مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

دع الحقد جانبًا

تتنوع الأمراض الأخلاقية بحسب آثارها، بين ما يقتصر ضررها على الشخص أو القريبين منه! وبين ما يمتد تأثيرها وضررها إلى البعداء، وينتشر خطرها في دائرة أكبر! والأول مثل البخل وسوء الخلق، فإن بخل البخيل تقتصر عواقبه السيئة على نفس البخيل وربما على أسرته وأصدقائه، وأما من بعد عنه فلا يتأثر ببخله وكرمه! وأما الحقد فقد لا يقتصر على القريبين، بل ربما طال شرره إلى من لا يعرفهم الشخص ولم يلتق بهم يومًا!

 

وقد سجل التاريخ حروبًا بين أتباع أديان ومذاهب وقوميات كان سببها أحيانًا هوس زعماء وحقد رؤساء، يقومون بتربية أتباعهم وشحن الجو العام بضدية طرف من الأطراف حتى إذا جاءت ساعة الصفر للاشتباك فالنفوس مهيأة والقلوب محتقنة والأحقاد فائضة، فتجد متنفسها في الانتقام!

 

إنه حتى الحروب لها قوانينها وأصولها، بل أخلاقياتها، وفيها خطوط حمر وما يجوز وما لا يجوز، لكن حين يقود الحقد الأعمى رؤساء هذه الكتائب والجيوش فإن الحديث عما سبق يكون من الأوهام!

 

لقد رأينا في أتباع الدين الواحد كيف ينتقم بعضهم من بعض على أساس اختلاف ظاهره مذهبي وكيف يصنعون ببعض ما لا يصنعه الأعداء الألداء! وهذا شهدته أوروبا في حروبها (المسيحية) كما شهده ويشهدها العالم الاسلامي حين يحترب أتباع (المذاهب) فيما بينهم! فينحر بعضهم بعضًا ويذبح بعضهم بعضًا ويقطع بعضهم رؤوس بعض!

 

ولهذا ينبغي مقاومة صناعة الحقد، ومع وجود الاختلاف الديني أو المذهبي أو السياسي، ينبغي إبقاء هذا الاختلاف في حدوده وضمن جغرافيته، مع المحافظة على أصول الاختلاف وأخلاقياته!

 

ولو فكر المصلحون في هذه المسألة وهي: كم أنفق المسلمون من أموال وكم بذلوا من جهود في صناعة الحقد فيما بينهم؟ هذا وهي تقرأ قرأن ربها الذي عذب بعض الأمم بأن جعل بأسها بينها، وأذاق بعضها بأس بعض! فصارت أمتنا الإسلامية أمثولة في هذا بدل أن تكون مثلاً أعلى! وبدلاً من أن تُركز جهودها في الإنشاء والإعمار، وتستثمر أموالها في النتاج العلمي والفكري والتقني والديني، أصبحت ثرواتها وقدرات قادتها الكبار: من سياسيين أو علماء ـ في قسم عظيم منها ـ موجهة لإفساد أمور الفريق الآخر والمذهب الآخر! ومن الطبيعي أن يكون لهذه المسيرة نتائج نرى أثرها في أن يكون الجو الإسلامي محتقنًا بحيث لو تسلط بعض على بعض..

 

في مقابل ذلك ينبغي للمصلحين والهادفين أن يتحركوا باتجاه قمع سَورة الحقد، والتربية على التواصل مستهدين في ذلك بالتعليم القرآني والتهذيب الأخلاقي (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).[1]

 

و"بالرغم من أنّ بعض المفسّرين قد حدّد مفهوم هذه الآية بمجموعة من الأشخاص الذين التحقوا بالمسلمين بعد انتصار الإسلام وفتح مكّة، إلاّ أنّه لا يوجد دليل على هذه المحدوديّة الخاصّة بل تشمل جميع المسلمين إلى يوم القيامة، وعلى فرض أنّ هذه الآية ناظرة إلى فئة خاصّة، إلاّ أنّها عامّة من حيث الملاك والمعيار والنتيجة".[2]

 

فالمؤمنون ينبغي أن يترحموا على من سبقهم بالإيمان سواء من حيث الزمان أو من حيث شدة الالتزام، وبالنسبة لمن يعاصرهم الإنسان المؤمن فإنه يدعو ربه ألّا يجعل قلبه متشحنًا عليهم، وألّا تكون الأسباب البسيطة داعية للحقد، فإذا اختلفت معه في النظر أو في طريقة العمل، بل حتى في العقائد فلا ينبغي أن يكون ذلك دافعًا للحقد عليه.

 

نعم في الموارد التي يجب بغض أشخاص من الناحية الدينية، كبعض من لعنهم الله وأمر بلعنهم (أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)،[3] فأول ما ينبغي أن يقال إن هؤلاء ينبغي أن يُبغضوا ويكرهوا لا لحظ النفس والمشاعر الداخلية وإنما أن يكون ذلك في الله، ولذلك فإن المدح والثناء الذي ورد إنما هو لمن يحب في الله ويكره في الله.. لا لأنّه يريد ذلك، أو لأن أهواءه النفسية تسوقه إليه. بل ينقل عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قام عن قتل عمرو بن عبد ود، لأنه شتمه أو بصق، فحتى لا يكون في قتله إياه أي شائبة من الانتقام للنفس والكراهية والحقد الذاتي، وإنما أن يكون كل عمله لله، قيل إنه قام عن قتله ومشى قليلاً ثم عاد وأجهز عليه.

 

وبالنسبة للمنحرفين وأشياع الضلالة ينبغي أن يواجهوا في الوسط الاجتماعي بغير الترحيب، إذا كان ذلك يؤدي إلى ردعهم عن المنكر. ففاعل المنكر والناشر له ينبغي أن يبغض فعله ولا يصح أن ينشأ تطبيع بين المؤمن وبين المنكر، إن الزنا زنا و(فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا).[4] لا تقُلْ هو حرية شخصية. بل هو عمل محرم، تم توصيفه من الله عز وجل بأنه فاحشة والزاني لو كان يتأثر ببغضنا إياه ومقاطعتنا له بسبب هذا الذنب فيجب فعل ذلك من باب النهي عن المنكر.

 

لكن ينبغي أن يكون هذا بحساب. الحساب ما هو؟ ما ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله "أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عسى أن يكون بغيضك يوما ما وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عسى أن يكون حبيبك يوما ما "[5]؛ بمعنى أن المواقف إنما تتشكل بحسب صورة الشخص فاليوم هو مثال للسوء والمنكر ينبغي أن يبغض المنكر الذي يحمله، وأن يقاطع هذا الشخص، لكن هذا الأمر ليس (خرسانة مسلحة) لا تتغير، وإنما بتغيره وصلاحه وتوبته ينبغي استقباله في المجتمع المؤمن ومحض الحب له والترحيب به، فالموقف يجب أن يكون هادفًا ومحسوبًا، وليس حاقدًا وأعمى!

 

وقد نقل هذا الحديث في مصادر الإمامية [6] عن أمير المؤمنين عليه السلام، بصيغ متعددة، مما قد يعني أن الإمام عليه السلام قد ذكره في مواضع ومناسبات متعددة، بتفصيل تارة وباختصار أخرى، وبتغيير بعض الكلمات ثالثة.. فقد نقل، عن الشهيد زيد بن علي بن الحسين، عن أمير المؤمنين أنه قال: "لَا يَكُنْ حُبُّكَ كَلَفًا وَلَا يَكُنْ بُغْضُكَ تَلَفًا، أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا".

 

ومعنى الكَلَف، كما قال في معجم مقاييس اللغة: هو الإيلاع بالشيء والتعلق به، تقول قد كلف بالأمر.. وتوضيحه: ألّا تتولع بحب شخص بحيث تتعلق به تعلقا ينسيك غيره، ولا تصبر عنه، مثلما يكون الطفل الصغير كلِفًا بحب أمه فلا يستغني عنها وبالعكس! كما أنه لا يصح أن يكون بغضك لأحد متلفًا لأعصابك ومنكدا لمعيشتك، فلا تهنأ بحياة من شدة بغضك إياه! بل توسط في الأمرين. فإنه لا شيء بالضرورة مستمر، فقد يتغير الشخص الذي كلفت بحبه، وينصرف عنك! أو ينحرف بحيث لا تجد سبيلًا إلا أن تنفصل عنه.. وفي المقابل فإن من كنت تبغضه بغضًا متلفًا لحياتك، قد تتغير الظروف فإذا به يصبح قريبًا إليك وصديقًا فماذا تصنع بحقدك السابق المتلف؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحشر: 10

(2) الشيرازي؛ الشيخ ناصر مكارم: الأمثل في تفسير الكتاب المنزل 18 /194

(3) البقرة: 159

(4) الإسراء: 32

(5) الهيثمي؛ الحافظ علي بن أبي بكر: مجمع الزوائد 8/ 88

(6) الري شهري؛ الشيخ محمد: ميزان الحكمة 3 /1980

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد