علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

مفهوم العبادة وحدّها

بالرغم من عناية اللغويين والمفسرين بتفسير لفظ العبادة وتبيينها، لكن لا تجد في كلماتهم ما يشفي الغليل، وذلك لأنهم فسروه بأعم المعاني وأوسعها وليس مرادفًا للعبادة طردًا وعكسًا.

 

1 - قال الراغب في المفردات: "العبودية: إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها، لأنها غاية التذلل، ولا يستحق إلا من له غاية الإفضال وهو الله تعالى ولهذا قال: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه...}".

 

2 - قال ابن منظور في لسان العرب: "أصل العبودية: الخضوع والتذلل".

 

3 - قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط: "العبادة: الطاعة".

 

4 - قال ابن فارس في المقاييس: "العبد: الذي هو أصل العبادة، له أصلان متضادان، والأول من ذينك الأصلين، يدل على لين وذل، والآخر على شدة وغلظ".

 

هذه أقوال أصحاب المعاجم ولا تشذ عنها أقوال أصحاب التفاسير وهم يفسرونه بنفس ما فسر به أهل اللغة، غير مكترثين بأن تفسيرهم، تفسير لها بالمعنى الأعم.

 

1 - قال الطبري في تفسير قوله: {إياك نعبد} اللهم لك نخشع ونذل ونستكين إقرارًا لك يا ربنا بالربوبية لا لغيرك. إن العبودية عند جميع العرب أصلها الذلة وإنها تسمي الطريق المذلل الذي قد وطئته الأقدام وذللته السابلة معبدًا، ومن ذلك قيل للبعير المذلل بالركوب للحوائج: معبد، ومنه سمي العبد عبدًا، لذلته لمولاه (1).

 

2 - قال الزجاج: معنى العبادة: الطاعة مع الخضوع، يقال: هذا طريق معبد إذا كان مذللًا لكثرة الوطء، وبعير معبد إذا كان مطليًّا بالقطران، فمعنى {إياك نعبد}: إياك نطيع، الطاعة التي نخضع منها (2).

 

3 - وقال الزمخشري: العبادة: أقصى غاية الخضوع والتذلل، ومنه ثوب ذو عبدة، أي في غاية الصفاقة، وقوة النسج، ولذلك لم تستعمل إلا في الخضوع لله تعالى لأنه مولى أعظم النعم فكان حقيقًا بأقصى غاية الخضوع (3).

 

4 - قال البغوي: العبادة: الطاعة مع التذلل والخضوع وسمي العبد عبدًا لذلته وانقياده يقال: طريق معبد، أي مذلل (4).

 

5 - قال ابن الجوزي: المراد بهذه العبادة ثلاثة أقوال:

 

أ - بمعنى التوحيد {إياك نعبد} عن علي وابن عباس.

 

ب - بمعنى الطاعة كقوله تعالى {لا تعبد الشيطان} (5).

 

ج - بمعنى الدعاء (6).

 

6 - قال البيضاوي: العبادة أقصى غاية الخضوع والتذلل، ومنه الطريق المعبد، أي مذلل، وثوب ذو عبدة، إذا كان في غاية الصفاقة، ولذلك لا تستعمل إلا في الخضوع لله تعالى (7).

 

وإن تفسير العبادة بغاية الخضوع ربما يكون تفسيرًا بالأخص، إذ لا تشترط في صدقها غاية الخضوع، ولذلك يعد الخضوع المتعارف الذي يقوم به أبناء الدنيا أمام الله سبحانه عبادة، وإن لم يكن بصورة غاية التعظيم، وربما يكون تفسيرًا بالأعم، فإن خضوع العاشق لمعشوقه ربما يبلغ نهايته ولا يكون عبادة.

 

7 - وقال القرطبي: {نعبد}، معناه نطيع، والعبادة: الطاعة والتذلل، وطريق معبد إذا كان مذللًا للسالكين (8).

 

8 - وقال الرازي: العبادة عبارة عن الفعل الذي يؤتى به لغرض تعظيم الغير، وهو مأخوذ من قولهم: طريق معبد (9). وإذا قصرنا النظر في تفسير العبادة، على هذه التعاريف وقلنا بأنها تعاريف تامة جامعة للأفراد ومانعة للأغيار، لزم رمي الأنبياء والمرسلين، والشهداء والصديقين بالشرك، وأنهم - نستعيذ بالله - لم يتخلصوا من مصائد الشرك، ولزم ألا يصح تسجيل أحد من الناس في قائمة الموحدين. وذلك لأن هذه التعاريف تفسر العبادة بأنها:

 

1 - إظهار التذلل.

 

2 - إظهار الخضوع.

 

3 - الطاعة والخشوع والخضوع.

 

4 - أقصى غاية الخضوع .

 

وليس على أديم الأرض من لا يتذلل أو لا يخشع ولا يخضع لغير الله سبحانه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تفسير الطبري 1 : 53 ، ط دار المعرفة ، بيروت.

(2) معاني القرآن 1 : 48.

(3) الكشاف 1 : 10.

(4) تفسير البغوي 1 : 42.

(5) سورة مريم : 44.

(6) زاد المستنير 1 : 12.

(7) أنوار التنزيل 1 : 9.

(8) جامع أحكام القرآن 1 : 145.

(9) مفاتيح الغيب 1 : 242 ، في تفسير قوله تعالى:  (إياك نعبد).

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد