علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
عدنان الحاجي
عن الكاتب :
من المترجمين المتمرسين بالأحساء بدأ الترجمة عام ٢٠١١، مطّلعٌ على ما ينشر بشكل يومي في الدوريات العلمية ومحاضر المؤتمرات العلمية التي تعقد دوريًّا في غير مكان، وهو يعمل دائمًا على ترجمة المفيد منها.

مخاطر خفية من الغش في العسل

ترجمة عدنان أحمد الحاجي

 

العسل حلو بطبيعته، لكنه قد يخفي ماضيًا إجراميًّا؟ هذه ليست حبكة دراما لجريمة جديدة، بل تدور حول برطمان عسل على مائدة افطار. يُجلب العسل عادةً من مناحل أقامها مربو نحل لإنتاج العسل وتلقيح نباتات. آلاف العاملات تجمع رحيق الأزهار، وتعيده إلى الخلية، وتحوله إلى عسل. ولكن مع ازدياد الطلب العالمي وارتفاع أسعار أنواع العسل الفاخر المنتج من أزهار معينة، مثل عسل السدر، أصبح العسل من أكثر الأغذية غشًّا في العالم.

 

عادةً ما ينطوي الغش في العسل على نوعين من الغش [انظر قاعدة بيانات الأطعمة المغشوشة من 1980 إلى 2022] (1). النوع الأول من الغش هو تغيير مكونات العسل نفسها (2)، حيث يخفف بعض المنتجين العسل بقطر سكر رخيص (3). بينما يعمد مربو نحل آخرون إلى إنضاج العسل غير الناضج طبيعيًّا إنضاجًا صناعيًّا، وذلك بتجفيفه بإزالة الماء عنه (4) أو حتى يعمد بعض النحالين إلى تغذية النحل مباشرةً بمحاليل سكر، ما من شأنه أن يُنتج عنه عسل لا يُشبه العسل الحقيقي.

 

أجرى تحقيق مشترك (5) بين المفوضية الأوروبية والمكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال فحصًا للعسل المستورد إلى الاتحاد الأوروبي بين عامي 2021 و2022. ووجد أن 46 % من الشحنات التي خضعت للفحص تحتوي على قطر سكر (3) مضاف (وهو شراب مُحلي). والسبب ببساطة اقتصادي الطابع: عملية إنتاج العسل الأصلي عملية بطيئة ومكلفة، بينما تكلفة تصنيع وبيع المُحليات المصنوعة من الأرز أو الذرة أقل بكثير.

 

التلاعب بملصقات المنشأ والجودة

 

النوع الثاني من الاحتيال والغش أكثر دهاءً وغموضًا. تدّعي الملصقات أن العسل مصدره أزهار نباتية أو مكان معين، بينما في الواقع، قد مُزج بأنواع عسل من مصادر رديئة الجودة أو مستوردة. عسل مانوكا مثالٌ معروف، إذ يُباع بأسعار أعلى بكثير من العسل العادي المتوفر في السوبر ماركت، ما يجعله هدفًا جذابًا للتلاعب بمعلومات الملصق.

 

غالبًا ما يختار المستهلكون العسل لاعتقادهم أنه طبيعي أو صحي. كما تُبين الدراسات أن الكثيرين على استعداد لدفع مبالغ كبيرة مقابل شراء عسل محلي وصافي وقابل للتتبع (6). بيد أن معظم الدول، بما فيها المملكة المتحدة، لا تنتج ما يكفي من العسل لتلبية الطلب المحلي وتعتمد بشكل كبير على الواردات. هذه الفجوة بين الطلب والإمداد تخلق فرصًا للمزج وتغيير معلومات الملصقات والغش قبل وصول العسل إلى رفوف المتاجر بوقت طويل.

 

لا يقتصر الغش في العسل على الخسائر الاقتصادية فحسب، بل يثير أيضًا مخاوف تتعلق بسلامة وصحة المستهلك. فعندما يُغش العسل لتحقيق الأرباح، نادرًا ما تُعطى الأولوية لصحة وسلامة المستهلك. وقد وجدت دراسة أوروبية (7) أن بعض أنواع العسل المستورد تحتوي على آثار من مبيدات حشرية وفلزات ثقيلة وأدوية بيطرية وهيدروكربونات أروماتية متعددة الحلقات (8، 9)، وهذه مواد قد تكون ضارة صحيًّا في حال تناولها بكميات كبيرة أو عند التعرض لها لفترات طويلة. ويمكن لبعض المبيدات الحشرية والفلزات الثقيلة أن تؤثر في الجهاز العصبي أو الأعضاء الحيوية. وقد تُسبب الأدوية البيطرية ردود فعل تحسسية أو مقاومة للمضادات الحيوية. الهيدروكربونات الأروماتية متعددة الحلقات هي مواد كيميائية تتكون عادةً من عملية احتراق غير كاملة، وبعضها معروف بأنها مواد مسرطنة.

 

بالرغم من أن التبعات الصحية لهذه المواد في العسل غير مفهومة تمامًا، تفيد بعض الدراسات بأن العسل المغشوش الذي يحتوي على قطر السكر المضاف قد يُسبب ارتفاعًا حادًّا في مستويات السكر في الدم مقارنةً بالعسل الطبيعي، مما قد يرفع من مستوى احتمال الإصابة بمرض السكري. كما يُقوِّض الغش ثقة المستهلك ويصعب على النحالين النزيهين التنافس، ما يضر بالاقتصاد.

 

تتوفر بالفعل الكثير من الوسائل العلمية المصممة لتمييز العسل الأصلي (10) من العسل المغشوش. بإمكان الاختبارات الكيميائية الكشف عن وجود قطر السكر في العسل إذا كان مغشوشًا، العسل الأصلي لابد أن يكون خاليًا من قطر السكر تمامًا. وهناك فحص آخر، وهي تحليل حبوب الطلع الموجودة طبيعيًّا في العسل (11، 12)، لمعرفة نوع النباتات التي تغذى عليها النحل ومناطقها التي نشأت فيها. ينتج كل نوع من النباتات حبوب لقاح مميزة بإمكان المتخصصين المدربين التعرف عليها تحت المجهر.

 

ولكن تحليل حبوب الطلع هذا يتطلب جهدًا مكثفًا وخبرة كبيرة. وهنا يمكن الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي لتمييز أنواعها. فقد تم اختبار نماذج من التعلم الآلي للتعرف على حبوب الطلع في العسل، والنتائج الأولية واعدة، تفيد دراسة (13) صدرت في 21 أكتوبر 2025 ودراسات أخرى إلى معدلات دقة تجاوزت 90%.

 

تكمن الصعوبة في تحليل ومعرفة هوية حبوب الطلع في تعقيد بنية (شكل) حبوب الطلع نفسه. فكل حبة طلع هي بنية ثلاثية الأبعاد، تشبه كرة صغيرة عليها نتوءات ولها أشكال. ولأنها قادرة على الالتواء والدوران في أي اتجاه، فقد تبدو مختلفة تمامًا في كل مرة ننظر إليها. هذا يجعل تمييزها صعبًا، مع أن كل نبات يُنتج حبوب طلع بخصائص فريدة. ولكي يستطيع الذكاء الاصطناعي من تمييز كل أنواع حبوب الطلع، لابد من تدريبه على قواعد بيانات فيها صور لأنواع حبوب الطلع للنباتات المعروفة. ولكن قاعدة البيانات هذه غير مكتملة حاليًّا.

 

ومع ذلك، فإن الجمع بين التعلم الآلي والتحليل الكيميائي قد يُغير طريقة فحص العسل. إذ يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يُساعد في أتمتة التعرف على هوية حبوب الطلع ومطابقتها مع البيانات الكيميائية، ما يسمح للجهات التنظيمية والمنتجين باختبار عينات عسل كثيرة بسرعة أكثر ودقة أفضل. وهذا من شأنه أن يُصعّب على العسل المُغشوش التسلل عبر سلاسل الإمداد إلى خزائن المنازل. ما تزال هذه التقنية في طور التطور، لكن التوقعات واعدة.

 

في الوقت الحالي، قد يبدو برطمان العسل على مائدة الإفطار بسيطًا وجذابًا ومغريًا، لكنه قد يخفي أشياء لا نعرفها بعد - مثل غموض مصدره الأصلي أو ما إذا كان مغشوشًا بمواد أخرى غير أصلية. ولكن مع تقدم الأساليب العلمية وتطور الذكاء الاصطناعي، نقترب من مستقبل يُمكن فيه الوثوق بالعسل ليس فقط بحلاوته، بل أيضًا بسلامته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0362028X24000115

2- https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC10534224/

3- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/شراب

4- “العسل غير الناضج هو العسل الذي ما يزال شبيهًا بالرحيق المجموع من الخلية قبل أن يتم النحل عملية نضجه طبيعيًا. ويتميز هذا العسل بتدني جودته، وذلك لاحتوائه على نسبة عالية من الماء". ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: https://beginner-beekeeping.co.uk/immature-honey/

5- http://https://food.ec.europa.eu/food-safety/eu-agri-food-fraud-network/eu-coordinated-actions/honey-2021-2022_en

6- "منتج العسل الذي يمكن تتبعه هو ما يخضع لنظام يتتبع مصدره من  الحقل إلى الخلية ومن ثم إلى المنتج النهائي. توفر عملية تتبع معلومات عن مُربّي النحل، وموقع تجميعه، والأزهار التي تغذى النخل على رحيقها، وطريقة جمع ومعالجة وتعبئة العسل في البرطمانات". ترجمناه بتصرف من مصدر ورد على هذا العنوان: https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0308814621020720

7- http://https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/36592191/

8- https://link.springer.com/article/10.1007/s00244-022-00970-3

9- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/هيدروكربون_عطري_متعدد_الحلقات

10- https://www.nature.com/articles/s41538-022-00126-6

11- https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC10409281/

12- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/علم_طلع_العسل

13- https://www.emerald.com/bfj/article-abstract/127/12/4512/1305087/Honey-authentication-using-AI-based-pollen

المصدر الرئيس

https://theconversation.com/the-honey-trap-why-honey-fraud-is-a-health-hazard-268369

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد