
نحن نعلم أنّ هذا العالم لم يُخلق عبثاً ولا لهواً، بَيدَ أنّنا لو نظرنا إلى جهة النفاد والزوال والفناء والفساد والآلام والغصص والمصائب وحوادث الموت دون أن نلحظ بعدها تلك الحياة الأبديّة السرمديّة، ودون أن نعتبر ذلك طريقاً لبلوغ تلك الحقيقة الثابتة؛ فإنّ خلق العالم سيكون - بلا شكّ - عبثاً لا طائل بعده.
أمّا لو استهدفت هذه الحركات مقصداً معيّناً، واستهدف كلّ هذا البحث أمراً معيّناً، وتعلّق بهدفٍ مشخّص؛ ولو كان كلّ هذا الفِراق من أجل وصالٍ ما، وهذه الـمَجازات من أجل بلوغ حقيقةٍ ما، وهذه النشاطات من أجل إدراك منزل محدّد، فسيكون محطّ رحال هذا العالم المتحرّك معاده الذي يتحرّك إليه فيصله ويسكن إليه. ولدينا برهان فلسفيّ وعقليّ في عدم بطلان العالم، إذ حيثما وُجدتْ حركة ما، وُجد هنالك هدف وغاية.
ولـمّا كان أساس العالم قائمًا على الحقّ، فلن يكون الباطل هو الغاية والنتيجة المتوخّاة من أساس الحقّ، لأنّ الباطل والعبث واللغو أمور عارية عن القصد والغاية.
أمّا فيما لو تحرّك الحقّ، اتّجهت حركته نحو الحقّ، ولبلغه. وسيكون ذلك الحقّ هو الغاية الإراديّة لذلك الفعل وتلك الحركة. وبما أنّ الفعل الإراديّ يبلغ بالمتحرّك إلى الغاية الباعثة على الحركة، وأنّ نفس المحرِّك - وهو العلّة الفاعلة للتحريك - هو علّة غائيّة لذلك التحريك، فمن المحال أن تكون الغاية من الفعل (أي الفعل الذي تمثّل الحركة والبحث أساس وجوده) منصبّة في نفس الفعل. ولا يمكن أن يكون الهدف من عالم الخلق هو نفس عالم الخلق، مع افتراض مشاهدتنا لعالم الخلق متحرّكاً في ذاته، في سير وبحث دائبينِ.
وينبغي - على هذا الأساس - أن تتّجه هذه الحركة إلى السكون المطلق، ويركن هذا النشاط والحيويّة إلى الهدوء والاستقرار، ويميل هذا الهيجان إلى السكون والصمت، وأن يستهدف هذا التغيير والتحوّل بلوغ جانب الثبات والاستقرار، وإلّا فسيستلزم ذلك لغويّة وبطلان هذا العالم.
أجل، فليس هناك من معاد للموجودات التي لا تمتلك حركة، سواء كانت تلك الحركة ذاتيّةً أم عرضيّة، أم حركة من النقصان إلى الكمال؛ ولا للموجودات التي خُلقت منذ البدء في حال من الثبات والاستقرار والتجرّد، إذ ليس لتلك الموجودات من مبدأ، ليكون لها ثمّة عود ومعاد؛ وليس لها من نزول، ليتبعه ثمّة صعود؛ وليس لها من حركة، لتبحث عن السكون؛ إذ يختصّ هذا الأمر بالأسماء والصفات الكلّيّة الإلهيّة والاسم الأعظم والروح - وهو أفضل من جميع الملائكة - وبالمخلَصين المهيمنين على عالم الكثرة، الذين هم واسطة الفيض من المبدأ الواجب إلى الماهيّات والقوالب الإمكانيّة...
... وثمّة آيات تدلّ على عدم بطلان العالم، مثل آية: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالأرضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ). «1»
وآية: (إنَّ في خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لأيَاتٍ لُأولِي الألْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). «2»
وآية: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ، لَوْ أرَدْنَآ أن نَتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ (دون أن يعترض علينا أحد، لكنّ ما خلقناه كان عين المصلحة والحكمة) إن كُنَّا فَاعِلِينَ، بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ). «3»
والآية التالية أكثر وضوحاً: (أنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ في النَّارِ ابْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ في الأرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ). «4»
أي أنّ الباطل، له صورة غير دائمة من الباطل، ومسيَّر نحو الحقّ، وأنّ ثمّة حقّ مقاوم يكمن في باطن كلّ باطل. وهذه أمثال يضربها الله عزّ وجلّ لتدركوا من سير الزمان وتغييرات العالم، ومن المصائب والشدائد ما اقترن بها من الحقّ، ولازمها ملازمة حتميّة. إذاً، فحركة العالم هي حركة باتّجاه الحقّ تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - الآية 27 ، من السورة 38 : ص .
(2) - الآيتان 190 و 191 ، من السورة 3 : آل عمران .
(3) - الآيتان 16 و 17 ، من السورة 21 : الأنبياء .
(4) - الآية 17 ، من السورة 13 : الرعد .
أقسام العلّة
الشيخ محمد جواد مغنية
البحث التاريخي
السيد جعفر مرتضى
معنى (نضد) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
الكلمات في القرآن الكريم
الشيخ جعفر السبحاني
الصورة والفاعلية التواصلية
أثير السادة
لمحات من عالم البرزخ
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حياتنـا كما يرسمها الدين
السيد علي عباس الموسوي
اتجاهات التفسير في المكي والمدني
الشيخ محمد علي التسخيري
الألفاظ الدالة على الأصوات في القرآن الكريم
الدكتور محمد حسين علي الصغير
كيف تنمو دوافع الخير والكمال في أبنائنا؟
السيد عباس نور الدين
السيّدة المعصومة: ملتقى الجمال والجلال
حسين حسن آل جامع
على غالق
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
مراكز متقدّمة لأشبال تراتيل الفجر في مسابقة (اقرأ) في البحرين
أقسام العلّة
البحث التاريخي
معنى (نضد) في القرآن الكريم
الكلمات في القرآن الكريم
الصورة والفاعلية التواصلية
لمحات من عالم البرزخ
ثلاثة كتب جديدة للدكتور علي الدرورة
(أفياء شعريّة) أمسية لفاضل الجابر في نادي صوت المجاز الأدبيّ
بماذا كان يدين النّبيّ (ص) قبل البعثة؟