قرآنيات

البسملة

الشيخ محمد جواد مغنية

 

(بسم اللَّه الرحمن الرحيم) هذه الكلمة المقدسة شعار مختص بالمسلمين، يستفتحون بها أقوالهم وأعمالهم، وتأتي من حيث الدلالة على الإسلام بالمرتبة الثانية من كلمة الشهادتين: لا إله إلا اللَّه، محمد رسول اللَّه. أما غير المسلمين فيستفتحون باسمك اللهم، وباسمه تعالى، أو باسم المبدئ المعيد، أو باسم الأب والابن وروح القدس ونحو ذلك.

 

وتحذف الهمزة من لفظة (اسم) نطقًا وخطًّا في البسملة، وتكتب هكذا: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، لكثرة الاستعمال، وتحذف الهمزة نطقًا، لا خطًّا في غير البسملة، نحو سبح باسم ربك الأعلى، واقسم باسم اللَّه.

 

ولفظ الجلالة (اللَّه) علم للمعبود الحق الذي يوصف بجميع صفات الجلال والكمال، ولا يوصف به شيء.. وقيل: إن للَّه اسمًا هو الاسم الأعظم، وإن الذي يعرفه تفيض عليه الخيرات، وتقع على يده المعجزات.. ونحن نؤمن ونعتقد بأن كل اسم للَّه هو الاسم الأعظم، أي أنه عظيم، لأن التفضيل لا يصح إطلاقًا، لعدم وجود طرف ثان تسوغ معه المفاضلة... وبكلمة، إن المفاضلة تستدعي المشاركة وزيادة.. والذي ليس كمثله شيء لا يشاركه أحد في شيء.

 

والرحمن في الأصل وصف مشتق من الرحمة، ومعناها بالنسبة إليه تعالى الإحسان، وبالنسبة إلى غيره معناها رقة القلب، ثم شاع استعمال الرحمن في الذات القدسية، حتى صار من أسماء اللَّه الحسنى، قال تعالى: «قُلِ ادْعُوا اللَّهً أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْماءُ الْحُسْنى». وعلى هذا فلك أن تعرب لفظة الرحمن صفة للَّه بالنظر إلى الأصل، ولك أن تجعلها بدلًا بالنظر إلى النقل.

 

الرحيم أيضًا وصف مشتق من الرحمة، بمعنى الإحسان بالنسبة إليه جل وعز. وفرّق أكثر المفسرين، أو الكثير منهم، بين لفظة الرحمن، ولفظة الرحيم بأن الرحمن مشتق من الرحمة الشاملة للمؤمن والكافر، والرحيم من الرحمة الخاصة بالمؤم ، وفرعوا على ذلك أن تقول: يا رحمن الدنيا والآخرة، وأن تقول: يا رحيم الآخرة فقط دون الدنيا.. أما أنا فأقول: يا رحمن يا رحيم الدنيا والآخرة: «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ - الزخرف 32».

 

ومعنى «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » بجملة، إنك قد ابتدأت عملك مستعينًا باللَّه الذي وسعت رحمته كل شيء مسجّلًا على نفسك أن ما تفعله هو باسم اللَّه، لا باسمك أنت، ولا باسم أحد سواه، تمامًا كما يقول موظف الدولة للرعايا: باسم الدولة عليكم كذا وكذا.. وإن عملك الذي باشرت هو حلال لا شائبة فيه لما حرم اللَّه.. فإن كان حرامًا، وفعلته باسم اللَّه فقد عصيت مرتين في آن واحد، وفعل واحد: مرة لأنه حرام بذاته، ومرة لأنك كذبت في نسبته إلى اللَّه.. تعالى علوًّا كبيرًا.

 

والبسملة جزء من السورة عند الشيعة الإمامية.. وقد أوجبوا الجهر بها فيما يجب الجهر فيه بالقراءة، كصلاة الصبح، وأوليي المغرب والعشاء، ويستحب الجهر بها فيما يخافت فيه بالقراءة، كأوليي الظهر والعصر، ويجوز الإخفات.

 

وقال الحنفية والمالكية: يجوز ترك البسملة في الصلاة كلية، لأنها ليست جزءًا من السورة.. وقال الشافعية والحنابلة: بل هي جزء لا تترك بحال، سوى أن الحنابلة قالوا: يخفت بها إطلاقًا، وقال الشافعية: يجهر بها في الصبح، وأوليي العشاءين، وما عدا ذلك إخفات.. ويتفق قول الشافعية والحنابلة مع قول الإمامية.

 

وتجمل الإشارة إلى أن اسم اللَّه سبحانه وصفاته تتألف من هذه الروف ، وتلفظ وتكتب كغيرها من الكلمات، ومع هذا لها قدسية وأحكام خاصة بها، فلا يجوز أن يكتب شيء منها على ورق، أو غيره، أو بمداد، أو قلم نجس، وأيضًا لا يجوز مسّها إلّا للمطهرين.

 

وأفتى فقهاء الإمامية بكفر وارتداد «من ألقى المصحف عامدًا عالـمًا في القاذورات والقمامة، أو ضربه برجله، أو مزقه إهانة وإعراضًا، ونحو ذلك مما يدل على الاستهزاء بالشرع والشارع».

 

وقال قائل: إن سورة الفاتحة تضمنت جميع معاني القرآن دون استثناء، وإن البسملة تضمنت جميع معاني الفاتحة، وإن الباء من البسملة تضمنت جميع معاني البسملة، وبالتالي تكون الباء من بسم اللَّه الرحمن الرحيم فيها معاني القرآن بكامله. وهذا القائل أشبه بمن يحاول أن يدخل الكون بأرضه وسمائه في البيضة دون أن تكبر البيضة، أو يصغر الكون..

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد