
ترجمة عدنان أحمد الحاجي
اللعب جانب مهم وأساسي في حياة أي طفل. لكن الألعاب واللعب أكثر بكثير من مجرد إشغال وقت الطفل، بل لهما دور محوري في كامل نموهم البدني والذهني. من خلال التفاعلات المرحة مع الأمهات والآباء، يبدأ الأطفال بتطوير مهارات الوظائف التنفيذية الأساسية، مثل الانتباه والذاكرة وضبط النفس. مع تقدم الأطفال في السن، تزداد أهمية اللعب غير المنظم [اللعب كما يحلو للطفل والذي لا يلتزم بقواعد أو قوانين معينة] وإشغال وقت الفراغ، خاصةً مع بدء الالتزامات الأخرى، مثل عمل الواجبات المنزلية وممارسة الأنشطة الرياضية وأنشطة النادي الأخرى في ملء جداولهم اليومية.
إيجاد فرص للعب في كل مرحلة عمرية يساعد الأطفال على استكشاف الحياة ومكانتهم فيها وتنمية استقلاليتهم وثقتهم بالنفس واتخاذ القرارات الصائبة ومواجهة التحديات وتعلم القواعد الاجتماعية، وتطوير المهارات اللازمة للنمو والنجاح التي يحتاجونها في مرحلة الرشد. وهذا يحتم على أولياء الأمور تشجيع أطفالهم على ممارسة اللعب الهادف والمثمر، الذي يُحقق هدفًا إيجابيًّا أو يُفيد نمو الطفل ويُساعده على تحسين التنسيق الحركي وقدراته الحركية، كما يساعده على ضبط النفس وتطوير مهارات التفكير والإبداع والخيال وحل المشكلات، ويعلمه أساليب التواصل مع الآخرين والتعامل معهم. ومن أمثلة اللعب المثمر، استخدام المكعبات لبناء أشكل هندسية، أو ممارسة ألعاب رياضية مع الأقران، أو الرسم، ذلك لأن الأطفال يتعلمون أثناء اللعب.
مؤخرًا، شارك مركز تنمية الطفل (CDC) عدة استراتيجيات لمساعدة أولياء الأمور على دعم نمو دماغ الأطفال (الوظائف الإدراكية من التعلم والذاكرة وضبط النفس والصمود النفسي والقدرة على التعلم) من خلال اللعب (1). مجموعة الألعاب هذه طُورت بدعم من مؤسسة ليغو (2)، وهي تُقدّم أفكارًا لألعاب وأنشطة قائمة على اللعب مُصمّمة خصيصًا لمختلف الفئات العمرية، بدءًا من الأطفال بعمر ستة أشهر وحتى المراهقين (13 و17 سنة).
في كل مرحلة عمرية، هناك فرص خاصة لأولياء الأمور لتوجيه الأطفال نحو أنواع الألعاب التي تساعدهم على النمو بدنيًّا، وذهنيًّا، واجتماعيًّا، وعاطفيًّا. دعم الأطفال وتحفيزهم على المشاركة في أنواع مختلفة من اللعب الذي يناسب سنّهم ومراحل نموهم. هذا لا يعني مجرد السماح للأطفال باللعب أيًّا كان نوع اللعب بشكل عشوائي، بل مساعدتهم على استكشاف أشكال مختلفة من اللعب، مثل، الألعاب البدنية والإبداعية (الرسم، والبناء بالمكعبات والألعاب التخيلية) والألعاب الاجتماعية والتعاونية مع الأصدقاء وحل الألغاز وتقمص الأدوار.
صُمّم دليل "بناء الدماغ من خلال اللعب" ليكون موردًا قيّمًا لأولياء الأمور الذين يرغبون في تعزيز تعلم أطفالهم من خلال اللعب. فيما يلي أبرز ما يميز كل فئة عمرية، كما هو موضح في موارد مركز تنمية الطفل (CDC):
ألعاب الأطفال الرضع في سن ستة أشهر (3)
الألعاب البسيطة مثل "الـ بيكابو أو الغُميضة (4)!" ونشيدة" اخبز لي كعكة ياخباز (5)" تُساعد الأطفال على ممارسة مهارات أساسية مثل ضبط النفس والمهارات الحركية. كما تُعدّ ألعاب الإخفاء - مثل وضع شيء ما تحت قطعة قماش أو في صندوق والطلب من الطفل العثور عليه - من أشكال اللعب القيّمة. يُشدد الدليل الإرشادي لمركز تنمية الطفل على أهمية أن يلبي الوالدان رغبات الطفل، وذلك باختيار الألعاب التي يُبدي اهتمامًا بها والسماح له بتحديد مدة اللعب التي يرغب فيها ومتى يرغب في الانتقال إلى شيء آخر.
ألعاب الأطفال في سن التسعة أشهر (6)
يُساعد اللعب الطفل في سن التسعة أشهر على تطوير بنية الدماغ، وغالبًا ما يكون تقليد أبويه أساسيًّا في الألعاب التي يوصي بها مركز تنمية الطفل. في لعبة "الطفل يرى، الطفل يفعل!"، يقوم أحد الوالدين بإيماءات بسيطة للطفل ويدعوه لتقليد أفعاله، بينما في لعبة "أين الشيء الفلاني؟"، يقوم أحد الوالدين بإخفاء شيء يُصدر صوتًا ويطلب من الطفل البحث عنه. تُعلّم الألعاب التي تتضمن التقليد والإخفاء الأطفال تركيز الانتباه، وتوظيف الذاكرة العاملة (معالجة المعلومات وحفظها لمدة قصيرة)، وممارسة مهارة ضبط النفس البسيطة.
ألعاب الأطفال الدارجين في سن 12 شهرًا (7)
يقترح مركز تنمية الطفل بتحويل الرغبة الطبيعية للأطفال الدارجين لوضع الأشياء في حاوية ثم إخراجها منها إلى لعبة مفيدة ونافعة. تعرف بلعبة "الملء والتفريغ". ينبغي على أولياء الأمور تزويد الأطفال الدارجين بأنواع مختلفة من الحاويات - جفان الخلط، والصناديق، والسلال - وأشياء آمنة، مثل الألعاب والجوارب (والتي تستخدم عادة لحشوها بأشياء أو إلباسها في أطراف دمية من الدمى)، لملء هذه الحاويات. على أولياء الأمور تشجيع الطفل على جانب "الملء" من اللعبة فقط حتى يترك للطفل فرصة بعد تفريغها أن يعيد تلك الألعاب إلى مكانها المعين، وبذلك ينظف المكان منها ويساعده في الوقت نفسه ذلك على تطوير قدراته الحركية من خلال استخدام يديه وأصابعه والتنسيق بين حركاتها بشكل أفضل (المهارات الحركية)، كما تساعده على تعلم التعليمات البسيطة في كيف ينظم الأشياء بعد بعثرتها. بعبارة أخرى، يشجع أولياء الأمور أطفالهم على ممارسة الألعاب التي يحبونها، وفي الوقت نفسه يتعلمون منها ما ذكر أعلاه.
ألعاب الأطفال في سن 18 شهرًا
يبدأ الأطفال في هذا السن بتعلم طريقة مطابقة الأشياء وتصنيفها حسب اللون والشكل. بإمكان أولياء أمورهم اقتراح لعبة مطابقة أشكال الأشياء و/أو مطابقة ألوانها، وذلك باستخدام الورق الملون، أو مجموعات متطابقة الشكل واللون أو النوع من الألعاب الأخرى.
ألعاب الذاكرة، مثل لعبة الإخفاء أو لعبة أين الشيء الفلاني، أو لعبة أناشيد (مثل، نشيد "عجلات الحافلة") وتكرارها تساعد الدماغ على التعلم والتذكر والتركيز وتمييز الأنماط (بحسب الأشكال والألوان) وتقليد الحركات.
ألعاب الأطفال الصغار من سن سنتين إلى ثلاث سنوات (8)
يتعلم الأطفال في المرحلة العمرية بين سنتين وثلاث سنوات أشياء كثيرة من خلال الحركة والتقليد. الأناشيد التي تنطوي على حركات، مثل "أنا إبريق شاي صغير" تساعدهم على تحسين نشاطهم البدني وتُنمّي مهارات الذاكرة وتذكر بما يجب فعله في الخطوة أو الخطوات التالية. كما تعلمهم هذه الأناشيد كيف يبدأون ويتوقفون ويسيرون بسرعة أو ببطء، مما يساعدهم على التحكم في أنفسهم وضبط اندفاعاتهم.
تُتيح ألعاب التقليد والمحاكاة مثل "اتبع القائد [اصطفاف الأطفال حول طفل يعتبرونه قائدًا عليهم اتباع حركاته]" لأولياء الأمور امكانية جعل الأطفال يمارسونها بأنفسهم، وهي تُعدّ اختبارًا رائعًا لذاكرتهم العاملة ومدى انتباههم وضبطهم للنفس. الدليل الإرشادي أيضًا يحث أولياء الأمور على ترك الأطفال يتحكمون في اللعب بأنفسهم وضبط وتيرته قدر الإمكان، مكتفين فقط بإشارات أو تلميحات من أطفالهم لمعرفة متى يرغبون في البدء أو التوقف، أو الانتقال إلى نشاط آخر.
ألعاب الأطفال من سن 4 إلى 7 سنوات (9)
أنشطة الأطفال، مثل "الحركة والتوقف (على صوت أو إشارة)" ولعبة "سايمون يقول" [لعبة بين أطفال يقوم إحد اللاعبين بدور سايمون ويصدر الأوامر لبقية اللاعبين وعليهم إطاعة أمره بمجرد أن يشير بهذه العبارة "سايمون يقول" (10)" و"أنا أتجسس" [لعبة تخمين يختار فيها أحد اللاعبين شيئًا في مرمى البصر ويقول للآخرين أنا أرى بعيني الصغيرة، شيئًا الحرف الأول منه كذا. في محاولة لجعل اللاعبين يخمنون ماهية ذلك الشيء (11)]"، تُعد أنشطةً كلاسيكيةً لسبب وجيه: فهي ألعاب بسيطة يُمكن للأطفال في هذا المرحلة العمرية تعلّمها بسرعة لتساعدهم على الاستمرار في تطوير وظائفهم التنفيذية، وتنظيم أنفسهم وضبطها، وعلى تحسين مهاراتهم البدنية على الوتيرة التي يرغبون فيها. باستمرار تطور ونموّ الأطفال، تُفيد إرشادات المركز بأن عليهم ممارسة الاستقلالية من خلال إدارة ألعابهم الخاصة مع الأصدقاء والأقران، لا يحتاج أولياء الأمور إلى التدخل إلّا من حين لآخر للمساعدة أو لحل الخلافات.
ألعاب الأطفال من 8 إلى 12 سنة (12)
يتطور لعب الأطفال بطرق معقدة ومليئة بالتحديات والصعوبات، وتصبح أكثر تشويقًا وتحديًا مع تقدمهم في السن. ألعاب، مثل الكلمات المتقاطعة، والسودوكو، والبحث عن الكلمات، والمتاهات هي ألغاز ذهنية ممتعة تُحفز وتستفز التفكير لدى الأطفال في هذه المرحلة العمرية. ألعاب استراتيجية مثل "غو (Go) [لعبة لوحية بين لاعبين يتبادلان وضع أحجار من لونين على لوح مكون من مربعات (13)]" و"لعبة حرب السفن (14)" ولعبة "كلودو (15)" تساعد الأطفال على بناء مهارات الذاكرة أثناء تفكيرهم في تحركاتهم التالية، وتطوير مرونتهم الذهنية في مواجهة الخصوم. كما تُعزز ألعاب الفانتازيا مثل "ماين كرافت (16)" و"سجون وتنانين (17)" هذه المهارات، مما يُطلق العنان لخيالهم.
ينبغي لأولياء الأمور تشجيع أطفالهم على التركيز على الاستمتاع وتعلم أشياء جديدة، لا التركيز على الفوز والخسارة، كما ينبغي لهم أيضًا مُلاحظة ما يُجيده كل طفل وما يستمتع به مع ظهور اهتماماته ومواهبه واكتشافه لها، والتي تتطور بممارساتهم وتجاربهم أشياء جديدة مع تقدمهم في السن.
ألعاب المراهقين بين 13 إلى 17 سنة (18)
مع نمو المراهقين، غالبًا ما تصبح حياتهم أكثر انشغالًا، فالمدرسة والأصدقاء والهوايات والمسؤوليات تتراكم عليهم. ورغم سنهم، يبقى اللعب بالغ الأهمية بالنسبة لهم، ويساعدهم في بناء الوظائف التنفيذية (ذاكرة وتعلم وانتباه وتركيز وإدراك واتخاذ قرارات صائبة، وهدوء، وتفكير مرن)، وضبط نفس، وتكيف وتحكم في السلوك الاندفاعي. ومن الأنشطة المقترحة المشاركة في ممارسة مباريات رياضية منظمة - والتي تحقق عددًا من التطورات والتغيرات الإيجابية والشعور بالانتماء إلى المجتمع.
كما يُعدّ وقت اللعب غير المنظم [مجرد التسلية دون قواعد وقوانين وقضاء وقت الفراغ مهمان لتجنب التوتر أو الإرهاق في هذه السن] والراحة ضروريين لتحقيق التوازن الصحي. حتى ممارسة القليل من ألعاب الفيديو لها فوائدها وفقًا لدراسة (19)، حيث تساعد الألعاب المراهقين على التركيز، وتنظيم الاستجابة للمواقف والحالات المتغيرة، وضبط وتيرة ردة فعلهم وضبط اندفاعاتهم خلال هذه اللحظات المشوقة والمثيرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- https://developingchild.harvard.edu
2- https://developingchild.harvard.edu/resources/handouts-tools/brainbuildingthroughplay/
4- "لعبة الـ بيكابو Peekaboo هي شكل من من أشكال اللعب مع الأطفال الرضع حيث يخفي أحد اللاعبين وجهه ، ويبرزه فجأة مرة أخرى في وجهه الطفل، ويقول بيكابو! ، ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: http://https://en.wikipedia.org/wiki/Peekaboo
10- https://en.wikipedia.org/wiki/Simon_Says
11- https://ar.wikipedia.org/wiki/آي_سباي
13- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/غو
14- https://ar.wikipedia.org/wiki/حرب_السفن_(لعبة)
15- https://ar.wikipedia.org/wiki/كلودو
16- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/ماينكرافت
17- https://ar.wikipedia.org/wiki/سجون_وتنانين
المصدر الرئيس
لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ
الفيض الكاشاني
التعلم القائم على اللعب: طرق مُثبتة لتعزيز نمو دماغ الطفل وتطوّر إدراكه وشحذ ذكائه
عدنان الحاجي
مناجاة الزاهدين: زهد أحباب الله (1)
الشيخ محمد مصباح يزدي
في رحاب بقية الله: العدالة المهدويّة ترسم المستقبل
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ
الشيخ محمد جواد مغنية
في رحاب بقية الله: ليمكّننّ له الدين
الشيخ معين دقيق العاملي
معنى (قضى) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
النّفاق والتّظاهر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حياتنا بين البخل والترف
الشيخ حسين مظاهري
التمهيد إلى ميتافيزيقا إسلاميّة بَعديّة (4)
محمود حيدر
أم البنين .. رواية من وجع الطف
حسين حسن آل جامع
واشٍ في صورة حفيد
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ
التعلم القائم على اللعب: طرق مُثبتة لتعزيز نمو دماغ الطفل وتطوّر إدراكه وشحذ ذكائه
زكي السّالم: (ديوانك الشّعريّ بين النّطورة والدّندرة والطّنقرة)
أم البنين .. رواية من وجع الطف
مناجاة الزاهدين: زهد أحباب الله (1)
في رحاب بقية الله: العدالة المهدويّة ترسم المستقبل
ستّ طرق لاستخدام القلق كمصدر للنّمو
سبيل غلبة العقل على النفس
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ
أهميّة المداراة وخطورة المداهنة