له نوراً يمشي به في الظلمات. كما تعبّر الآية الكريمة: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ..﴾ الأنعام:122.
رابعاً) إنها صفة الأمّة الوسط، التي قال الله فيها مخاطباً نبيّه: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..﴾ آل عمران:110. ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا..﴾ البقرة:143.
خامساً) إنها صفة للأبعاد المعنوية الباطنية التي تختزنها الشريعة المقدّسة. وهي الأبعاد المتمّمة للبعثة النبوية.
سادساً) إنها الصفة التي يظهر فيه قول أهل العصمة على تمامه حين أشاروا إلى«الأمر بين الأمرين». فإذا كانت غاية ختم النبوّة حفظ مختزنها الإلهيّ بالمكارم، فقد تحصَّل لدينا السبيل إلى التوحيد على الوجه الأتم. وكان لنا من هذا السبييل الوقوف على أرض الاعتدال الأكمل لنميّز وجه اللطف والتدقيق بين الإفراط والتفريط وبين الجبر والتفويض، وبين القضاء والقدر. والأمر بين الأمرين هو نفسه ما قيل في معنى الصراط والميزان والحكمة البالغة. وهو نفسه كذلك، الأمر الوسط الذي تتجلّى فيه مكارم الأخلاق كغاية عليا للشريعة المقدسة.
وأنّى تكن صفات المكارم ونعوتها، فقد كثُرت الأحاديث في تحقيقها وبيان حدّها وتعريفها، إلا أنها آيلة إلى الغاية من الإيجاد الإلهي للإنسان. وإلى هذا، ما كان للنبيّ الخاتم أن يعيّن مبدأ بعثته المقدسة ومنتهاها بمكارم الأخلاق، لولا ارتباطها بالغرض الأصلي من إيجاد الإنسان. فلو تقرّر أن الغاية الإلهية من إبداع النوع الإنساني إستخلافه في الأرض، عرفنا العلّة الأصلية من وراء خلقه، وهي معرفة الخالق.
وباصطفاء محمّدٍ صلّى الله عليه وآله نبيّاً خاتماً، وهادياً، ورحمةً للعالمين، يكون قد خَتَمَ سبحانه شريعته في العالمين وتمّمها بمكارم الأخلاق. ثم لتستأنف من بعد المصطفى صلّى الله عليه وآله حركتها الهادية عبر ورثة الحقيقية المحمّديّة من أئمة الهدى وصولاً إلى الحجّة البالغة.
في مقدمة (تفسير المحيط الأعظم والبحر الخِضَمّ في تأويل كتاب الله العزيز المحكم) للعارف بالله الفيلسوف السيد حيدر آملي، إشارات بيِّنات إلى المعنى المتسامي لمكارم الأخلاق ومكانتها الحاسمة في حفظ رسالة الوحي. فقد بيَّن أن سعيه إلى تأويل كتاب الله هو من أجل أن يكون مطابقاً لأرباب التوحيد وأهل الحقيقة. قد عنى بهذا أن يكون عمله التأويلي جامعاً للشريعة والطريقة والحقيقة، تأسيساً على حديث النبيّ صلّى الله عليه وآله: «الشريعةُ أقوالي، والطريقةُ أفعالي، والحقيقةُ أحوالي».


عن مقاصد تتميم مكارم الأخلاق
نرانا لا نجد من فصل بين خَتم النبوّة وتتميم مكارم الأخلاق في محضر البحث عن معنى ومقاصد قول النبيّ صلّى الله عليه وآله في الحديثَين الشريفين: «لَا نَبِيَّ بَعْدِي»، و«إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ‎». الحديثان متّصلان ومتلازمان ويؤلّفان وحدة قولية لا تَبايُن في وحدتها. فالنبيّ من حيث هو خاتم النبوّة هو فاتح الولاية، لجهة أن الختم والفتح مرتبتان إلهيّتان تنتظمان حقيقة البعثة المحمدّية، في مستهلّها وختامها.
وعلى قاعدة الاتّصال والتلازم بين خَتم التشريع وفتح الولاية تتحوّل الولاية إلى «نبوّة عامة» تستأنف حقائق «النبوّة الخاصة» وتنقلها إلى حقيقة هادية للعالَمين. ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ الأنبياء:107.
في هذا التأصيل تستوي لدينا الخطوط المؤسسة لواحدية النبوة والولاية. فالنبيّ الخاتم هو الوليّ الفاتح. وهو جامع الحقائق الإلهية والحقائق الكمالية الإنسانية في آن. وهذا هو ما يصطلح عليه أهل الحكمة بـ «الحقيقة المحمّدية». فلهذه الحقيقة المحمدية – كما يبيِّن الشيخ ابن عربي - الفردية الأولى؛ ومن هذه الفردية تفرّعت الفرديات في جميع المراتب المعنوية والروحانية والإلهية والكونية وغيرها. ويقول: «إنما كانت حكمته صلّى الله عليه وآله فردية، لأنه أكملُ موجود في هذا النوع الإنساني، ولهذا بدئ به الأمر وخُتم، فكان نبيّاً وآدمُ بين الماء والطين، ثمّ كان بنشأته العنصرية خاتم النبيّين». ثم كانت له الفردية الجامعة بين البدء والفاتح والختام الواضح ونبوّة روحانيته بالكمال الراجح.
وبهذا المعنى لا تعود مكارم الأخلاق مجرّد رتبة أو طور في البعثة النبوية، وإنما هي وعاء لا متناهٍ يشمل النبوّة والولاية معاً. فالختم هنا داخلٌ في التتميم دخول الكلّ في الكلّ. ثم ليغدوا معاً شأناً واحداً في حقيقة إلهية جامعة. فالأخلاق متضمّنة الشريعة، والشريعة متضمّنة مكارم الأخلاق، حتّى ليمسي هذا التضمين المتبادل إعراباً بيّناً عن وحدة مقاصد الغيب في البعثة المحمّديّة الشاملة. وإذن، فنسبة مكارم الأخلاق إلى الشريعة المختومة، هي كنسبة الحقيقة إلى الشريعة. كلاهما يستبطن الآخر ويدلّ عليه. فالمكارم هي العطاءات التي تقدّمها الشريعة لتبلغ تمامها، ثمّ لتعود تلك العطاءات لتغذيها باللطف والتسديد والتأييد وجمال التدبير. وبهذه المنزلة التي لمكارم الأخلاق يعرج الآخذ بالشرع من مقام الإقرار بالتوحيد إلى مقام التصديق به. وبمثل هذا العروج يتحقّق المصدِّق بمكرمة الصدق التي تشكّل الفتح الأعظم باتجاه التوحيد الأكمل. فلو أفلح المتخلِّق بالصدق بلغ القرب، ولو بلغ القرب كانت له الولاية، وحظيَ قدْر سعته من علم الكتاب، ثم ليندرج بحقّ في منازل الحقيقة المحمدّية.


والصدق – كما ينظر إليه العرفاء – على ثلاثة أركانٍ بعضُها من بعض: صدق النية، وصدق اللّسان، وصدق العمل. وهذا التقسيم الثلاثيّ لمعنى الصدق مبعثُه الإيمان الأعلى المسدّد بالتخلّق. فأما صدق النية فهو أن يبديها القلب خوفَ عقاب، أو رجاءَ ثواب، ولا يريد الصادق بصدقه غير الله عزّ وجلّ. فإنها بذلك حاصلُ يقينٍ لا شِيَةَ فيه، بأن الحقّ يرى المضمَرات ويعاين الضمائر المستترة.
وصدق اللسان، أن يطلقه إذا قام له شاهدٌ من الحقّ، وكان التخلّف عن اللفظ وهناً في صدقه. وهذا أيضاً عينُ التخلّق لأن بوح الصادق ممسوكٌ بالتقوى، فإنه لا يتلّفظ بعبارة ما لم يكن على دراية بموافقتها نفس الشيء المصدّق له.
وأما صدق العمل فهو: الهجوم على ما عزم عليه بترك روح النفس، حتّى يصير إلى ما عزم عليه من العمل، فيتمُّه بالحرص عليه، والانكماش، لا يقطعه عنه قاطع ولا يمنعه عنه مانع. وأصل صدق العمل عائد إلى فعلية التخلّق، حيث تصير الأخلاق الفاضلة بالنسبة لفاعلها ملَكة راسخة في نفسه الفاضلة. ومتى صارت كذلك حثّت صاحبها على المجاهدة لبلوغ مقاصدها حتى لتزيده مشقّة المجاهدة حرصاً على المضاعفة.
ولمّا أن استوت مكارم الأخلاق على ما مرّ من أركان الصدق، فلا مناص لها لكي يترسّخ استواؤها في نفس المتخلّق من اقتران العمل بالعلم. فإنّ أصل الصدق العمل به فضلاً عن التعرّف إليه. أي تعرّف الصادق على مكرُمة الصدق بما هي مظهرٌ من مظاهر التوحيد. فإن أصل الصدق المعرفة. لأنك لا تصدِّق إلا من تعلم أنه يراك ويسمعك، وهو قادرٌ على عقوبتك، وعلمك أنه لا يُنجيك منه إلا الصدق له. فوقع حينئذٍ الصدق ضرورة. فالمعرفة أصلُ الصدق، والصدق أصلٌ لسائر أعمال البرّ، وعلى قدر قوّة الصدق يزداد العبد في أعمال البرّ. ومن قلّة المعرفة بقدر الصدق ومنافعه ومواريثه يضعف اليقين. فإذا ضَعُفَ اليقين وَهنَ الصدق، وقلّت الرغبة، فلم يحتمل مؤنَ الصدق لما غُيّب عنه من عذوبته، وقد قال تعالى: ﴿.. فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾محمد:21، فضمن لهم الخيرَ بالصدق.
ومن أجل هذا، صحّ القول: إن الصدق متى كان ثمرة التخلّق المتّصل بالإيمان الأعلى، صار لصاحبه مقاماً، وحصيد هذا المقام الإخلاص، والإخلاص نظير القرب، ونظير القرب مقام العبدانية، وهو مقام الأنبياء والأوصياء والأولياء المقرّبين. وعلى هذا المقام استوى الصادق الأمين محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله فكان له من الربّ شهادة العبد: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ القلم:4، فقد نال النبيّ الأكرم لعظَمة خلقه أعلى مراتب الدنوّ من الحضرة المقدسة. ﴿وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ النجم:7-11.


مكارمُ الأخلاق من النبيّ الخاتم إلى الوليّ الخاتم
ومن مكارم الله تعالى على العالمين أن خصَّهم بالنبيّ الخاتم وورثته من الأوصياء والأئمة والعلماء الربّانيّين. وذلك لكي يبيّن لهم الحجّة البالغة التي بها يدركون سعادتهم الدنيوية وخلاصهم الأخرويّ. والحجّة البالغة هي المقصد الأعلى للنبوّة الخاتمة التي قال النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله فيها بأنّها تمامُ مكارم الأخلاق. ولئن كانت الحقيقة المحمديّة هي الترجمة الإلهية للتطابق بين سنّة التكوين وسنّة التشريع، فتمام مكارم الأخلاق إنما هو حاصل هذا التطابق المُفضي إلى وحدة الغيب والشهادة. وتحقّق هذه الوحدة، قيامُ الأوصياء والأولياء بعد ختم النبوّة بمهمة استكمال رسالة الوحي في التاريخ البشريّ وإعمار الأرض على نصاب القسط والعدل. فالسعادة التامّة الخالصة – كما يبيِّن الحكماء - هي مهمة يتولاَّها أهل القرب من الحضرة الإلهية. وهؤلاء هم الذين جمعوا صراط التكوين إلى صراط التشريع، فكانت لهم مكارم الأخلاق نقطة الجمع والالتقاء، لينجز الله بوساطتهم سعادة الدارَين. ولما كان الصراط التكوينيّ هو الهندسة الإلهية الكلّية لنظام الكون، وهو النظام الحافظ للوجود والمحيط بكلّ شيء، فإنّ الصراط التشريعيّ هو الوحي الذي تنزّل على قلب النبيّ وظهر في قوله وعمله، لينتظم حياة الإنسان ويبيّن له الحدود الفاصلة بين الخير والشرّ، وبين الجميل والقبيح. ولأن الصراطَين يعودان إلى أصلٍ واحد، هو وحي الله إلى نبيّه الخاتم، فقد تجلّى هذا الأصل بالختم والفتح معاً. فهو ختم للنبوّة الظاهرة وفتحٌ للنبوّة الباطنة، وهو الولاية الحافظة لأمر الله ووحيه وسُنّة نبيّه، وهي المتمِّمة من بعده مكارمَ الأخلاق التي بُعث من أجلها.
يُجمع العلماء الربانيّون على أن الولايةَ تظهيرٌ مستأنف لباطن النبوّة. وبهذا التظهير تكتمل الهندسة المعرفية التي تترجم الحضور الإلهيّ في الزمن البشري. ولئن كان الاستئناف دالاً على حركةٍ بعد توقّف لغةً واصطلاحاً، فهو في جدلية العلاقة بين النبوّة والولاية يتّخذ معناه الخاص، ليشير إلى التواصل الباطني الذي ما انفكّ برهةً عن الفعل. فَمَثلُ هذا التواصل كَمَثلِ حركة في الجوهر تنتظر من يدفعها الى الظهور لتقوم بمهمّة توصيل معارف الوحي ومقاصد الشريعة إلى الأفهام على امتداد الأزمنة المتعاقبة. ولما ذهب الأئمة عليهم السلام وأكابر العرفاء إلى التأسيس على هذه الحقيقة، كانوا على يقينٍ لا شُبهة فيه، من أنّ حقيقة الإيمان بالتوحيد يعادل الإقرار بالولاية، وأن التوحيد والولاية أمران لا ينفصلان، وأن الولاية هي الدليل على تجلّي الأسماء والصفات والأفعال الإلهية في كلّ طورٍ من أطوار التوحيد.
تبعاً لما ذُكر تكون الولاية عنصراً ذاتياً من عناصر خَتم النبوة. فالوليّ هو خليفة النبيّ، ومبيّنُ الشريعة من بعده، وهو الذي يتولّى صيرورة الدين الخاتم بعد ارتحال نبيّه إلى غاياته ومقاصده. بل إنّه يؤكّد بتبنِّيه لأحكام الدين، استمرار الصِّلة بعالَم الغيب في عهد انقضاء النبوّة. ولأجل ذلك تحظى الوراثة النبويّة التي للوليّ والوصيّ بدور حلقة الوصل بين الحقّ والخلق.

والتأسيس الرحمانيّ للولاية، حاضرٌ بالمجمل في الخطاب الإلهي: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ المائدة:55.وفي التفسير أن الولاية هي لله بالأصالة، وللرسول وللمؤمنين بالتّبَع. فيكون التقدير كما في التفسير: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا..﴾. ليكون في الكلام أصلٌ وتبع. ولا يخفى على المتأمل أن المآل واحد.
ولما كانت الولاية واحدة ذات مراتب وفقاً لمبدأ التراتب الطوليّ القرآني، فلسوف تكتسب منازلها المتعددة صفةَ الأ صالة المُفاضة عليها من لَدُن الوليّ الأعظم تعالى.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة