الذهنية الحصرية للحقيقة
المسألة الأكثر استدعاءً للنقاش في هذا الموضع، تتمثّل في التأسيس الميتافيزيقيّ لاستعلاء الفكر الحداثيّ حيال الغير، فقد كان للتنظير الفلسفيّ في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر مفعولًا حاسمًا في ترسيخ ثقافة الإقصاء وعدم الاعتراف بما قدّمته الحضارات غير الغربيّة من معارف. وعلى سبيل التبيين، ثمّة من المؤرّخين من يعزو اختفاء أثر فلسفة آسيا وأفريقيا من صرح الفلسفة الغربيّة إلى تضافر عاملين:
العامل الأوّل: الذهنيّة الحصريّة لبعض مدوِّني الفلسفة لـمَّا عمدوا إلى تظهير الفلسفة كخطٍّ ينتهي امتداده عند نقد المثاليّة الكانطيّة للميتافيزيقا.
العامل الثاني: التفكير الاستعلائيّ لدى مفكّري أوروبا وفلاسفتها الذين حصروا الفلسفة بالعرق الأبيض. ومما ينبغي أن يُذكر في هذا المنفسح، ما انبرى إليه إيمانويل كانط حين قارَبَ مسألة الأعراق بتراتبيّةٍ هي أشبه بالطريقة التي قُوربت فيها كائنات الطبيعة، فلقد صنّف كانط المجموعات البشريّة وفق مراتبَ وصفاتٍ يمكن إجمالها كالآتي:
ـ في المرتبة الأولى، يتّصف العرق الأبيض حسب كانط بجميع المواهب والإمكانيّات.
ـ في المرتبة الثانية: يتّصف الهنود بدرجةٍ عاليةٍ من الطمأنينة والقدرة على التفلسف، وهم مفعمون بمشاعر الحبّ والكراهية، ولديهم قابليّةٌ عاليةٌ للتعلم. وأمّا طريقة تفكير الهنديّ والصينيّ، فإنّها تتّسم بحسب كانط بالجمود على الموروث، وتفتقد القدرة على التجديد والتطوير.
ـ في المرتبة الثالثة: يتّصف الزنوج بالحيويّة والقوّة والشغف للحياة والتفاخر، إلّا أّنهم عاجزون عن التعلّم رغم أنّهم يحوزون على قابليّة التدريب والتلقين.
ـ في المرتبة الرابعة والأخيرة: يأتي سكّان أميركا الأصليّون (الهنود الحمر)، وهؤلاء غير قادرين على التعلّم ولا يتّسمون بالشغف، وهم ضعفاء حتى في البيان والكلام.
هذا هو رأي كانط الذي يُعتبر بداهةً من بين أشهر أربعة أو خمسة فلاسفة في تاريخ الغرب الحديث. سوى أنّ الأمر لم يقتصر عليه أو على من وافقوه على مدرسته من بعد، بل ثمّة من يؤيّد هذا الرأي من المعاصرين الذين يجهرون بعدم وجود فلسفةٍ غير غربيّةٍ، وأنّ الموروث الفكريّ لتلك الشعوب إنّما هو محض صدفةٍ تاريخيّة.
لقد شكّلت الذهنيّة الإقصائيّة إحدى أبرز الظواهر التي أنتجها جوهر الغرب الحديث، فلو اتخذنا مسارًا تفكيريًّا مفارقًا للتقليد في النظر إلى الحداثة بأحقابها المختلفة، ربما لَظَهر لنا بيسر ما يمكن أن ننعته بالذهنيّة الإقصائيّة. فلقد شكّلت هذه الذهنيّة علامات فارقة لمجمل أزمنة الحداثة وما بعدها، بل ثمّة من يذهب أبعد من ذلك ليرى أنّ ذهنيّة الإقصاء لم تكن حالة عارضة، وإنّما تجد مرجعيّتها في القاع العميق لفلسفة التنوير. ولو كان من استدلالٍ أوّليٍّ على هذا المدّعى لتيسّر لنا ذلك في ما درج عليه عدد من الروّاد المؤسِّسين.
فقد انبرى جمعٌ من فلاسفة وعلماء الطبيعة في القرن الثامن عشر من كارل فون لينيه (kARL VON LINNE) إلى هيغل (HEGEL)، وإلى من تلاهما من فلاسفة ومفكِّري الحداثة الفائضة، ليضعوا تصنيفًا هَرَميًّا للجماعات البشريّة، على مبدأ الأرقى والأدنى وجدليّة السيّد والعبد، الشيء الذي كان له عظيم الأثر في تحويل نظريّة النشوء والارتقاء الداروينيّة -على سبيل المثال- إلى فلسفةٍ سياسيّةٍ عنصريّةٍ في الأزمنة المعاصرة. أمّا أحد أكثر التصنيفات حدّةً للمجتمعات غير الغربيّة، فهي تلك التي تزامنت مع نموّ الإمبرياليّات العابرة للحدود وتمدُّدها نحو الشرق، وتحديدًا باتجاه الجغرافيّات العربيّة والإسلاميّة.
من تمظهرات هذا التمدّد على وجه الخصوص، ملحمة الاستشراق التي سرت كترجمةٍ صارخةٍ لغيريّةٍ إنكاريّة لم تشأ أن ترى إلى كلّ آخرَ حضاريٍّ إلّا بوصفه كائنًا مشوبًا بالنقص؛ لهذا ليس غريبًا أن تتحوّل هذه الغيريّة الإنكاريّة إلى عقدة “نفسٍ حضاريّةٍ” صار شفاؤها أدنى إلى مستحيل. وما جعل الحال على هذه الدرجة من الاستعصاء أنّ العقل الذي أنتج معارف الغرب ومفاهيمه، كان يعمل في أكثر وقته على خطٍّ موازٍ مع السلطة الكولونياليّة، ليعيدا معًا إنتاج أيديولوجيا كونيّة تنفي الآخر وتستعلي عليه.
فلقد تكوَّنت رؤية الغرب للغير على النظر إلى كلّ تنوّعٍ حضاريٍّ باعتباره اختلافًا جوهريًّا مع ذاته الحضاريّة، ولم تكن التجربة الاستعماريّة المديدة في الجغرافيا العربيّة والإسلاميّة سوى حاصل رؤيةٍ فلسفيّةٍ تمجّد ذاتها وتحتقر ذات الغير. من أجل ذلك سنلاحظ كيف أنشأ فلاسفة الحداثة وعلماؤها أساسًا علميًّا معرفيًّا لشرعنة الهيمنة على الغير، بذريعة تمدينه وتحديثه.
من هذا المحلّ بالذات ستساهم غيريّة الحداثة في توطيد الأساس المعرفيّ والثقافيّ لفلسفة الإنكار التي توغّلت عميقًا في الحقلين الأنطولوجيّ والتاريخيّ لثقافة الحداثة، الأمر الذي أفضى إلى تحويل الغرب الحديث إلى حضارةٍ إمبرياليّةٍ شديدة الوطأة على العالم كلّه. فلقد عُدَّتِ الحداثة الغربيّة في المخطط الأساسيّ للتاريخ وفي الأيديولوجيّات الحديثة، وحتى في معظم فلسفاتِ التاريخ بوصفها الحضارة الأخيرة والمطلقة، أي تلك التي يجب أن تعمّ العالم كلّه، وأنْ يدخلَ فيها البشر جميعًا.
في فلسفة القرن التاسع عشر يوجد من الشواهد ما يعرب عن الكثير من الشك بحقّانيّة الحداثة ومشروعيّتها الحضاريّة. لكنّ هذه الشواهد ظلّت غير مرئيّةٍ بسبب من حجبها أو احتجابها في أقلّ تقديرٍ؛ ولذلك فهي لم تترك أثرًا في عجلة التاريخ الأوروبيّ، فلقد بدا من صريح الصورة أنّ التساؤلات النقديّة التي أُنجزت في النصف الأوّل من القرن العشرين، وعلى الرغم من أنّها شكّكت في مطلقيّة الحضارة الغربيّة وديمومتها، إلّا أنّها خلَت على الإجمال من أيّ إشارةٍ إلى الحضارات الأخرى المنافسة للحضارة الغربيّة. حتى إنّ توينبي وشبنغلر حين أعلنا عن اقتراب أجلِ التاريخ الغربيّ وموته، لم يتكلّما عن حضارةٍ أو حضاراتٍ في مواجهة الحداثة الغربيّة، ولم يكن بإمكانهما بحث موضوع الموجود الحضاريّ الآخر. ففي نظرهما لا وجود إلّا لحضارةٍ واحدةٍ حيّةٍ ناشطةٍ هي حضارة الغرب، وأمّا الحضارات الأخرى فهي ميتةٌ وخامدةٌ وساكنةٌ…
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد عادل العلوي
الشيخ محمد صنقور
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
الشيخ جعفر السبحاني
السيد جعفر مرتضى
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ حسين الخشن
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
حبيب المعاتيق
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
التعددية الدينية
زيادة الذاكرة
الضمائر في سورة الشمس
متى وكيف تستخدم الميلاتونين المنوم ليساعدك على النوم؟
تراتيل الفجر، تزفّ حافظَينِ للقرآن الكريم
في رحاب العيد
لنبدأ انطلاقة جديدة مع الله
المنطقة تحتفل بعيد الفطر، صلاة ودعاء وأضواء وتواصل
من أعمال وداع شهر رمضان المبارك
العيد الامتحان الصعب للحمية