
من كلام للإمام عليّ عليه السّلام في القدر ما ورد: أنّه جاء إليه رجل فقال: «يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر». فقال عليه السّلام: «بحر عميق فلا تلجه»... فقال: «يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر»، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: «أما إذا أبيت، فإنّي سائلك: أخبرني: أكانت رحمة اللّه للعباد قبل أعمال العباد، أم كانت أعمال العباد قبل رحمة اللّه ؟» قال: فقال له الرجل: «بل كانت رحمة اللّه للعباد قبل أعمال العباد». فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: «قوموا، فسلّموا على أخيكم فقد أسلم، وقد كان كافرًا». قال الراوي: وانطلق الرجل غير بعيد، ثمّ انصرف إليه، فقال له: «أبالمشيئة الأولى نقوم ونقعد يا أمير المؤمنين، ونقبض ونبسط؟».
فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: «وإنّك لبعد في المشيّة؟ أما إنّي سائلك عن ثلاث، لا يجعل اللّه لك في شيء منها مخرجًا.. أخبرني: أخلق اللّه العباد كما شاء أو كما شاؤوا؟ فقال: «كما شاء». قال عليه السّلام: «فخلق اللّه العباد لما شاء أو لما شاؤوا؟»، فقال: «لما شاء». فقال عليه السّلام: «يأتونه يوم القيامة كما شاء أو كما شاؤوا؟»، قال: «كما شاء»، فقال عليه السّلام: «قم، فليس إليك من المشية شيء» «1».
فمسألة ثبوت القدر معناها أنّ للّه تعالى تأثيرًا في الأفعال، بحسب ما يليق بساحة عزّه تعالى. ونلاحظ أنّه عليه السّلام قد بنى هذه المسألة على مسألة أنّ للصفات الفعليّة في الجملة أصلاً في الصفات الذاتيّة، وارتباطًا بالذا . وإذا كانت الصفات الفعليّة مرتبطة بالأفعال، فيثبت بعد هذا أنّ الأفعال كسائر الحوادث الأخرى، مقدّرة بتقديره تعالى، غير منقطعة عنه «وهذا بخلاف ما يقوله المفوّضة من انقطاعها عنه تعالى».
فالذي يقضي به البحث والدراسة في صفاته تعالى الفعليّة، كالرضا والغضب، والرأفة، والإحياء، والإماتة، والرازقيّة، والهداية، ونحو ذلك.. هو أنّها لا تتّصف بها الذات اتّصافًا حقيقيًّا - على حدّ اتّصافها بالعلم والقدرة - وذلك لأنّها حادثة بحدوث متعلّقها، وهو زيد مثلاً، المرحوم المرزوق المهدي.. وهكذا.. وعليه فحقيقة هذه الصفات، الرضا والسخط.. الخ.. هي أنّها نسب يعطيها حال المتعلّق إذا قيس إلى الواجب تعالى؛ فزيد مثلاً من حيث حصوله على ما يحفظ به بقاء ذاته من الغذاء ونحوه، يكون حاله شبيهًا بحال من يرتزق برزق من رازق، وبهذه الوسيلة صحّ أن يقال للغذاء ونحوه أنّه: رزق من اللّه، ولزيد أنّه مرزوق، وللواجب تعالى أنّه رازق، وعلى هذا القياس..
وعليه.. فالصفات المسمّاة بالصفات الفعليّة أمور زائدة على الذات الإلهيّة المقدّسة، ترجع حقيقتها إلى ما يسمّى في علم البيان بــ «الاستعارة التمثيليّة».
ولكنّنا إذا تعمّقنا في الدراسة والبحث في التوحيد نصل إلى حقيقة أعمق وأدقّ من ذلك، وهي: أنّ الوجود بجميع شؤونه، وكافّة النسب والمعاني المترتّبة عليه يرجع إليه تعالى على نحو يليق بساحة عزّه وقدسه.
فهذه الصفات الفعليّة وإن كانت نسبًا حادثة أساسها نوع من المجاز، إلّا أنّ لها نوعَ قيام، واتّصال به تعالى على نحو الحقيقة.. وإن قصر بياننا أو فكرنا عن تصويره، وكشف حقيقته وهويّته، فهي كما أنّها تتعلّق بالأشياء في الظاهر، وترتبط تلك الأشياء أيضا بها، ومنها أفعال الإنسان، لها نوع تعلّق وارتباط باللّه سبحانه، على نحو يليق بساحته، وإن كان البيان عاجزًا عن إيضاح ذلك كلّ الايضاح.. فقوله عليه السّلام:
«أخبرني أكانت رحمة اللّه للعباد قبل أعمال العباد، أم كانت أعمال العباد قبل رحمة اللّه؟» استدلال على تعلّق القدر بأفعال العباد، بتقدّم رحمته تعالى على أعمالهم؛ إذ أنّ ذوق التوحيد يأبى أن يقال: «إذا رحم اللّه عبدًا، فغفر له ذنبه» إنّ رحمته تعالى حدثت بحدوث الفعل، أو بعد الفعل، كما ويأبى أن يقال: إنّ قولنا رحم اللّه زيدًا فرزقه ما يحفظ به بقاءه من الغذاء ونحوه مثلاً.. معناه: «أكل زيد»، وهكذا..
وفي قوله عليه السّلام: «أخبرني أخلق اللّه العباد كما شاء أو كما شاؤوا؟» استدلال على ثبوت القدر.. بأنّ اللّه سبحانه إنّما خلق عن إرادة منه، متقدّمة عليهم، ومتعلّقة بجميع شؤون وجودهم، ومنها أفعالهم، وليس بغافل عمّا يعملون «2».
وليس بمغلوب في إرادته تلك، ولن يستقلّ العباد في إرادتهم ومشيئتهم واختيارهم، وعدم استقلالهم هذا لا يعني إبطال تأثيرهم؛ فاللّه سبحانه أراد منهم أن يختاروا «كذا» باختيارهم (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ) «3»...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التوحيد : 355 - 356 ، باب القضاء والقدر والفتنة ، الحديث 3 . بحار الأنوار : 5 / 110 ، أبواب العدل - باب 3 : القضاء والقدر والمشية والإرادة ، الحديث 35 .
(2) اقتباس من سورة الأنعام : الآية 123 .
(3) سورة الإنسان : الآية 30 .
معنى (نضد) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
الكلمات في القرآن الكريم
الشيخ جعفر السبحاني
الصورة والفاعلية التواصلية
أثير السادة
لمحات من عالم البرزخ
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
بماذا كان يدين النّبيّ (ص) قبل البعثة؟
السيد جعفر مرتضى
حياتنـا كما يرسمها الدين
السيد علي عباس الموسوي
اتجاهات التفسير في المكي والمدني
الشيخ محمد علي التسخيري
الألفاظ الدالة على الأصوات في القرآن الكريم
الدكتور محمد حسين علي الصغير
كيف تنمو دوافع الخير والكمال في أبنائنا؟
السيد عباس نور الدين
ضرر قاعدة مناقشة الخلافات الزوجية والطرفان غاضبان أكثر من نفعها!
عدنان الحاجي
السيّدة المعصومة: ملتقى الجمال والجلال
حسين حسن آل جامع
على غالق
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
معنى (نضد) في القرآن الكريم
الكلمات في القرآن الكريم
الصورة والفاعلية التواصلية
لمحات من عالم البرزخ
ثلاثة كتب جديدة للدكتور علي الدرورة
(أفياء شعريّة) أمسية لفاضل الجابر في نادي صوت المجاز الأدبيّ
بماذا كان يدين النّبيّ (ص) قبل البعثة؟
حياتنـا كما يرسمها الدين
اتجاهات التفسير في المكي والمدني
الألفاظ الدالة على الأصوات في القرآن الكريم