﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [ آل عمران: 169]
هذه الآية... بيان لحقيقة من الحقائق الواقعية التي غفل عنها جميع من قصر نظره على المادة والماديات، وأعرض عن الواقع و الحقيقة، ولأجل أهمية المضمون تحقق الالتفات في الآية المباركة عن خطاب المؤمنين إلى خطاب الرسول (صلى اللّه عليه وآله) فكأن هذه الحقيقة لا يمكن دركها بسهولة ولا يتقبلها عقول سائر الناس المأنوسة بالماديات إلا من كان متصلاً بالفيض الربوبي، ومتربيًا بالتربية الإلهية ومهتديًا بهدى اللّه تعالى.
والآية المباركة رد لجميع مزاعم المنافقين والكافرين وكل متوهم يتوهم أن الموت هو سبب لصيرورة الميت كالجماد روحًا وبدنًا، وانعدام كل منهما، فلا حياة بعد ذلك وراء هذه الحياة الدنيا ولا بعث. والتعبير بالحسبان للإعلان ببطلان هذا الزعم وفساده.
والمراد بسبيل اللّه كل سبيل شرع لإقامة الحق وإزاحة الباطل وقمعه، سواء كان من الجهاد الأكبر أو الجهاد الأصغر، وتعلم المعارف الربوبية والـحكام الشرعية، وتهذيب النفس بما يرتضيه اللّه تعالى، بل ويشمل السعي في قضاء حوائج المؤمنين تقربًا إلى اللّه تعالى، فكل من قتل في سبيل تلك تشمله الآية الشريفة.
كما أن المراد بالموت هنا هو الموت الظاهري وسقوط الإدراك لأجل مفارقة تلك الحياة الحيوانية المعروفة، والحياة الثانية هي الحياة الواقعية المعنوية، فالشهيد بالحق وفي الحق تصعد روحه إلى الجنة وتعيش في المقامات المعدّة لها، فتكون أرواح الشهداء من مظاهر تجليات الحق بالحق، ومن شوارق أشعة الذات غير المحدودة بحد أبدًا.
فالآية الشريفة تبين حقيقة من الحقائق الواقعية، وهي الحياة بعد الموت، وأن الإنسان بروحه لا بجسده فحسب فهي التي تشقى أو تسعد، والمنافقون وغيرهم غفلوا عن هذه الحقيقة واقتصروا على ما هو محسوس، وكان قصدهم من ذلك تثبيط المؤمنين عن الجهاد في سبيل اللّه تعالى، وتقنيطهم عن مأمولهم وما كانوا يرجونه في جهادهم وقتلهم في سبيل اللّه تعالى، لكن الوجدان الإنساني يعلن بطلان أقوالهم ويحكم عليهم بالخزي والعار، وأن نصيبهم من ذلك الحرمان والشقاء.
فالآية المباركة ترشد إلى أمر وجداني يذعن الإنسان به بعد أدنى تفكر وروية، ولعل ذلك كله هو الوجه في تأكيد هذه الحقيقة في القرآن الكريم وتكرارها في مواضع متعددة منه، كقوله تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ) (البقرة- 154). فقد نفى عز وجل عنهم الشعور لكثرة أنسهم بالماديات وغفلتهم عن الحقائق والمعنويات وبعد التفكير وعدم الاقتصار على الجانب المادي فقط في هذه الحياة تنكشف الحقيقة بوضوح، هذا وللإذعان بهذه الحقيقة فوائد كثيرة فإنه يوجب الاعتقاد ببقاء الروح وإنها تنتقل من عالم إلى عالم آخر، كما أنه يقتضي زوال كثير من الهموم والغموم التي تصيب الإنسان في الحياة الدنيا، وشدة الإقدام والمثابرة في تحمل المكاره للعلم بأنها إذا كانت في سبيل اللّه تعالى فإن لها الجزاء الأوفى، وهي توجب السعادة والعيش الهنيء في العقبى.
ولذا نرى أن هذه الحقيقة إنما تذكر بعد آيات الجهاد والقتال في سبيل اللّه، لما لها الأثر الكبير على الصبر في ميدان القتال والمثابرة عند النزال، كما أن الاعتقاد بهذه الحقيقة يكون من أسباب استكمال الإنسان وإعداد نفسه لحياة أخرى بوجه أتم وأكمل، كما تدل عليه ذيل الآية الشريفة وآيات أخرى في مواضع متعددة، يضاف إلى ذلك أن لها الأثر الكبير في النفس فتجعلها مطمئنة راضية بما قسمه اللّه تعالى وما ينزل عليها من المصائب.
قوله تعالى: (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) إبطال لما زعموه في المقتولين في سبيل اللّه تعالى بأنهم أموات قد انتهت حياتهم، بل هم أحياء بحياة خاصة ومقربون عند ربهم يتنعمون بأنواع الرزق في تلك الحياة الكريمة وسعداء في ذلك العالم الحميد، وقد كرمهم عز وجل بذكر (عند)، والربوبية، وإضافتها إلى ضمير (هم) وفيه غاية التكريم والتبجيل...
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ محمد صنقور
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد مصباح يزدي
حيدر حب الله
الشيخ علي رضا بناهيان
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
السيد محمد حسين الطهراني
أحمد الرويعي
حسين حسن آل جامع
أحمد الماجد
فريد عبد الله النمر
علي النمر
حبيب المعاتيق
زهراء الشوكان
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
شفيق معتوق العبادي
سفر الركب الحسيني من كربلاء الى كربلاء (2)
السيّدة زينب (ع) من أقوى عناصر كربلاء
طراوة الدّم في الصّفاح
آه لوجدك يا زينب
شعراء عائلة المؤمن: لأبكينَّك شعرًا
مقدار ما سُلبَ من نساء أهل البيت (ع)
زينب (ع) شاهدة النهضة
سفر الركب الحسيني من كربلاء الى كربلاء (1)
نشاط الدّماغ حين نحاول قراءة ما يفكّر به الآخرون
حقوق أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم (2)