علمٌ وفكر

حقيقة الأسماء الحسنى

 

الاسم عند العرفاء هو حقيقة الوجود مأخوذة:
- بتعيّنٍ من التعيّنات الصفاتية من كمالاته تعالى.
- أو باعتبار تجلٍّ خاصٍّ من التجلّيات الإلهية.
فالوجود الحقيقي مأخوذاً:
- بتعيّن الظاهرية بالذات والمظهرية للغير الاسمُ «النور».
- وبتعيّن كونه ما به الانكشاف لذاته ولغيره الاسم «العليم».
- وبتعيّن كونه خيراً محضاً وعشقاً صرفاً الاسم «المريد».
- وبتعيّن الفياضية الذاتية للنورية عن علم ومشيّة الاسم «القدير».
- وبتعيّن الدراكية والفعالية الاسم «الحيّ».
- وبتعيّن الإعراب عمّا في الضمير المخفي والمكنون الغيبي الاسم «المتكلّم»، وهكذا.
وكذا مأخوذاً بتجلٍّ خاص على مهيّة خاصة، بحيث يكون كالحصة التي هي الكلّي المضاف إلى خصوصية، يكون الإضافة بما هي إضافة - وعلى سبيل التقييد لا على سبيل كونها قيداً - داخلة والمضاف إليه خارجاً، لكن هذه بحسب المفهوم، والتجلّي بحسب الوجود اسم خاصّ.


فنفسُ الوجود الذي لم يلحَظ معه تعيّنٌ ما، بل بنحو اللا تعيّن البحت، هو المسمّى. والوجود بشرط التعيّن هو الاسم. ونفسُ التعيّن هو الصفة. والمأخوذ بجميع التعيّنات الكمالية اللائقة به المستتبعة للوازمها من الأعيان الثابتة الموجودة بوجود الأسماء - كالأسماء بوجود المسمّى - هو مقام الأسماء والصفات، الذي يقال له في عُرف العرفاء: المرتبة الواحدية، كما يقال للموجود الذي هو اللا تعيّن البحت: المرتبة الأحدية.
والمراد من «اللا تعيّن» عدم ملاحظة التعيّن الوصفي، وأمّا بحسب الوجود والهوية فهو عين التشخّص والتعيّن والمتشخّص بذاته والمتعيّن بنفسه، وهذه الألفاظ ومفاهيمها مثل الحيّ، العليم، المريد، القدير، المتكلّم، السميع، البصير، وغيرها أسماء الأسماء.
إذا عرفت هذا عرفت أنّ النزاع المشهور المذكور في (تفسير) البيضاوي وغيره من أنّ الاسم عين المسمّى أو غيره مغزاه ماذا. فإن «الاسم» علمتَ أنّه عينُ ذلك الوجود الذي هو المسمّى، وغيره باعتبار التعيّن واللا تعيّن. والصفة أيضاً وجوداً ومصداقاً عين الذات ومفهوماً غيره.
فظهر أنّ بيانهم في تحرير محل النزاع غير محرّر، بل لم يأتوا ببيان، حتى أنّ شيخنا البهائي أعلى الله مقامه، قال في حاشيته على ذلك التفسير: «قد تحيّر نحارير الفضلاء في تحرير محلّ البحث على نحوٍ يكون حريّاً بهذا التشاجر، حتى قال [الرازي] في (التفسير الكبير) أنّ هذا البحث يجري مجرى العبث. وفى كلام المؤلف إيماء إلى هذا أيضاً»، انتهى كلامه رفع مقامه.


مصداق «الأسماء الحسنى»
وأنا أقول: لو تنزّلنا عمّا حرّرنا على مذاق العرفاء الشامخين، نقول:
يجري النزاع في اللفظ بل في النقش؛ إذ كما مرّ، لكلّ شيءٍ وجودٌ عينيّ وذهنيّ ولفظيّ وكَتبيّ، والكلّ وجوداته وأطواره، وعلاقتها معه إمّا طبيعية أو وضعية. فكما أنّ وجوده الذهنيّ وجوده، كذلك وجوده اللفظيّ والكتبيّ، إذا جعلا عنوانين له آلتين لِلحاظه، فإنّ وجهَ الشيء هو الشيءُ بوجه، وظهورُ الشيء هو هو، فإذا سُمع لفظ السماء مثلاً، أو نظر إلى نقشه يستغرق في وجوده الذهنيّ الذي هو أربط وأعلق به، ولا يلتفت إلى أنّه كيف مسموع أو مبصر، بل جوهرٌ بجوهريته، وظهورٌ من ظهوراته، وطورٌ من أطواره، ومن ثمّ لا يمسّ نقش الجلالة بلا طهارة، ويترتّب على تعويذه وتعويذ أسماء الأنبياء والأئمّة عليهم السلام الآثار...
ثمّ إنه يمكن أن يراد بالأسماء الحسنى في هذا الاسم الشريف الأئمّة الأطهار، كما ورد عنهم: «نَحْنُ وَاللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى الَّتِي لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنَ الْعِبَادِ عَمَلاً إِلَّا بِمَعْرِفَتِنَا». (كما أن الاسم يدلّ على المسمّى ويكون علامة له، كذلك هم عليهم السلام أدلّاء على الله يدلّون الناس عليه سبحانه، وهم علامة لمحاسن صفاته وأفعاله وآثاره)
وفى كلام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: «أنا الأسماءُ الحُسنى..».
والاسم من السِّمة، وهي العلامة، ولا شكّ أنّهم علائمه العظمى وآياته الكبرى، كما قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: «مَن رآني فقد رأى الحقَّ». ولأنّ مقام الأسماء والصفات مقامهم عليهم السلام، وحقّ معرفته حاصل لهم، والتحقّق بأسمائه والتخلّق بأخلاقه حقّهم، فهم المرحومون برحمته الصفتيّة، والمستفيضون بفيضه الأقدس، كما أنّهم مرحومون برحمته الفعلية والفيض المقدّس، وأمّا معرفة كُنه المسمّى والمرتبة الأحدية فهي مما استأثرها الله عزّ وجلّ لنفسه.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة