فجر الجمعة

الشيخ عبد الجليل الزاكي: مخالفة السنن التاريخية والاجتماعية

تحت عنوان "عواقب مخالفة السنن التاريخية والاجتماعية" تحدثّ الشيخ عبد الجليل الزاكي في مسجد عيد الغدير بسيهات، وذلك في 14 ربيع الثاني 1446 ه في مسجد عيد الغدير بسيهات.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا لا انقطاع له إلا برضاه، وبعد الرضا. وأشهد أن لا إله إلا الله، إلهًا واحدًا أحدًا فردًا صمدًا حيًّا قيّومًا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا.

أما بعد، الصلاة والسلام على أشرف النبيين والمرسلين، حبيب قلوب المؤمنين الصادقين المخلصين، المسمى في السماء بأحمد، وفي الأرض بأبي القاسم المصطفى محمد.

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، الطيبين الطاهرين، المنتجبين، لا سيما بقية الله في الأرضين، صاحب العصر والزمان، أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.

اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة وفي كل ساعة، وليًّا وحافظًا، وقائدًا وناصرًا، ودليلًا وعينًا، حتى تسكنه أرضك طوعًا، وتمتعه فيها طويلًا. وَامْنُنْ علينا برضاه، وَهَبْ لنا رأفته ورحمته ودعاءه وخيره، ما ننال به سعةً من رحمتك، وفوزًا عندك يا كريم، يا أرحم الراحمين. وصَلِّ على محمدٍ وآله الطاهرين.

 

قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ". صدق الله العلي العظيم.

 

مقدمة:

كان حديثنا في الجمعة السابقة عن حياة المجتمعات ومدى قدرتها على البقاء أو الانهيار. وقد تناولنا حياة المجتمع الإسلامي والحضارات بشكل عام، وأوضحنا أن استمرارية هذه الحياة مرهونة بوجود أربعة أسس رئيسية تُشكل العمود الفقري لبقاء أي مجتمع أو حضارة. في حديثنا هذا، سنركز على أحد هذه الأسس باختصار وإيجاز.

 

الأساس الأول: التوحيد

التوحيد هو الأساس الأول لحياة الفرد والمجتمع والأسرة، بل للحضارة بأكملها. إن توحيد الله سبحانه وتعالى يمثل القاعدة العقائدية السليمة التي تنبثق منها كل مظاهر الحياة، سواء كانت فردية أو اجتماعية. من خلال هذه العقيدة، تتحدد نظرة الإنسان للحياة، وتتشكل رؤيته للخلق والخالق، وللإنسان والحيوان والجماد، مما يجعل التوحيد أساساً للتوازن الروحي والأخلاقي والمادي.

 

أثر العقيدة التوحيدية:

توجيه الفكر والسلوك:

العقيدة هي العنصر الأساسي الذي يوجه فكر الإنسان وعواطفه وسلوكه في جميع جوانب الحياة. إذا كانت العقيدة مادية، فإن النظرة للحياة والتفسير والتعامل معها سيكون مادياً، مما ينعكس على القيم الأخلاقية لتصبح مجرد وسيلة لتحقيق مكاسب مادية.

 

القيم الأخلاقية في ظل التوحيد:

على عكس النظرة المادية، القيم الأخلاقية في العقيدة التوحيدية مستمدة من النية الصالحة والإخلاص لله سبحانه وتعالى، بغض النظر عن المكاسب المادية. الأعمال الصالحة، كالصلاة وصلة الأرحام وبر الوالدين، تكون ذات قيمة حقيقية إذا كانت قائمة على نية خالصة لله.

 

شروط قبول العمل:

الله سبحانه وتعالى وضع شرطين أساسيين لقبول العمل في الفكر الإسلامي:

الإخلاص في النية: النية الصادقة لله هي الأساس الذي يجعل العمل مقبولاً.

صلاح العمل: العمل يجب أن يكون صالحاً ومطابقاً لما أمر به الله. قال تعالى: "إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ". فلا قيمة للعمل إذا كان خالياً من الإخلاص، حتى وإن كان ظاهره صالحاً. على سبيل المثال، الصلاة إذا أُديت بغير نية خالصة لله، فإنها لا تمثل طاعة حقيقية، بل تصبح مجرد عادة لا أثر لها في حياة الإنسان.

الصلاة: عمود الدين

الصلاة هي الأساس الذي تقوم عليه حياة المؤمن، وهي "عمود الدين"، كما جاء في الروايات: "إن قُبلت قُبل ما سواها، وإن رُدت رُد ما سواها". لذلك، الصلاة تمثل جوهر العلاقة بين الإنسان وخالقه، وتُعبر عن شكره وطاعته لله، مما يجعلها الركيزة الأساسية لحياة الفرد والمجتمع.

التوحيد ليس مجرد فكرة أو اعتقاد، بل هو أساس لكل ما يفعله الإنسان في حياته. ومن خلال الإيمان الراسخ والنية الصادقة والعمل الصالح، يمكن بناء مجتمع قائم على القيم السامية التي تحقق حياة طيبة في الدنيا، ورضا الله في الآخرة.

إذا كان هناك اختلاف أو لم يكن هناك اختلاف في القيمة، فإن فكر المسلم ينطلق من قوله تعالى: "إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ". فالعمل الصالح يحتاج إلى رافعة، وهذه الرافعة هي النية الخالصة لله سبحانه وتعالى. قال الله تعالى: "وَلِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ".

 

العنصر الأول: النية الخالصة

النية الصالحة والخالصة لله هي العنصر الأول والأساسي الذي يجعل العمل مقبولاً وذا قيمة عند الله. بدون النية الخالصة، يصبح العمل مجرد صورة خالية من الجوهر.

 

العنصر الثاني: العدل والعدالة

العنصر الثاني الذي يُعد ركيزة أساسية في بناء الفرد والأسرة والمجتمع هو العدل والعدالة. لاحظوا هذا المعنى:

العدل في الأسرة: أسرة تفتقر إلى العدل قد تنهار. فالعدل بين أفراد الأسرة، سواء في توزيع المسؤوليات أو في التعامل، هو أساس استقرارها وبقائها.

العدل في الفرد: شخصية الفرد الإيمانية تتأثر سلباً إذا لم يكن هناك اعتدال وتوازن في الصفات والمقومات الإيمانية. التطرف في أي جانب (إفراط أو تفريط) يؤدي إلى اختلال الشخصية.

العدل في المجتمعات: المجتمعات والحضارات تقوم على العدل. بدون العدل، تنهار الحضارات وتنعدم القيم، فيسود الظلم والفوضى. قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ...". فالعدل أساس استقرار المجتمعات، وهو المعيار الذي يُبنى عليه كمال الفرد والأسرة والمجتمع.

 

الأمر الثالث: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 تصور مجتمعًا يخلو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كيف يمكن أن ينهض ويتكامل؟ الأمر بالمعروف هو أحد الأسس الأساسية لتكامل الأفراد والمجتمعات. كما أن مراقبة النفس ومحاسبتها تُعدّ وسيلة أساسية لتكامل الشخصية وتنقيتها.

 

مراقبة النفس ومحاسبتها:

قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ". في هذه الآية نوعان من التقوى:

تقوى المراقبة: الإنسان يُراقب نفسه ويراقب أعماله، متفكرًا فيما قدمه لغده، أي ليوم الحساب.

تقوى المحاسبة: محاسبة النفس يوميًّا، بوزن الأعمال ومراجعتها: تحديد النقاط السلبية في الشخصية والعمل على تركها. التركيز على النقاط الإيجابية وتعزيزها لزيادة التقدم والتكامل. قال الإمام علي (عليه السلام): "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا. اليوم عملٌ بلا حساب، وغدًا حسابٌ بلا عمل".

 

الأمر بالمعروف وأثره الاجتماعي:

في المجتمع، كما في حياة الفرد، الأمر بالمعروف وسيلة لتكامل الجوانب الناقصة:

في الفرد: المحاسبة الذاتية تؤدي إلى نمو الشخصية وتحقيق التكامل بين الجوانب السلبية والإيجابية.

في المجتمع: الأمر بالمعروف يعالج النواقص الاجتماعية ويكمل جوانب القصور، مما يؤدي إلى تكامل المجتمع ونهضته.

في الأسرة: الانضباط في الأسرة من خلال الأمر بالمعروف يؤدي إلى تحقيق السكينة والتفاهم بين أفرادها.

في الأمة والحضارة: لا يمكن لأمة أو حضارة أن تنهض دون وجود نظام قيمي يوجهها نحو المعروف والصلاح.

 

الأمر الرابع: النهي عن المنكر

النهي عن المنكر هو تكملة للأمر بالمعروف، وهو أمر حيوي ومؤثر في حياة الأفراد والمجتمعات. المنكر هو الفساد الذي إذا شاع في أمة أو مجتمع، فإنه يؤدي إلى انهياره وزواله. النهي عن المنكر هو الوسيلة التي تمنع هذا الانهيار وتحمي المجتمع من السقوط في هاوية الفساد. قال تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر".  بقاء الأمة في مكانتها كـ "خير أمة" متوقف على القيام بهذين الأمرين:

الأمر بالمعروف.

النهي عن المنكر.

 

أثر المنكر في المجتمع:

المنكر يفسد المجتمع: إذا شاعت المنكرات في مجتمع ما، فإن ذلك يؤدي إلى انهياره تدريجيًّا.  المجتمع الذي ينتشر فيه الفساد بلا رادع يصبح غير قابل للاستمرار.

 

القرآن يحذر من هذا الانهيار:

قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم".  الحياة الحقيقية للمجتمع تكمن في الاستجابة للتعاليم الإلهية التي جاء بها الرسول (صلى الله عليه وآله).

 

أمثلة قرآنية على عواقب الفساد:

فرعون: تجبر وطغى وقال: "أنا ربكم الأعلى". النتيجة: أغرقه الله وجعل جسده آية للبشر. قال تعالى: "فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية". مهما طال الزمن، فإن مصير الظلم والطغيان هو الزوال.

قارون: امتلك أموالًا طائلة وقال: "إنما أوتيته على علم عندي". النتيجة: خسف الله به الأرض بأمواله وكنوزه. قال تعالى: "فخسفنا به وبداره الأرض". الكبر والجحود بنعم الله يؤديان إلى الهلاك.

 

أهمية النهي عن المنكر:

في المؤسسات: إذا كانت المؤسسة تفتقر إلى الأمر بالمعروف والعدل، وتشهد انتشار المنكر، فإنها لا يمكن أن تنجح أو تزدهر.

في المجتمعات: مجتمع تسوده الفوضى والفساد لا يمكن أن يستمر، إذ ينهار سريعًا. النهي عن المنكر ضرورة حتمية لحماية المجتمع من الانهيار. لا يمكن للمجتمع أن يزدهر بدون اجتناب المنكرات. الاستجابة لأوامر الله وتعاليم الرسول هي السبيل إلى حياة حقيقية ومستقرة.

 

انهيار المجتمعات والحضارات: الأسباب والأسس

الأسس الأربعة لبقاء المجتمعات والحضارات:

التوحيد: يمثل التوحيد الأساس العقائدي لأي مجتمع أو حضارة. هو القاعدة التي تُبنى عليها القيم والأخلاق، وهو المحرك الأساسي للإنسان نحو التزكية الروحية والاجتماعية. غياب التوحيد يؤدي إلى التخبط في المعتقدات واعتماد نظريات مادية تفتقر إلى الجانب الروحي.

العدل: العدل هو الركيزة الثانية في بناء المجتمعات. غيابه يؤدي إلى انهيار الأسرة، تدهور الأخلاق، وانعدام التوازن بين القوى النفسية والاجتماعية. المجتمعات التي لا يسود فيها العدل تفتقر إلى الاستقرار، مما يجعلها عرضة للتفكك والزوال.

الأمر بالمعروف: هذا الأساس يُكمل البناء الأخلاقي للمجتمع، حيث يُحث الأفراد على نشر الفضيلة والسعي لتحقيق الخير. مجتمع يخلو من الأمر بالمعروف يفتقد التكامل ويصبح عاجزًا عن تطوير ذاته.

النهي عن المنكر: غياب النهي عن المنكر يُتيح للفساد أن يتغلغل في المؤسسات والمجتمعات، مما يؤدي إلى انهيارها. قال تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر". عندما يُهمل هذا الجانب، تحل القيم المنحطة محل القيم الإلهية، مما يؤدي إلى انهيار المجتمعات.

 

الكفر وعواقبه على الفرد والمجتمع:

بناء المجتمع على غير أساس التوحيد: المجتمعات التي لا تعتمد التوحيد الإلهي كأساس، تنتهي إلى الكفر بالله سبحانه وتعالى. هذا الكفر يعني استبدال القيم الإلهية بالقيم الشيطانية، مما يفسد الروح والأخلاق.

تبني القيم الشيطانية: قال تعالى: "الشيطان يعدكم الفقر". الشيطان يزرع الخوف من الفقر، ويدفع الإنسان لتبني القيم المادية والأنانية. كما قال: "إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا". القيم الشيطانية لا ترتقي بالمجتمعات، بل تدفعها نحو الانحدار.

غياب المثل العليا: عندما يتبنى المجتمع القيم المادية والمنحطة بدلًا من القيم الإلهية والرحمانية، يفقد القدرة على الارتقاء الروحي والاجتماعي.

الانهيار في القرآن الكريم: قال تعالى: "وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابًا شديدًا، كان ذلك في الكتاب مسطورًا". هذه الآية توضح أن المجتمعات التي تبتعد عن القيم الإلهية مآلها الهلاك أو العذاب. سواء كانت المجتمعات رأسمالية، ملحدة، أو تتبنى أفكارًا منحرفة، فإن نتيجتها الانهيار.

 

الدرس المستفاد:

بناء المجتمعات والأفراد على أسس التوحيد والعدل: هذه الأسس هي الضمانة لبقاء الحضارات وازدهارها.

محاربة القيم الشيطانية: القيم الشيطانية تُفسد الروح والمجتمع، ويجب استبدالها بالقيم الرحمانية التي ترتقي بالإنسان والمجتمع. المجتمعات التي تبنى على التوحيد والعدل، وتعتمد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تسير نحو التكامل والازدهار. أما تلك التي تتبنى الكفر والقيم الشيطانية، فمصيرها الهلاك والزوال.

 

الكفر وأثره في المجتمعات وفق السنن الإلهية والتاريخية

مفهوم الكفر وتأثيره: الكفر لا يعني فقط إنكار وجود الله، بل يشمل أيضًا مخالفة السنن الإلهية والتاريخية والاجتماعية التي وضعها الله تعالى لتنظيم الحياة. يشمل ذلك مخالفة الفطرة الإنسانية وارتكاب الذنوب والمعاصي، ما يؤدي إلى شيوع الفساد والانحرافات في المجتمعات.

 

الآثار المدمرة لغياب التوحيد والعدل:

شيوع الظلم: عند غياب التوحيد والعدل، يصبح الظلم هو القاعدة السائدة. الظلم يؤدي إلى انهيار المجتمعات والحضارات كما بيّن القرآن الكريم في العديد من الأمثلة:

فرعون: شيوع الظلم والاستبداد.

قوم شعيب: الخداع الاقتصادي وعدم الالتزام بالعدل.

أصحاب الرس: التمرد على الفطرة والسنن الإلهية.

 

العلاقة بين الظلم والمعاصي:

عندما تتخلى المجتمعات عن أساس التوحيد الإلهي وتبتعد عن تعاليم الأنبياء، تنتشر الذنوب والمعاصي. هذا يؤدي إلى انهيار القيم وانعدام العدل، مما يجعل الفساد هو السائد.

 

لماذا يعم العذاب الجميع؟

يطرح البعض تساؤلًا: لماذا يُعذب الأبرياء مع الأشرار؟

الجواب القرآني: في قصة قوم شعيب، هلك مائة ألف: ستون ألفًا من الأشرار. أربعون ألفًا من الأخيار. السبب: الرضا بما صنع المفسدون. قال تعالى: "ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به". الرضا بالظلم والمعاصي يجعل الإنسان شريكًا في الجريمة. كما ورد في الحديث الشريف: "من أحب عمل قوم حُشر معهم".

شاهد من زيارة الإمام الحسين (عليه السلام):

عند قراءة زيارة الإمام الحسين، نجد: "ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به".

 

الرضا بالفساد يعني الاشتراك في الإثم.

حديث جابر بن عبد الله الأنصاري: عندما وصل جابر إلى كربلاء، قال: "أشهد أننا معكم". سأله عطية العوفي كيف يكون ذلك، مع أنهم لم يشاركوا في القتال؟ أجاب جابر بحديث النبي (صلى الله عليه وآله):  "من أحب عمل قوم حُشر معهم". الحب أو الرضا بعمل الفاسدين يجعل الإنسان شريكًا في العاقبة.

 

شيوع الظلم والانحراف:

الكفر وغياب العدل يؤديان إلى:

انتشار الظلم بجميع أشكاله.

شيوع الانحرافات الأخلاقية والاجتماعية.

انهيار القيم الإنسانية والسنن الإلهية.

في الأحاديث المقبلة، سنتناول تفاصيل هذه القضايا بشكل أعمق، لنسلط الضوء على أهمية التوحيد والعدل في بناء المجتمعات، وضرورة مواجهة الظلم والانحراف.

 

دور التوحيد والعدل في مواجهة الانحرافات ومكانة المرأة في الإسلام

أثر التخلي عن التوحيد والعدل:

التخلي عن التوحيد والعدل يؤدي إلى شيوع الانحرافات في شتى المجالات:

الأخلاقية.

الروحية.

الفكرية.

السياسية.

الاجتماعية.

التربوية.

 

معاداة الحق ومصالح الدنيا:

الأنبياء واجهوا معارضة من قومهم بسبب دعوتهم للعدل والإحسان، لأنها كانت تمس بمصالحهم الدنيوية. قريش، على سبيل المثال، اتهمت النبي محمد (صلى الله عليه وآله) بأنه أفسد شبابهم، بينما كان يدعوهم للعدل والحق. النبي أمر بالعدل والإحسان. قريش كانت تدافع عن الظلم وسيطرة القوي على الضعيف.

الإسلام وإعادة الحقوق:

مكانة المرأة في الإسلام:

الإسلام أعطى المرأة قيمتها الإنسانية والربانية.

قبل الإسلام، كانت المرأة تُعامل كسلعة، وتُوأد الفتيات.

 

الإسلام كرّم المرأة:

حفظ كرامتها من خلال الحجاب.

أعطاها شخصية متكاملة تحافظ على عفتها وقيمتها.

جعلها مركز المجتمع، فهي التي تربي الأجيال.

 

التخلي عن القيم الإسلامية:

التخلي عن الحجاب والعفة يُفقد المرأة قيمتها الحقيقية.

الإسلام يريد للمرأة أن تكون جوهرة ثمينة، بل أعظم من ذلك، لأنها أساس المجتمع.

 

دور المرأة في بناء المجتمع:

المرأة ليست نصف المجتمع فقط، بل هي:

كل المجتمع لأنها تُربي الأجيال.

إذا صلحت المرأة، صلح المجتمع، وإذا فسدت، فسد المجتمع.

 

دورها في التربية يشمل:

الجوانب الفكرية.

الجوانب الروحية.

الجوانب الأخلاقية.

الجوانب التربوية.

 

مسؤولية الأسرة تجاه تعليم المرأة:

على الآباء، الأمهات، والأزواج أن يدفعوا بناتهم وزوجاتهم نحو:

التعلم.

الوعي الفكري والثقافي والديني.

رفع المستوى الروحي والأخلاقي.

العلم والبصيرة ضروريان:

لا يمكن للأم أن تغذي أبناءها فكريًّا وروحيًّا إلا إذا كانت متعلمة وواعية.

التعلم يُمكّنها من رفع مستوى الأسرة على جميع الأصعدة.

 

التعلم مسؤولية شرعية:

التعليم ليس مجرد حاجة اجتماعية، بل قد يكون واجبًا شرعيًّا. قال الله تعالى: "قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة". "قفوهم إنهم مسؤولون".

الأب والأم مسؤولان أمام الله عن تربية أبنائهم وبناتهم.

 

بالنتيجة:

التوحيد والعدل هما الأساس الذي يمنع الانحرافات ويصلح المجتمعات.

المرأة لها دور مركزي في بناء المجتمع، ويجب أن تتلقى التعليم والثقافة لتؤدي دورها بفعالية.

المسؤولية تقع على الجميع لدفع المرأة نحو التعلم والتقدم، تحقيقًا للهدف الأسمى وهو بناء مجتمع صالح ومتوازن.

 

معاداة الصالحين وتشويه الرموز الإسلامية ودورها في تمزيق المجتمع

معاداة الصالحين وتشويه الرموز الدينية: عندما يكون النظام الحاكم غير قائم على التوحيد والعدل، تظهر معاداة الصالحين والتوجهات النبوية.

التركيز على تشويه شخصية النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ليس أمرًا جديدًا، بل هو محاولة قديمة لضرب الإسلام المحمدي الأصيل.

المحاولات لتشويه صورة النبي (صلى الله عليه وآله)، كما فعل سلمان رشدي وأتباعه، تستهدف إسقاط الأساس الروحي والأخلاقي للإسلام.

 

دفاع أهل البيت عن الإسلام المحمدي الأصيل:

السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) دافعت عن الحق والدين المحمدي الأصيل.

الإمام الحسن والإمام الحسين (عليهما السلام) صمدا في مواجهة الظلم والفساد.

الإمام زين العابدين (عليه السلام) استخدم منهجًا خاصًّا للدفاع عن الدين وحماية الإسلام.

الإمام الباقر والإمام الصادق (عليهما السلام) أسّسا جامعة إسلامية علمية عظيمة كانت منارة للعلم والفكر.

 

التأثير السلبي للكفر وعدم التوحيد والعدل:

عندما يكون الكفر والظلم هو الأساس، تتأثر:

الوحدة الداخلية للفرد والمجتمع.

بنية المجتمع التي تصبح هشة ومعرضة للتمزق.

قال تعالى: "فلا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم".

النزاع الداخلي يؤدي إلى الفشل والضعف.

الوحدة الالهية ضمن إطار التوحيد والعدل هي السبيل للتغلب على النزاعات والصراعات.

 

تحذير القرآن من عوامل الهدم:

القرآن الكريم حذر المسلمين من الوقوع في عوامل الهدم التي تؤدي إلى الفشل والانقسام.

هذه التحذيرات تشمل:

الصراعات الداخلية.

التخلي عن التوحيد والعدل.

الانحراف عن المنهج الإلهي.

 

التمسك بالثقلين:

رسول الله (صلى الله عليه وآله) أكد على أهمية التمسك بالثقلين:

كتاب الله.

عترة النبي (صلى الله عليه وآله).

قال (صلى الله عليه وآله): "إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وعترتي أهل بيتي".

 

اللهم ثبتنا على التوحيد والعدل واجعلنا من المتمسكين بكتابك وعترة نبيك (صلى الله عليه وآله) ووفقنا لاتباع منهج الحق والعدل في حياتنا، إنه سميع مجيب.

نسأل الله أن يكتب لنا الحياة والصحة لمواصلة الحديث عن عوامل الهدم والبناء في ضوء القرآن الكريم وروايات محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين).

اللهم عجّل لوليّك الفرج والنصر والعافية، واقضِ حوائجه فوق رغبته، وحوائجنا به يا كريم. وامنن علينا برضاه، وهب لنا رأفته ورحمته ودعاءه وخيره، ما ننال به سعةً من رحمتك وفوزًا عندك يا كريم.

اللهم عجّل فرج وليّك الإمام المهدي المنتظر، واجعلنا من خيرة شيعته وأنصاره وأوليائه، وأحبّائه وأودّائه، والمدافعين عنه وعن حرمه، والمقويّين لدولته وسلطانه، والمتمكنين فيها، والمستشهدين بين يديه وتحت لوائه.

اللهم فرّج به عنّا وعن جميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، في مشارق الأرض ومغاربها يا كريم. اللهم أرنا تلك الطلعة الرشيدة، واجعلنا ممن يحظى بأن يكون من جنده وأوليائه وأحبّائه يا رب العالمين.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واخذل الكفر والكفار والمنافقين. أيّد المؤمنين والمسلمين أينما كانوا، في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم أيّدهم بتأييدك، وسدّدهم بتسديدك، واحفظهم بحفظك، واحرسهم بحراستك. اللهم اشفِ مرضاهم، وداوِ جرحاهم، وارحم موتاهم.

اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وارحم موتانا وارحمنا أحياءً وأمواتًا. اللهم تقبّل منا هذا اليسير بأحسن القبول، واجعله خالصًا لوجهك الكريم، وانفعنا به يوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون.

بسم الله الرحمن الرحيم، "والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر". صدق الله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين. وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد